14-ديسمبر-2017

أرنون جرونبيرغ

القصص/الرواية المصوّرة، نوع من الأدب يفضّله قطاع واسع من القرّاء، بدأت تأخذ صيتها في مصر مع إعلان الزعيم الراحل مصطفى كامل في 1893 "صحيفة المدرسة"، التي كانت تنشر قصصًا عالمية مصورة ومترجمة. لكن تلك القصص، بعد ذلك، أخذت تقلّل من إنتاجها في مقابل انحسار الاهتمام بها، حتى بدايات ثورة 25 يناير، حيث انتشرت بقوة معه مرّة أخرى "رسوم الغرافيتي" التي اتخذت طابعًا سياسيًا قويًا ومعارضًا للنظام، باعتبارها وسيلة متعة وسهلة الوصول بالنسبة للأكثرية أيضًا، وفق القاعدة التي يقولها بها المشتغلون بالتحليل النفسي، التي تذهب إلى أن "أغلب الناس بصريون"؛ أي يميلون إلى مشاهدة الأشياء أكثر من قراءتها.

خاض الروائي الهولندي أرنون جرونبيرغ تجربة شجاعة في التجوال في الشرق الأوسط والكتابة عن ما يعانيه من رعب وصراع

ومن المفارقات في الفضاء العربي أن هذه الأهمية لم يقابلها سيل في عالم النشر؛ فالرواية المصورة حاليًا تُطرح في السوق الأدبي بقِلّة وقلق رغم أن العدد الذي يصدر منها يُتابع بشكل لا بأس به؛ فعلى ما يبدو أن ذلك النوع من الروايات سيأخذ رواجًا وانتشارًا في الفترة المقبلة أكثر، لأسباب تبدو منطقية وجذابة للقارئ الحالي للرواية، الذي قد لا يحبّذ الروايات الضخمة والكبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: "آخذك وأحملك بعيدًا"..رواية عن بؤساء إيطاليا

خاض الصحفي والمسرحي والروائي الهولندي أرنون جرونبيرغ (1971) تجربته دون خوف، إذ راهن على جمل قصيرة وواضحة، بسيطة ومحددة؛ محاولًا أن يختزل معاناة صحفي هولندي، يرى فيه رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها، أنه يحبّذ مناطق الحروب والصراع؛ فيرسله في رحلة إلى بغداد. يجد أرنون جرونبيرغ نفسه يكتب عن رحلته ذاتها روايته "من إسطنبول إلى بغداد"؛ موثقًا بها صعوبة خطواته وتنقلاته وما يعانيه الشارع العربي على امتداده من خوف ورعب وصراع.

يتجوّل الصحفي أرنون جرونبيرغ في الشرق الأوسط من تركيا إلى العراق بعيون "الأجنبي" غير المصنف أو المحسوب على فئة دون غيرها، مارًا بالمدن التركية والعراقية ثم سوريا، واصفًا ما تعانيه تلك المدن من أزمات. وبالرغم من أنه ينفي عن الرواية طابع "السياسية" إلّا أنها تقول ضمنيًا ما يمكن اعتباره إشاراتٍ سياسيةً من "توتر طائفي ودكتاتورية، رغم إنكار كل ذلك في نفس الوقت". يقول أرنون جرونبيرغ خلال الرواية: "سيكون هناك تقدم حقيقي إذا فتحت مراكز التسوق الفاخرة وفندق تتوفر فيه المعايير الغربية؛ أول ماكدونالدز في بغداد، حتى ذلك الحين هناك فراغ".

يقول أرنون جرونبيرغ لـ"ألترا صوت" إنه لم يكن في الحسبان أن تصدر الرواية مصوّرة، لكنه قرر بالتعاون مع صديقه الفنان هانكو كولك على أن يصدرا رواية ترسم معاناة الكاتب والشارع، وتنتقل بهذا النوع من الكتابة لقارئ غربي مختلف نسبيًا عن القارئ العربي المعتاد بأسلوب شيّق وبسيط.

ويؤكد أرنون جرونبيرغ: "لم أقصد من وراء كل ذلك توصيل رسالة أخلاقية ما للعالم، فقط أردت أن أصف بحيادية ودون محاباة أي طرف ما يجري داخل هذه المجتمعات، ورصد العادات والتقاليد، وكيفية تمكن الإنسان من الاستمرار في الحياة". هكذا يوضّح فلسفته عن توثيق حكايات الناس بشكل عام بالنسبة له.

يضيف: "لم أعمل فقط على هذا المشروع، بل عملت على مشاريع أخرى تخص فلسطين، إذ ذهبت إلى هناك لأرصد معاناتهم، كما ذهبت إلى لبنان وغيرها. في الواقع ذهبت إلى أغلب البلاد العربية التي تحكمها الدكتاتورية لأتحدث عنها وأسرد للناس كيف يعيشون؟". إلى جانب كل ذلك ذهب إلى أفغانستان وأراد الحديث إلى عناصر من طالبان رغم صعوبة الأمر.

 أرنون جرونبيرغ: ذهبت إلى أغلب البلاد العربية التي تحكمها الدكتاتورية لأتحدث عنها وأسرد للناس كيف يعيشون

وبالرغم من أن رواية "من إسطنبول إلى بغداد" كتبت في الأساس عام 2010 بالتحديد، إلا أن الكاتب أرنون جرونبيرغ يعتقد "أن القمع هناك لم يتغير كثيرًا"، لكن كتابة رواية عن نفس الوضع ستكون مختلفة كذلك، وسيضع في اعتباره أنه في المرة الأولى فقط كان لدى الناس تفاؤلًا؛ ظل ينحسر ويصبح أسوأ مع كل زيارة جديدة "حتى وصل البعض إلى أن يطلبوا مني أن يساعدهم في الحصول على تأشيرة للسفر إلى الخارج".

اقرأ/ي أيضًا: رواية "الحب لم يعد مناسبًا".. الثقة التامة بالصدفة

في سياق آخر، نلمس على مدار رواية "من إسطنبول إلى بغداد" الخوف الشديد من والدة الكاتب عليه تحسبًا لأي أخطار خلال مساره المفخخ، ما يرمّز للنظرة التي قد تبدو غير جيدة لأي أجنبي يفكر في السفر إلى تلك الأماكن باعتبارها مقامرة غير مأمونة العواقب، وهو ما دونه تفاصيله خلال روايته.

على حد وصف الكاتب أرنون جرونبيرغ، فإن هذه النصوص "تكمن وراءها وجهة نظر عدمية للعالم لا تزال مستمرة على مر السنين. فالبشر يجاهدون من أجل السيطرة. إنها حالة من المواجهة يضع أرنون الجميع فيها أمام مشاهد حيّة مصورة ومكتوبة للخضوع الذي يعيشه الناس هناك ليجبر العالم على رؤيتها سواء في العراق أو في سوريا أو فلسطين ويترك لنا بعد ذلك حرية التفاعل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "الثعالب الشاحبة".. خراب يليق بفرنسا

رواية "لعبة الملاك".. الغموض والبوليسية في تاريخ برشلونة