01-سبتمبر-2020

اقتناء السلاح أصبح ثقافة اجتماعية في العراق (Getty)

لا تخلو المواقع الإخبارية بشكل شبه أسبوعي من أخبار النزاعات العشائرية، ولا يبدو الأمر غريبًا عند قراءة استخدام أسلحة متنوعة الحجم، وبعيدًا عن أسباب النزاعات التي غالبًا ما تكون بسيطة، لكن من الطبيعي أن يقع ضحايا بين قتيل وجريح، بينما تقف القوات الأمنية مكتوفة الأيدي، لتدخل الزعامات العشائرية للبدء بتسوية وفقًا للأعراف، ويكون دور وزارة الداخلية غالبًا للتهدئة وحل الموضوع عشائريًا.

خلف نزاع الحسينية العديد من الضحايا بالإضافة إلى حرق منازل ومحال تجارية من الطرفين، فيما اتخذت القوات الأمنية موقف الحكمة، بحسب الداخلية

تتصدر محافظة البصرة عداد المواجهات العشائرية، وتوثق تسجيلات فيديوية يثبها مدونون على "فيسبوك" استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ولساعات طويلة، إلا أن النزاع العشائري الأخير في منطقة الحسينية شرقي بغداد قبل يومين أثار الجدل، إذ توجهت قوة عسكرية مكونة من 70 عجلة (همر) إلى المنطقة من أجل السيطرة على الموقف.

اقرأ/ي أيضًا: معركة شرقي بغداد.. نيران وقاذفات والداخلية مشغولة بخبر استقالة الغانمي

خلف نزاع الحسينية العديد من الضحايا بالإضافة إلى حرق منازل ومحال تجارية من الطرفين، فيما اتخذت القوات الأمنية موقف الحكمة، بحسب الناطق باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، والذي قال إن "القوات الأمنية كان موقفها يتسم بالحكمة، حيث وقفت بقوة عسكرية كبيرة جدًا، على أطراف المنطقة، وطوقت مكان الحادث، وأجرت اتصالات بشيوخ وزعماء القبائل، لاستحصال ما يسمى بالمهلة (العطوة)، ووقف النزاع لحين حسم الأمور، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فتم إلقاء القبض على شخصين لغاية الآن، فضلًا عن صدور ثماني مذكرات قبض قضائية بحق الذين ارتكبوا هذه الممارسات".   

الفساد أولًا

إزاء ذلك، يطرح السؤال عن آلية السيطرة على سلاح العشائر وفرض هيبة الدولة، خاصة بعد توجيهات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التي نقلها المحنا، وقال إن "هنالك أوامر عليا صدرت من القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، وبإشراف ومتابعة  وزير الداخلية، منها تفتيش واسع لكل المناطق التي تحصل فيها نزاعات عشائرية، وضبط الأسلحة ومصادرتها سواء كانت خفيفة أو متوسطة". 

وأضاف في بيان تابعه "ألترا عراق" أن "هناك توجهًا لدى الحكومة بردع هذه الأعمال، التي تهدد الأمن الوطني"، مبينًا أن "النزاعات العشائرية إحدى المشاكل الخطيرة، التي تهدد نسيج المجتمع العراقي"، مبينًا أن "المرحلة القادمة ستشهد إجراءات واسعة من قبل قيادات العمليات، ومديريات الشرطة، لفرض الأمن ومحاولة ضبط هذه الأسلحة، التي تستخدم لترويع المواطنين الأبرياء". 

يعتقد الخبير الأمني أحمد الشريفي أن الحل يكمن بـ"خطوات إجرائية بشكل عملي من قبل وزارة الداخلية، من خلال الوسائل المتاحة، من خلال تشريع قانون يتيح للجهات التنفيذية التطبيق"، مبينًا أن "السماح للأفراد بحمل السلاح بسبب تردي الوضع الأمني، لا يتيح للعشائر حمل السلاح بهذا الكميات والأنواع، فضلًا عن استخدامها في النزاعات".

ويضيف الشريفي لـ"ألترا عراق"، أن "الدولة عليها أولًا فرض سلطتها على الأحزاب وتجفيف منابع الفساد، لفرض هيبتها على العشائر والأفراد، خاصة وأن المبررات التي تتبناها العشائر تتعلق بضعف القانون بحمايتهم واستحصال حقوقهم".

شراء.. تعيينات

لم تكن هذه المرة الأولى التي تشهدها البلاد من انتشار السلاح لدى العشائر، إذ انتشر بطريقة مقاربة عقب انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، وكانت الأسباب مشابه إذ انتشر السلاح وبثمن زهيد بسبب الحرب، وهذا ما حدث بعد الاحتلال الأمريكي إذ سمحت قوات الاحتلال للمواطنين بدخول المعسكرات ومقرات الجيش وسرقة الأسلحة.

يستبعد الشيخ علي السراي تكرار تجربة النظام السابق معللًا ذلك بـ"انتشار السلاح بكميات ضعف السابق، وارتفاع الأسعار إذ تصلح بعض النوعيات إلى 4 ملايين، وظروف الدولة المالية التي لا تساعد على الشراء، بالإضافة إلى أن معظم أطراف العشائر لديها ارتباط مع المجاميع المسلحة".

ويقترح السراي في حديث لـ"ألترا عراق"، طريقة يعتقد أنها ممكنة وهي "التنسيق مع زعماء العشائر على جمع السلاح وتسليمه مقابل تعيينات لأفراد العشيرة في الدولة، وفق مجموعة شروط ومحددات يسبقها إعلان وتحديد مهلة زمنية للتنفيذ ثم تنفيذ حملة أمنية كبيرة ودقيقة وليست شكلية"، مبينًا أن "هذه الطريقة تضمن المركزية العشائرية وسهولة تعامل الدولة مع العشائر".

قال الخبير الأمني أحمد الشريفي إن الدولة عليها أولًا فرض سلطتها على الأحزاب وتجفيف منابع الفساد، لفرض هيبتها على العشائر والأفراد

ويضيف السراي أن "العشائر لا يمكنها أن تواجه الدولة من أجل الحفاظ على سلاحها، فهي ليست لديها طموحات توسعية أو فرض سيطرتها، وإنما تستخدمه وسيلة دفاع عن نفسها، مع وجود ضعف في المؤسسة الأمنية والقضائية"، لافتًا إلى "وجوب تفعيل دور القضاء في حل النزاعات بين المواطنين".

ويشير السراي إلى أن "اقتناء السلاح أصبح ثقافة اجتماعية خلال السنوات الماضية، بعد أن كان ذلك مقتصرًا على الريف، مستدركًا "لكن سكان المدن باتوا يتعاملون معه على أنه ضرورة، وكثير ما تجد لكل فرد من العائلة قطعة سلاح، خاصة المناطق الشعبية، ما يجعل المواطن يستسهل أشهار سلاحه والاعتداء على الآخرين، وهذا مصداق لمقولة من أمن العقاب أساء الأدب".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معسكر القبيلة

يد القبيلة الخفية في العراق.. خزان السلطة الموازية