23-سبتمبر-2019

تستغل بعض الأطراف السياسية سكان العشوائيات والتجاوزات كرصيد انتخابي (Getty)

من بغداد إلى البصرة ثم كربلاء، امتدت حملة ضد التجاوزات على أراضي الدولة وشوارعها في محاولة لتحقيق "إنجاز حكومي"، لكنها اصطدمت بسوء التخطيط وغياب البدائل في ظل أزمة سكن خانقة تواجهها البلاد وارتفاع أسعار العقارات مقابل معدلات عالية للفقر وآلاف الأسر المحرومة والمشردة، في حين تتحرك "أطراف متنفذة" لإفشال محاولات تفكيك العشوائيات وإزالة التجاوزات للحفاظ على مصالحها.

امتدت حملة ضد التجاوزات من بغداد إلى البصرة وكربلاء لكنها اصطدمت بسوء التخطيط وغياب البدائل ومصالح متنفذين 

يقول عباس الحسناوي، عضو خلية المتابعة في المكتب الخاص لرئيس الوزراء، إن "التجاوزات في العاصمة بغداد أنواع، ومنها ما يخص الأراض زراعية التي تحولت إلى مناطق سكنية"، مبينًا أن "بعض تلك الأراضي تضم على شوارع عامة مسجلة ضمن خرائط أمانة بغداد، لكنها اليوم تشهد وجود منازل متجاوزة".

اقرأ/ي أيضًا: حي المعامل في بغداد.. نفايات الفساد تأكل وجه الحياة

يضيف الحسناوي في حديث لـ "الترا عراق"، أن "المناطق المتجاوزة والتي لم تتضمنها خرائط العاصمة، لا سبيل لحل معضلتها سوى بالإزالة، كونها تعيق تنفيذ مشاريع توسع العاصمة من خلال الطرق العامة وغيرها"، فيما أشار إلى أن "الوضع في كربلاء لا يختلف كثيرًا عن ما يجري في العاصمة".

أوضح الحسناوي، أن "الحكومة المحلية في كربلاء وفرت 350 منزلًا واطئ الكلفة ومجمع للنزاحين، بهدف إيواء العوائل التي ستشملها حملة إزالة المنازل المتجاوزة"، مؤكدًا أن "التجاوزات كانت تعيق مشاريع مهمة وشوارع مهمة جدًا تدخل ضمن خطط محافظة كربلاء، بينما هناك بيوت متجاوزة في مناطق أخرى لم تتم إزالتها كونها تقع على أراض غير مهمة".

في بغداد تبدو الأزمة أكبر مما يشير إليه عضو خلية المتابعة في المكتب الخاص لرئيس الوزراء، حيث تفوق بعض الأحياء العشوائية المناطق النظامية من حيث عدد المنازل والسكان!

ويرى نائب رئيس مجلس محافظة بغداد، عادل الساعدي، أن تطبيق قرار مجلس  الوزراء بتنظيم العشوائيات وإزاالة التجاوزات، يتطلب توفير الحلول البديلة المنظمة من قبل الدولة، والتعامل مع التجاوزات "كل على حدة"، عادًا أن "هناك تجاوزات مؤثرة على أراض تملكها الدولة وهي قليلة تحتاج إلى معالجة".

يقول الساعدي في حديث لـ "الترا عراق"، إن "ملف السكن مسؤولية كبرى العراق يواجهها بصورة عامة وبغداد بصورة خاصة، حيث تصل العشوائيات إلى أكثر من 40 مدينة، تفوق بعضها المناطق السكنية النظامية"، مشيرًا إلى أن "العشوائيات حلت مشاكل السكن لعدد كبير من المواطنين، لكنها عادت بنتائج سلبية كبيرة على العاصمة من حيث الخدمات والتأثير على المشاريع، وغيرها"، فيما دعا البرلمان إلى مواجهة الأزمة "عبر إقرار قانون التجاوزات والعشوائيات الذي جرت قراءته قراءة أولى".

لكن العشوائيات ومناطق التجاوزات لا تضم الفقراء فقط، بل "منتفعين" على صلات بمسؤولين وأحزاب متنفذة، يتاجرون بالمنازل فيها ويسيطرون على مواقع مهمة ودوائر للدولة منذ سقوط النظام السابق، كحال منطقة الإسكان قرب المنصور، أحد أرقى أحياء العاصمة بغداد، وفق شهادات مواطنين، دون أن تتعرض لهم الدولة أو تزيل تلك التجاوزات والتي تشمل مديرية تابعة لوزارة الداخلية وملجأً يقع في وسط المنطقة، على الرغم من إنذارهم عدة مرات.

