03-فبراير-2019

امرأة تتجول في أزقة بغداد (Getty)

عاطلة عن العمل منذ تخرجها عام 2016، تنهي لمياء علي (24 عامًا)، يومها بالبحث عن فرصة تُنهي بطالتها، إلى أن وجدت إعلانًا يقول "مطلوب سكرتيرة براتب شهري يبلغ "800$" ويعد بمكافآت يومية ومكان عمل مريح وآمن، ويضيف الإعلان "نبحث عن فتاة خلوقة وتحب عملها للقيام بمهمات إدارية بسيطة لا تتطلب خبرة، شرط أن تكون نزيهة ومخلصة"، كان الإعلان مذيلًا بهاتف صاحب العمل في تطبيق "السوق المفتوح" بتبويب وظائف شاغرة. بادرت لمياء بالاتصال سريعًا لحظتها واتفقت مع صاحب العمل على موعدٍ للمقابلة.

شركات وهمية تستدرج فتيات للعمل في الدعارة ومراكز المساج في بغداد 

تقول لمياء لـ"الترا عراق"، إن "الرجل بدا هادئًا ويتحدث بثقة عن فرصة عمل في شركة سياحية في منطقة المنصور، غربي بغداد، في شارع الرواد تحديدًا، مضيفة، أنه "سألني عن عمري وتحصيلي الدراسي، وأنهينا المكالمة على أمل اللقاء في اليوم الثاني للحديث عن العمل".

صبيحة اليوم الثاني، ذهبت لمياء إلى مكان المقابلة، لتجد نفسها في شقة بإحدى العمارات، داخل مكتب صغير يجلس عليه سيد كرار (صاحب العمل) وبالقرب منه، فتاتان. توضح لمياء، أنه "تحدثنا لبضع دقائق، وطلب بعدها أن نخرج، ـ أنا والفتاتان ـ إلى مكان العمل، سرنا قليلًا في شارع فرعي، ودون مقدمات طلبن مني أن أدخل إلى مركز مساج!". تلفت لمياء إلى أنها هربت مرعوبة، ولم تبحث بعدها عن أي فرصة عمل عبر الإنترنت.

اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب

وبحسب شهادات فتيات روين قصصهن مع شركات توظيف وهمية لـ"الترا عراق"، فإن المئات من القصص التي تحصل يوميًا في بغداد، تشبه قصة لمياء مع اختلاف الأشخاص والمكان ونوع الإعلان، والعدد في تزايد لعوامل كثيرة، أبرزها قلة الوظائف الحكومية ومعدل النمو السكاني، حيث تبلغ نسبة النساء العاطلات عن العمل حوالي 22% بحسب إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط.

تستغل شركات التوظيف الوهمية غياب القانون وعدم وعي النساء بما تفعله هذه الشركات، وهي تعمل باستمرار لإيقاع الفتيات الباحثات عن العمل في فخ الأعمال التي تستحصل أموالًا وفيرة عبر وعدهن بتوفير فرص عمل برواتب مجزية، ولطالما حاولت هذه الشركات إقناع الفتيات في العمل بالدعاية أو أماكن المساج، أو محاولة استدراجهن إلى سوق الجنس.

تحاول الشركات الوهمية في بغداد استغلال الفتيات العاطلات عن العمل واستدراجهن إلى أماكن الدعارة 

ويعرف عن هذه الشركات أنها غير مسجلة ولا مجازة، فهي لا تملك بالعادة موقعًا رسميًا محددًا، وتكون في أماكن منفصلة وبعيدة عن الأماكن الرسمية التي تدعي أنها تشغلها، وتستخدم منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإعلانات لصيد ضحاياها. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعلنت رصدها لعشرات الشركات الوهمية، قائلة إنها تقوم بالنصب والاحتيال على المواطنين الباحثين عن العمل بحجة توظيفهم وتشغيلهم ضمن القطاعات المختلفة.

