18-سبتمبر-2021

أخذت الطائفية أشكالًا جديدة لناحية فكرة التقسيم الاجتماعي (Getty)

نسمع ونقرأ الكثير من التحليلات التي يطلقها معلقون وسياسيون حول أهم مزايا قانون الانتخابات الجديد متمثلةً بإضعاف زعماء الكتل عبر اعتماد أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية وإمكانية صعود مرشحين مستقلين دون اشتراط الانتماء الحزبي وتسهيلاته. وإن كنّا نتفق مع جزء من هذا الطرح ونشكك بآخر لكن المسألة كما جرت العادة هي الابتعاد عن جوهر المشكلة بالتعلّق بقشورها ونسيان الأساس.

لقد غاب التركيز مجددًا على البرامج السياسية ولعلها أصبحت أكثر ابتذالًا مع القانون الجديد

النقد الذي وجهه كثيرون لنظام المحاصصة الطائفية كان يتضمن التسبب بالاحتقان المذهبي ويعزز احتمالات الاقتتال ويرسّخ الانقسام المجتمعي وما يحمله ذلك من تبعات سلبية على جميع الصعد؛ ومع ذلك، بالنسبة لنا ليست هذه كل الحكاية. فالمحاصصةُ ليست دلوًا ممتلئًا يصب في معين الطائفية فحسب بل هي مكبلٌ للنظام السياسي وما ينتج عنه أمنيًا واقتصاديًا. إحدى مشكلات المحاصصة هي ضرب عمق النظام الديمقراطي وأهميته، واختزاله إلى انتخابات تتصارع عليها كتلٌ بأجندة غير بنّاءة.

اقرأ/ي أيضًا: دون حق في اختيار الحكومة.. ماذا يعني وجود مئات المرشحين "المستقلين"؟

تغيب البرامجُ السياسية الوطنية والرؤى الاقتصادية عن نظمٍ تنتهج المحاصصة كما في العراق ولبنان، وبالتالي تحملُ الانتخاباتَ إلى حلبة أخرى لا تنتمي إلى الساحة الديمقراطية المنتجة التي نراها في عالمنا وليس في النظرية فقط.

مقابل الحديث عن المزايا، جرى نقاش في وسائل الإعلام حول سلبيات سن قانون الانتخابات الجديد الذي يعتمد على المناطقية، وأُختزل بأنه يعزز العشائرية والمناطقية، ومرة أخرى نتفق مع هذا الطرح لكنه ليس كل الحكاية.

لقد غاب التركيز مجددًا على البرامج السياسية ولعلها أصبحت أكثر ابتذالًا مع القانون الجديد، فإن كان الخطاب سابقًا يعتمدُ الطائفية للحصول على الأصوات ويغيّب البرامج، فالخطاب الآن يعتمد النزول إلى مستوى ما دون الطائفة: إلى المنطقة والقاطع والعشيرة.

ما خلا بعض الكتل التي ما زالت تتمسك بشعارات عامّة ملامسة أو بعيدة عن منهاجها ترى فيها ذخرها الجماهيري، حملت الشعارات الانتخابية للأفراد عبارات لا تصلح إلا للسخرية في نظام السخرية. في طريقي اليومي كتب شابٌ - يبدو أنه مستقل – عبارة "جيل الطيبين" على لافتة تحمل صورته واسمه ورقمه الانتخابي، وهي عبارة باتت لا تصلح للتداول حتى في مواقع التواصل الاجتماعي. أما الآخر فقد لَبِس ثوب المتقدم لخطبة فتاة أو شراء متجرٍ صغيرٍ في مجمع سكني، وخطّ على لافتته الدعائية عبارة "ابن المنطقة".

في جانب الكرخ، كان المرشحون أكثر انفتاحًا جغرافيًا من أقرانهم لاعتبارات اجتماعية وكذلك انتخابية تتعلق باسم الدائرة الانتخابية، فراحوا يطلقون تعهداتهم لأبناء القاطع ولا أدري ما الجامع العظيم والهوية التي يحملها أبناء القاطع. ترى في شوارع القاطع بعض المرشحين الذين كانوا في أكثر الكتل طائفيةً ناهيك عن الشبهات المعروفة يطالبون الناس بانتخابهم "من أجل الكرخ"، ويصفون الكرخ بـ"العراق المصغّر"، ولا نعلم مميزاتها الديموغرافية المكوناتية عن الرصافة، في واحدة من الشعارات التي لا ترتقي حتى إلى مستوى الشعوبية.

لم تُنتزع الطائفية بالتمام على المستوى السياسي لكنها أخذت أشكالًا جديدة لناحية فكرة التقسيم الاجتماعي وبصيغٍ أكثر شعبوية. كنّا في السابق نتحدث - نظريًا - عن استخدام الطائفية في الخطاب والشعارات وشاشات التلفاز للحصول على أصوات الجماهير وقد أثبتوا - عمليًا - في الدعاية الانتخابية الجديدة أنهم يستغلون نظام المحاصصة كما يجب، حين غيّروا دعاياتهم مع القانون الجديد وأصبحوا "مناطقيين" كما تفعل الحرباء بجلدها وتنطوي عن مجتمع الزواحف كما ينطوون هُم في مجلس النواب، في تطورٍ يعزز النظرية تطبيقيًا.

المشكلة لا تتعلق بالسنة والشيعة بوصفهما مذهبين للأغلبية العربية في العراق، بل استخدامها عوضًا عن الفكر والبرامج والمناهج في قيادة الدولة

ولا بد من القول ختامًا، إن المشكلة لا تتعلق بالسنة والشيعة بوصفهما مذهبين للأغلبية العربية في العراق، بل استخدامها عوضًا عن الفكر والبرامج والمناهج في قيادة الدولة، والانحدار إلى خطابات أكثر شعبوية من سابقتها.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات والتوقعات.. هل تكتمل خيبة الأمل؟

تنظيمات ما بعد تشرين: من المقاطعة إلى الممارسة