تضم العشوائيات فقراء و"متنفعين" على صلات بمسؤولين وأحزاب متنفذة، يتاجرون بالمنازل فيها ويسيطرون على مواقع مهمة ودوائر للدولة

في البصرة، لا يختلف الأمر كثيرًا، تضم التجاوزات عوائل معدمة إلى جانب "أوكار" للعصابات التي تمارس الجرائم المنظمة ونشاطات تتعلق بالمخدرات، فيما تواصل دوائر البلدية في المحافظة حملتها ضد التجاوزات والتي تعهد المحافظ، أسعد العيداني باستمرارها، بعد أن قال إنه تعرض لتهديدات بعضها جاء عبر اتصال من "رقم إيراني" لوقف الحملة.

يقول مجيب الحساني، عضو مجلس محافظة البصرة، إن "الحكومة المحلية تسعى إلى استمرار تطبيق قرار إزاالة التجاوزات، وإخراج وجه البصرة الحقيقي"، مبينًا أن "حملات الإزالة شملت المناطق العامة التي لها أهمية كبرى والأراضي والشوارع الرئيسية والجزرات الوسطية التي تعبر عن جمالية المحافظة".

يضيف الحساني، أن "البدائل قيد العمل فيما يخص أصحاب معارض السيارات وشركات ومحلات متجاوزة، وتم التنسيق لإيجاد أماكن بديلة لأصحابها"، مشيرًا إلى أن "قرار رفع التجاوزات حاليًا لا يشمل أي دور سكن، وإنما فقط المحلات والأرصفة والمناطق الخضراء والكتل الكونكريتية”.

كما يؤكد، أن "التجاوزات أثرت بشكل بالغ على ضعف الخدمات في العديد من المناطق ضمن محافظة البصرة"، فيما أوضح أن "الدور السكنية ضمن شارع بغداد قد تلقت إنذارات، وسوف يتم إزالتها في حال تم توفير بديل".

في كربلاء، والتي تضم 86 حيًا عشوائيًا، دخلت الحكومة المحلية على خط الحملات ضد التجاوزات تطبيقًا لقرار مجلس الوزراء المرقم 305، لكن تظاهرات في المدينة أجبرتها على وقف حملتها، مع استثناء 8 شرائح من الإعفاء من بينهم "منتهكو قدسية المحافظة"، وفق كتاب رسمي من نائب محافظ كربلاء، جاسم الفتلاوي.

اقرأ/ي أيضًا: يفضلها الفقراء ولا تعيقها الأزقة الضيقة.. الوجه الآخر "للتوك توك"

وشملت الشرائح التي لم يشملها قرار الإعفاء من الحملة ضد المنازل: العوائل التي ارتكب أحد افرادها جريمة تمس أمن أو قدسية كربلاء، سكان الدور التي تتعارض مع مشاريع إعمار المحافظة، المتجاوزون على الأرصفة والأماكن التجارية، دور من يتاجر أو يتعاطى الممنوعات، دور من يمتلك قطعة أرض سكنية أو زراعية في كربلاء أو خارجها، دور الأشخاص الذين يمتهنون تربية المواشي في الأحياء، أصحاب الدخل الجيد ممن يمتلك عجلات الحمل أو العجلات الثقيلة، والمتجاوزين في مركز المدينة القديمة.

تستغل بعض الأطراف السياسية سكان العشوائيات والتجاوزات كرصيد انتخابي كل أربع سنوات ما يدفعها إلى الوقوف في وجه حلول الأزمة

كان المحافظ نصيف الخطابي قال، إن "حملة رفع التجاوزات مرتبطة برؤية واضحة في معالجة توفير السكن البديل للمواطنين، خلال آلية سيتم اعتمادها بفرز من يمتلك قطعة أرض سكنية أو منزل عن الذين لايمتلكون مسكن أو قطعة أرض، ليتم إسكانهم عن طريق الدور الواطئة الكلفة أو المنازل الاقتصادية التي كان يشغلها النازحون، أو من خلال البرنامج الذي ستقوم به الحكومة المحلية والذي يتضمن توزيع قطع أراض يتم ايصال الخدمات إليها"، كما اتهم المحافظ أطرافًا باللجوء إلى مزايدات لـ "تحقيق أهداف يعلمها الجميع"، عبر الوقوف ضد الحملة ضد التجاوزات بدعوى وجود فقراء.

وتعالت الأصوات المعارضة للحملة على عدة مستويات شعبية وساسية وأخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة عدم توفير بدائل للسكن للشرائح التي ستطالها الحملة، في ظل أزمة خانقة وارتفاع أسعار العقارات في مناطق البلاد، لكن بعض تلك الأصوات لها "مآرب أخرى" من بينها الحرص على عدم خسارة أصحاب العشوائيات والأحياء المتجاوزة كـ "رصيد انتخابي" كل أربع سنوات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا نهر ولا خضراء.. مدينة الصدر تختنق "فعلًا" لا مجازًا!

"الوحش الأسود" يخنق بغداد بـ"رائحة الفساد".. سيارات حكومية وأياد مجهولة!