29-سبتمبر-2021

السلطة الحاكمة مُصَمَّمة لتقتل وتخطف وتعوق كل من يطالب باسترجاع الوطن (فيسبوك)

معظم الشرور التي تنشأ بين البشر قائمة على سوء الفهم. حينما نضع أنفسنا مكان الآخر سنفهم حينئذ معنى الاشتراك في المعاناة. إلا أن المُستَغرب في ذلك كله تجاهلنا لهذا الجذر المشترك وأعني به المعاناة التي نكابدها نحن العراقيين. وكان لهذا التجاهل ثمنه الباهض؛ حيث ظلت السلطة بعدّتها الضخمة، وجمهورها المؤمن، هي من تحدد شكل السيادة المُتّبَع، وهي من تفرض شكل القوة الشرعية في ظل نظام يتستر بالاستبداد باسم الديمقراطية. فيمكن أن تكون الشرعية على طريقة التحقيق مع المشتبه بهم التي شهدنا الأيام الفائتة، أو إزالتهم من الوجود بوصفهم معرضين للسلطة السياسية، حتى لو ضمنت الديمقراطيات حق المعارضة غير أن تحديد أطر الشرعية من قبل السلطة المهيمنة وانفرادها في صياغة القرار وتشرذم المعارضة السياسية أدت إلى تفاقم المعاناة.

في العراق؛ النظام التعليمي مُصَمَّم لتنشئة أجيال كارهة للعلم، النظام الصحي مُصَمَّم لكي  يتوب المريض من الذهاب إلى مستشفى حكومي

وثم نوع آخر يفاقم معانتنا مرة بوصفنا عقائديين؛ فبعض حالات النفور التي نبديها تجاه الآخرين ليست بالضرورة قائمة على حجج مقنعة. فالحجة المقنعة، التي لا نعترف بها، هي أنّهم لا يشبهوننا؛ لا ينتمون إلى هويتنا، لا يفكرون مثلنا ولا يتصرفون طبقًا لقيمنا المألوفة. فنستخدم ضدهم التبرير ونحاول تحشيد أكبر قدر ممكن من الأشخاص الذين يتفقون معنا على هذا التبرير. يتفقون معنا في التحشيد لهذا التبرير لأنهم يشبهوننا! ويحملون ذات القيم التي نحملها، فيكتسب التبرير شرعية اجتماعية لنبذ المختلفين معنا لكي نخرجهم من دائرة "الحقيقة". هذه بعض مأساتنا كبشر؛ نفكر من خلال الأطر والنقاط المرجعية التي نعتقد بها صوابًا وما عداها يبدو تهديدًا لمألوفاتنا. إنها معضلة كبيرة حتى القانون، بشكل وبآخر، لا يقضي عليها كليًا رغم أهميته، إذ تبقى الجماعات تنتهز الفرصة المواتية لتظهر عنصريتها وتحيّزها في حالات الاختلال التي تظهر على مؤسسات الدولة. في العراق، نحتاج إلى تنشئة اجتماعية طويلة الأمد ليدرك العراقيين أنهم شعب واحد؛ يدرك الشيعة والسنة والأكراد، أن هوياتهم لا تجعل من الحياة وردية! ومن يشبههم في الهوية ليس بالضرورة سيحسّن من شروط عيشهم.

اقرأ/ي أيضًا: خطيئة الابتهال

بل أن هناك فئات اجتماعية ليست بالقليلة أدركت زيف هذه الحقيقة، واكتشفوا أن من يشبهونهم أٌقرب الناس لخيانتهم. ماذا فعل الشيعة للمذهب الشيعي، ماذا فعل السنة للمذهب السني، ماذا فعل الكرد للقومية الكردية؟ قد تكون الخطوة الأساسية لتبديد هذه الأوهام هو اختيار الممثلين على برامج اقتصادية تصب في صالح المواطن. أما الطائفة والقومية والقبيلة لن ينقص منها شيء ولا تضيف لها السياسة سوى مزيد من النفور والارتداد والكراهية والتمرّد. هذا ما نكتب عنه منذ سنين حتى أصبح كلامًا مكررًا ومملًا يشبه المحفوظات المدرسية.

ما ينقص هذه المحفوظات هو العمل. لكن من يعمل من يمتلك إرادة التغيير؟ باختصار شديد: جميع النخب السياسية مجمعة على تخريب البلد بإصرار يدعو إلى الحيرة، وكل الأجوبة مهما اتسمت بالعمق والتحليل لا تصل إلى مغزى هذا الإصرار الذي حيّر كل من يمتلك عقلًا في هذا البلد. ولذلك توجد عشرات الحجج، إن لم تكن بالآلاف، تدفعنا صوب التضامن بوصفنا معارضين للسلطة بدلًا من تبادل التهكم و"التحشيش" فيما بيننا كعارضين للنظام السياسي الفاسد!

 وثمة نوع ثالث من المعاناة أيضًا: النظام التعليمي مُصَمَّم لتنشئة أجيال كارهة للعلم، النظام الصحي مُصَمَّم لكي  يتوب المريض من الذهاب إلى مستشفى حكومي، نظام الماء والكهرباء مُصَمَّم لكي يبقى معضلة صعبة الحل على المستوى البعيد، النظام العسكري والأمني مُصَمَّم ليكون مُسَيَّسًا وتابعًا للأحزاب الحاكمة، النظام السياسي مُصَمَّم ليكون بعيدًا عن الوطنية والاستقلال ومقدمة لكل انقسام، السلطة الحاكمة مُصَمَّمة لتقتل وتخطف وتعوق كل من يطالب باسترجاع الوطن، الإعلام مُصَمَّم لتشويه الواقع ونقل الأكاذيب، الاقتصاد مُصَمَّم ليكون غير معروف هل هو اشتراكي أم رأسمالي أم مختلط! الوضع العام مُصَمَّم ليعيش الأغنياء ويموت الفقراء دفاعًا عن وطن لم يمنحهم شيئًا غير الموت. أي نوع من معاناتنا، المذكورة هنا باختصار شديد، تقودنا إلى أن نتضامن فيما بيننا وننسى ولو لحظة التفكير بمصالحنا وأنانياتنا الشخصية بدلًا من التفكير بالصالح العام، وهذا الأخير أبسط أشكاله هو إعلان التضامن لأنه جزء من الحل في حين نتحول نحن، من دون قصد، إلى جزء من المشكلة.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

طريق البرلمان.. رحلة المرشحين إلى الفردوس السعيد

عن الديكتاتور الصغير