12-يونيو-2020

الخطورة تكمن مع المخاتلين ومستشاري الظل (فيسبوك)

تنفتح مع كُل ثورة شعبية آفاقًا جديدة للانتهازيين، وكل واحد منهم يضع هدفه أمامه ويرسم سبيلًا لتحقيقه، وهذا بالضبط ما فعله الكثير من مثقفي العراق خلال ثورة تشرين، وكلٌ بطريقته. الواضحون من هؤلاء المثقفين اعتبرهم أقل خطرًا لأنهم يختارون من البداية جهة السلطة، ويرفلون تحت ظلها مسخرين كل إمكانياتهم للدفاع عنها والتبرير لها، وهؤلاء رأيناهم حتى قبل اندلاع الثورة حين كان الشباب يحشدون لمسيرات الاحتجاج، حيث أنبرت أقلام مثقفي السلطة لتسقيط هذا الحراك حتى قبل ولادته مطلقين أنواع الأحكام الجاهزة والاتهامات المسبقة غير المنطقية؛ لأن منطقهم كان دائمًا منطق السلطة حتى لو أنه يتعارض مع مبادئهم الإنسانية التي يدعون تبنيها ستجد عند هؤلاء دائمًا التخريجة أو "الحيلة الشرعية" التي تنتصر لموقفهم المراعي لمزاج السلطة، لكنهم كما قلت سابقًا واضحون لا يستحون من ماضيهم المتخم بمدائح القائد الضرورة حين كانوا خدامًا لسلطة نظامه المباد. هؤلاء الواضحون لا انتظر منهم ما لا يتفق مع سردية السلطة لأنهم مرتبطون بإشارة أصبعها وينامون تحت جناحها من دون وخز ضمير.

لكني أرى بشكل شخصي أنَّ الخطورة تكمن مع المخاتلين ومستشاري الظل، الذين يطمئنون لانتماء حزبي خفي خدمهم خلال آخر عشر سنوات وشرع أمامهم بوابة الامتيازات وبذلك صاروا أصواتًا لخطاب الاحزاب المحاصصاتي، يظهرون في لحظة الحاجة، يصفهم عالم الاجتماع الدكتور علي شريعتي بـ"جرثومة الانحراف في كل الانتفاضات" لأن الإنسان بحسب رأيه "لا يمكن أن يستطيع أن يبقى مخلصًا وصادقًا في ثورة اجتماعية حتى النهاية، ووفيًا لها، إلا إن كان ثوريًا قبلها ومتناسقًا معها". 

وتمثل ثورة تشرين لحظة الحاجة التي جعلت العديد من المخاتلين يمسكون العصا من المنتصف، بعضهم آثروا الصمت الذي يضمن لهم حجة غياب تقييهم من المسائلة، راضين بأضعف الإيمان مناصب الظل ومغذياتها الاقتصادية، بينما البعض الآخر نهج لغة الالغاز التي تضمن لهم خط رجعة دائم مع محاور السلطة الظالمة؛ من أجل كسب المغانم، لغة مطاطية تمنح تابعيهم فرصة التبرير لهم لاحقًا من أجل ترميم المواقف، وبذلك يكونوا قد ضمنوا الواجهة الثقافية الإنسانية وفي الوقت ذاته يكسبون رضا الحاضن السياسي ليفتح لهم لاحقًا بوابة مغارة جديدة.

إن خطورة المخاتلين تأتي من قدرتهم على إجهاض الأمل بالخداع، ويكون ذلك من خلال تركيزهم على أبعد نقطة، لكنهم يسلكون الطريق الأقصر من أجل الوصول ولو كان على حساب الأرواح، وهكذا يصلون الكرسي مدهونًا بماء وجوههم ومغطى برماد ضمائرهم التي احترقت، حين صاروا محامين للشيطان. يرتدون ثياب الحكمة غير اللائقة عليهم ويستحضرون (منعرج اللوى) كي يتلذذوا بلوم الضعيف، تمثل لهم لحظة التغيير كابوسًا مرعبًا يقلق نومهم تحت سقف نظام الوهم الذي بذلوا جهودا حثيثة لتلميعه لأنه ضمان بقائهم في عليين المناصب التي لا تحتاج منهم سوى مهارات دونية، تحت مبدأ "هزها تجلب رزقها".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سبعة قرون من الاستبداد

"شرط الانتقال" المتعثر.. إنك لا تختار وزراءك مرتين