19-فبراير-2018

الفنان نصير شمّه

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


نصير شمّه فنّان وموسيقار وعازف عود عراقي، يعد من أبرز الموسيقيين في العالم العربي. ولد عام 1964 في مدينة الكوت. حصل على العديد من الجوائز الدولية. أسّس "بيت العود" في القاهرة عام 1998. أضاف إلى العود وترًا جديدًا، وكرّس طريقة أكاديمية للعزف باليد واحدة من أجل مساعدة جرحى الحرب على التعلم.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

يعود تعلّقي بالكتب إلى طفولتي بداية سبعينات القرن الماضي، عندما بدأ النظام العراقي حملات مداهمة للبيوت لإلقاء القبض على الشيوعيين. كانت لدينا في البيت مكتبة كبيرة أسّسها إخوتي الكبار، وهي مكتبة حافلة بأعمال الفكر الماركسي. كانت الاعتقالات تطال شباب العائلات التي توجد في منازلها كتب شيوعية. حرقنا كمية من الكتب في تنور الخبز، لكنني بالحس الطفولي بدأتُ آخذ أجمل الكتب، تلك التي تعجبني أغلفتها، وأملأها في كيس (شوال) أرزّ فارغ، ثم أحملها إلى حديقة المحافظ في مدينة الكوت، لأدفنها تحت ترابها. وقتها لم أكن أقوى على حمل الكيس لذا كنت أسحبها في الشارع سحبًا، وليلًا أبدأ بعملية الدفن، بعد وضع الكتب في أكياس من البلاستيك. اخترتُ الحديقة لأنني كنت متأكدًا من أنها لن تخطر على بال أحد. لاحقًا بعد سنين أخرجتها من جديد، ولا أزال أحتفظ بالكثير مما لم يتلف منها.

ربما من ذلك الإحساس بالمسؤولية ولدتُ علاقتي مع الكتب!

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

لا أستطيع أن أقول إنّ هناك كتابًا واحدًا أثّر فيّ، لكن أفكارًا من كتب عديدة هي ما يبقى فينا. كثيرًا ما أنسى عناوين الكتب وأسماء المؤلفين إلا أن الصور التي أضافتها إليّ، والحالة التي وضعتني فيها، هي ما يحرّض دومًا على ولادة أفكار موسيقية جديدة.

أعود دومًا إلى كتاب "قصة الحضارة" لويل ديورانت، وفي كل مرّة أكتشف حجم الجهد الجبّار الذي بذله على الرغم من الملاحظات العديدة على أفكاره. إنه كتاب يضع بين أيدي القرّاء خلاصة مئات آلاف الكتب والوثائق والرؤى التي تلخص فعلًا قصة الحضارة.

كتاب "عالم صوفي" لجوستاين غاردر أجده حاضرًا في البال عندما أفكر في الكتب. فهذا الكتاب يعلّم القرّاء النظريات الفلسفية بطريقة مشوقة، من خلال رجل غامض يبعث برسائل عبر كلب إلى طفلة.

  • من هو كاتبك المفضّل، ولماذا أصبح كذلك؟

من كتابي المفضلين الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، الذي قرأتُ كتبه المختلفة: "شاعرية أحلام اليقظة" و"جماليات المكان" و"الماء والأحلام" وسواها. أحب بشكل خاص كتابه الذي صدرت له ترجمتان عربيتان، الأولى بعنوان "لهب شمعة" لمي عبد الكريم محمود، والثانية بعنوان "شعلة قنديل" لخليل أحمد خليل.

باشلار فتح ذهني على آفاق مختلفة من التفكير في الموسيقى، وفي توظيف أحلام اليقظة في أعمالي وتحويلها إلى أفعال، بحيث تصبح هذه الأحلام هي من يقودني لتحقيق الأفكار.

أنا أيضًا مأخوذ بالفلسفة القديمة، وخلال قراءاتي لاحظتُ أنّ المعلم الثاني الفارابي مظلوم للغاية، لأنه قدّم إنتاجه من خلال الثقافة العربية، وبالتالي لم يُسلّط عليه الضوء الذي يستحقه.

لدينا الكثير من كنوز ثقافية لا تزال مجهولة، خصوصًا ما هو موجود في مكتبات الأندلس القديمة. حين زرت مكتبات قرطبة الأثرية، قرأتُ للمضيفين صفحاتٍ من مخطوط عربي قديم، وقد وقعوا تحت سحر جماليات صوت اللغة. ومن باب الوفاء لهذه الثقافة اشتغلتُ فيلمًا عن زرياب.

لا بدّ من الإشارة إلى تجربة أدونيس، فحين اشتغلنا على تكريمه في "معهد العالم العربي" في باريس عام 2000، عكفت على دراسته بعمق ووجدت أن كتابه "الكتاب، أمسِ المكان الآن" رحلة معرفية موسوعية، وهذا النَّفَس موجود في أعماله الأخرى. أهمية أدونيس أنه امتلك دفتي المعرفة العربية والغربية وتشرّب بهما.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

الان أؤثث ذاكرتي بصورٍ تحمل معنى الكلمات، ولم أعد أكتب جملًا تعجبني كما كنت أفعل. صرت أفكر بطريقة ثانية، وهي كيف أحتفظ بجوهر الكلمة وفكرتها لأوظفها فيما بعد في ما يهم عملي، دون أن أقتبسها كما هي، بحيث يمكن أن أخرج منها بفكرة بعيدة عنها، لكنها في النهاية ذات مرجعية.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم أتلذّذ بقراءة كتاب إلكتروني واحد رغم أن لدي مكتبة إلكترونية عظيمة. لا أستسيغ الإلكتروني أبدًا وكثيرًا ما أفشل في إتمام القراءة على الآيباد. أشعر كما لو أنني أخون الورق.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أبدأ في كلّ مكان جديد بتأثيث مكتبة لأن الكتب هي عالمي، حتى لو كنت أعيش في شقة متواضعة، فبالنسبة لي وجود المكتبة يجعلها قصرًا. هناك كتب لا تزال مفتوحة بين مكتبتي في أبوظبي وبين مكتبتي الأكبر في القاهرة. أشعر أن كتابًا مفتوحًا هناك وآخر هنا هو حوار سحري. كانت لدي مكتبة في بغداد، في منطقة الكرّادة، لكنها تعرّضت للقصف وخسرت محتوياتها.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

بين يدي الآن رواية شارفت على الانتهاء منها هي "لستُ وقحة" للكاتبة العراقية سارة نزار، التي فوجئت بقدرتها على أن توصل وجع بطلتها إلى القارئ، وأن تطرح مواضيع العنف والقتل على الهوية التي مرّ بها العراق منذ 2006.

أقرأ عادة ثلاثة كتب مختلفة، وتجدني أتجوّل بينها إلى أن أنتهي منها جميعًا، وقد استعرتُ لهذه الطريقة تسميةً من الموسيقى هي "الكونتر بوينت"، حين تكون لديك ميلوديات تمشي مع بعضها البعض بالتوازي. أعتقد أن هذه الطريقة في القراءة تعطي قوةً للذاكرة، فرغم أنها تكون مقسّمة إلا أنها تعود إلى الترابط مع العودة إلى الكتاب، وبالنسبة لي هذا نوع من التمرين الرياضي الذي يبقي الذاكرة متوقدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سناء عون

مكتبة نعمة خالد