07-أبريل-2022

بينما تتداول في العراق منذ ساعات عدة أقاويل حول دخول البلاد فيما يعرف بـ "الفراغ الدستوري"، يؤكد الخبراء في القانون عدم وجود تسمية كهذه في النصوص الدستورية الواضحة والصريحة والتي لا تقبل التأويل. لكن الوضع ما بعد انتهاء المهلة التي حددتها المحكمة الاتحادية العليا للبرلمان من أجل انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة 30 يوما والتي انتهت بمرور السادس من نيسان/أبريل، يجعل المساحة مفتوحة بشكل كبير أمام الكتل السياسية جميعًا بعد فترة عصيبة لم تشهد التوصل إلى صيغة تفاهم واضحة.

لا تتعلق الأزمة بالمحكمة الاتحادية قدر تعلقها بالشعب العراقي كجهة وحيدة قادرة على محاسبة مخترقي الدستور

القانونيون، وبحسب عدة لقاءات تلفزيونية وتصريحات في المواقع الإخبارية، تابعتها بشغف المقارنة بين ما سيتم قوله حول الوضع الحاصل في البلاد، عدّوا ما يحصل الآن "خرقًا" للدستور. ولكن في ذات الوقت لا يوجد عقاب له حددته المادة الدستورية، موضع النقاش حول انتخاب رئيس الجمهورية.

في ذات الوقت يشير الخبراء، إلى أنّ ما يمكن حصوله غير متعلق بالمحكمة الاتحادية العليا، حتى وإن تم الطعن أمامها وفتحت مدة الترشيح مرة أخرى، بقدر تعلقه بالشعب المترقب لتصفية الأوضاع والاستقرار الأمني والأزمة الاقتصادية الملمة به.

دستورنا العراقي، بني على خطأ منذ يومه الأول، وما يزيد الطامة الكبرى، هو أنّ هذا الدستور حظي بموافقة غالبية الشعب، ما يشير وبشكل واضح إلى أن كلّ من صوتوا عليه لم يكونوا على دراية لما فيه، ولو أنّ النخبة تولت توعية الناس بالقدر الكافي لما تم تمرير دستور مليء بالثغرات والمواد الضبابية والألغام. ولكن ما دام السياسيون الذين يواصلون الاحتكام للدستور هم ذاتهم من يخرقونه، فهذا يعني بأنّ احترامه وعدم احترامه ليس بالشيء المؤثر، ما دام العرف السياسي هو الفيصل الأول.

العرف السياسي، الذي قسم كل شيء في العراق منذ 2003، ووصل حتى لما لا يقبل القسمة كمسؤوليات تحتاج لذوي الخبرات، لكن استحوذ عليها من لا خبرة له في الوزارات والهيئات والمناصب بمختلف مسمياتها، فقط لأن العرف جاء لحفظ حق تمثيل المكونات الشيعية والسنية والكردية وغيرها، في حين أنّ الكفاءة والخبرة والمعرفة هي أيضَا ليست محترمة كما هو حال الدستور ومشكلته الحالية حول شخص رئيس الجمهورية أو الحكومة أو البرلمان.

نحن اليوم أمام صراع واضح بين العرف السياسي والهراء الكبير الذي تجذر من خلاله ونخر جسد الدولة بكل ما فيها من جهة، وبين الدستور الذي يفترض أن يكون الحاكم والمنظم الأول لكل خطوة أو إجراء في العراق من جهة أخرى، وذلك يستدعي تطبيق الشعب للجزاء الذي تحدث عنه أصحاب الاختصاص في القانون ذاتهم، حين قالوا، إنّ "جزاء مخالفة الطبقة السياسية للدستور ليس له عقوبة إلاّ من خلال الشعب، بتعبيره عن سخطه عبر التظاهر والاحتجاج والطرق المكفولة له لإيصال رأيه العام تجاه الخرق".

 فهل هذا يعني أنّ الانسداد السياسي والخرق الدستوري الحاصل وتبجح الأحزاب السياسية به وذكره في كل تصريح لمسؤوليهم وكأنه حدث طبيعي، سيستدعي نهضة الشعب مجددًا لفرض كلمته، كما فرضها بتظاهرات تشرين ليحقق الانتخابات المبكرة؟

إنّ عدم احترام الدستور هو عدم احترام للشعب، وبما أنّ الطبقة السياسية لم تعد تحترم الاثنين وتواصل رمي كرة النار بينها لتحمل الخرق الحاصل أمام أنظار الشعب الذي يتلوى من أزمة الأسعار وخطر المجاعة وفساد المؤسسات وهدر المال العام وارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة، فإنّ ذلك كله يحتاج لجردة حساب جديدة يتم التوقف عندها مع من يمثلون مكونات الشعب نفسه في هذا الصراع المرير.

يبقى السؤال الكبير قائمًا؛ هل حانت ساعة الحساب أم أنّ الوقت لا يسمح؟

وإذا كانت الانتخابات المبكرة قد حققت نجاها بالنسبة للشارع المحتج سابقًا، فما يحصل اليوم لا يمكن اعتباره نجاحًا في ظل غياب الحدية والقدرة على فرض صوت الأحزاب الناشئة التي تمثل الشارع، مقارنة بالنفوذ والسطوة التي تفرضها الأحزاب الكبيرة والمهيمنة، فما جاءت به قوة الضغط الشعبي من حركات ناشئة لتمثله وتميل لمصلحته وتطبقها بالحراك السياسي، يمكن أن يمحى أيضًا بسلخها من شرعيتها الشعبية إذا لم تكن هذه الجهات الممثلة على قدر المسؤولية بعدم احترامها للدستور أيضًا وذهابها مع من يعطلون إكمال الاستحقاقات اليوم.

وعليه، فإنّ أحدًا لا يحترم الدستور غير الشعب، ولا يمكن محاسبة الطبقة السياسية على خرق الدستور من قبل أي طرف غير الشعب أيضًا، ليبقى السؤال الكبير قائمًا؛ هل حانت ساعة الحساب أم أنّ الوقت لا يسمح؟