 وحدّدت الوزارة في بيان أسماء وأماكن سبع شركات وهمية في بغداد، وهي "مشروع شركة حافز الكائن في منطقة الكرادة/ شارع النضال عمارة الفتح، وشركة طريق الأمل للخدمات وتشغيل الأيدي العاملة/ الكرادة قرب المسرح الوطني، ومكتب بغداد للتوظيف/ الكرادة، وشركة الرهف للتوظيف وتشغيل الأيدي العاملة/ الكرادة شارع 62، وشركة أرض السواد للتوظيف/ الكرخ – نفق الشرطة – عمارة الرحمن، وشركة طريق الأمل / المنصور تقاطع الرواد – عمارة ميسلون، وشركة الأبرار للتوظيف / بغداد"، فيما توعدت وزارة العمل تلك الشركات بإحالتها إلى القضاء من قبل المحكمة المختصة.

اقرأ/ي أيضًا: من "أسلمة" صدام إلى الغزو الأمريكي.. التاريخ الدموي لسوق الدعارة في العراق

(س. ن) هي الأخرى، التي رفضت الكشف عن اسمها لأسباب اجتماعية، تروي لـ"الترا عراق"، قصتها، مبينة أنها تعرضت للنصب والاحتيال مرتين من قبل تلك الشركات، آخرها كان إعلانًا لفرصة عمل في إحدى صفحات الفيسبوك، تقول إنها "وجدت أن عرض العمل قريب من محل سكنها فقامت بالتقديم عليه"، مضيفة أن "صاحب العمل يطلب سكرتيرة لمحاسب قانوني في منطقة بغداد الجديدة، وسيكون وقت الدوام لمدة يومين في الأسبوع فقط، وكان الراتب مغريًا".

وتابعت، أنه "أعجبني العرض، واتفقنا هاتفيًا وذهبت للمقابلة برفقة صديقتي، كان المكان عبارة عن شقة صغيرة جدًا، وفيها مجموعة من النساء، ومن خلال حديثهن فيما بينهن، علمت أن هذا المكان هو بيت دعارة، مشيرة إلى أنه "عند مقابلتي مع ذلك الشخص عرض علي أن أعمل بأي مكان يطلبونه مني دون أن اعترض على الوقت أو طبيعة العمل، لكني رفضت مباشرة، وحاولت أن أخرج بأسرع وقت"، لافتة إلى أنه "من بعد خروجي حاول هذا الشخص أن يقنعني من خلال اتصالاته التي لم أجب على واحدة منها، فحظرته من هاتفي لأتخلص منه".

لدى الشركات الوهمية أساليب في خداع الفتيات اللواتي لم يحصلن على فرصة عمل بعد إكمالهن الدراسة

ويحذر الباحث الاجتماعي د. رحيم الزبيدي الفتيات "من الذهاب إلى هذه الشركات دون أن يصطحبن معهن ذويهن"،  لافتًا في حديثه لـ"الترا عراق" إلى أهمية أن "تنتبه الفيتات إلى أساليب وخدع هذه الشركات، وأن لا يسكتن عند تعرضهن إلى أية محاولة للنصب أو الابتزاز أو إقناعهن بأعمال مخالفة للقانون والعرف".

 وفي السياق ذاته، دعا المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم، ببيان سابق في نيسان/أبريل 2015، المواطنين إلى "عدم اللجوء إلى مثل تلك الشركات كونها غير قانونية وغير مرخصة، مشيرًا إلى أن "الوزارة تسعى إلى زج الباحثين عن العمل في قطاعات العمل المختلفة لشركات ترغب بالتشغيل عن طريقها، فيما يتم إبلاغ الباحثين عن العمل المسجلين لديها عن تلك الوظائف الشاغرة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاتجار بالبشر في العراق.. تورّط مسؤولين في الدعارة وسرقة الأعضاء

العراق.. نمو سكاني يزيد أعداد الأرامل والأيتام