05-مارس-2019

"الأغنية الموصلية من ملا عثمان إلى "داعش (Getty)

يردلي، تحبون الله، دلال، وأغان أخرى تعد من الإرث الموصلي العريق، لكن فناني الموصل يعدّونها وافدة عليهم من ماردين التركية، بعدما سلخت وصودرت موشحاتهم الدينية، وانتقلت إلى القاهرة في مصر، لكن حتى الإرث الجديد، المثير للبهجة والسعادة، وجد نفسه مهددًا بعد قمع لكل مظاهر الحياة والفرح على مدى أكثر من ثلاث سنوات تحت حكم "داعش".

يعد ملا عثمان الموصلي الأشهر بأداء اللون الموصلي من الموشحات الدينية والذي يعتبر الإرث الحقيقي للأغنية الموصلية قبل أن تفد الأغاني الشهيرة من ماردين التركية

ملا عثمان الموصلي، ربما هو الأشهر على صعيد الموشحات الدينية، ذلك الرجل الذي كان متعبدًا قائمًا، سافر إلى تركيا ومن ثم إلى مصر تاركًا خلفه الموصل، وفي سبيل إيصال الموشحات الدينية ذات النشئة الموصلية، تعاون مع سيد درويش لكنه لم يكن يتوقع أن تتحول موشحاته إلى أغان مثل كل سنة زروني مرة وطلعت يا محلة نورها.

يقول رئيس قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة بالموصل تحسين حداد لـ "الترا عراق"، إن "الموصل مدينة تراثية دينية، وليست موسيقية، ولكنها حصلت على الأغاني التي اشتهرت بها، من خلال قربها من ماردين التركية التي تتحدث اللغة العربية باللهجة المصلاوية"، مبينًا أن "تراث الموصل هو الموشحات الدينية، وخاصة لملا عثمان الموصلي العالم المتصوف، لكن ذلك لا يمنع وجود أنواع من الغناء القديم في جنوب الموصل مثل العتابة والسويحلي".

أضاف حداد، أن "ملا عثمان غادر الموصل، باتجاه تركيا أيام السلطان عبد الحميد، حيث تلقى هناك دعمًا كبيرًا قبل أن يغادر إلى مصر، وبعد التعاون مع سيد درويش أخذها الأخير وغيرها إلى أغان دنيوية مثل زورني كل سنة مرة وطلعت يا محلة نورها، وأم عيون السود".

اقرأ/ي أيضًا: هدمها "جنود البغدادي" ولن تعود.. معالم اختفت من نينوى

ظهر في الموصل عقب ذلك أغان قادمة من ماردين التركية، أجاد أداءها مطربو الموصل، لخفتها وشعبيتها وطابعها المثير للبهجة والسرور، حتى باتت مشهورة ومعروفة للناس عامة في العراق، كما يؤكد حداد.

"دلال".. إلى الموصل ثم قطر

من جانبه يقول المطرب الموصلي ورئيس فرقة ملا عثمان الموصلي، عامر يونس يقول لـ "الترا عراق"، إن "أغاني ماردين لم تدخل فقط الموصل، وإنما دير الزور وحلب في سوريا، لكنها انتشرت في الموصل أكثر وأصبحت تغنى في كل مناسبة، مع غياب موشحات ملا عثمان الموصلي وتدخل سيد درويش بتغييرها".

يبين يونس، أن "يردلي ويا سماق وغيرها من الأغاني، أصبحت مرغوبة في العراق وكردستان، فضلًا عن دول أخرى من بينها قطر، على أنها من التراث الموصلي، دون تصحيح لذلك الاعتقاد الخاطئ"، مشيرًا إلى أن "كليات الفنون للأسف، لا تدرس الموشحات الدينية، ذات الطابع الأندلسي وتعتمد على أغاني ماردين، وغيرها من الأغاني والموسيقى في تدريس الطلبة".

أغاني ماردين.. وداعش!

لكن الموصل كادت أن تفقد حتى الأغنية الماردينية الوافدة، خلال حكم تنظيم "داعش"، لولا مطريبين مثل نبيل الشعار، فخري فاضل، وعامر يونس، الذين واصلوا غناء هذا اللون، في أربيل وعواصم عربية، محاولين الحفاظ على الوجه التراثي للموصل.

حيث دمر التنظيم، منازل وممتلكات الفنانين كعقوبة لهم، إلا أنهم استطاعوا إيصال رسالتهم والحفاظ على رونق الأغنية التي عرفت بها الموصل، كما يقول الصحافي محمد الطائي لـ "الترا عراق".

اقرأ/ي أيضًا: خبز الموصل ورجالها.. صور تروي واقع المدينة المنكوبة بداية القرن الماضي

ويضيف الطائي، أن "مطاعم أربيل باتت تخصص يومًا من كل أسبوع لمثل هذه الأغاني، التي يؤديها المطربون الموصليون، تحت عنوان جلسة جالغي بغدادي، حيث يلبس المطرب والفرقة المرافقة له عادة ملابس فلكلورية، وتشهد تلك الجلسات إقبالًا منقطع النظير"، مبينًا أن "أجور دخول تلك السهرات، تكون مرتفعة غالبًا، لما توفره من متعة لمرتاديها".

كادت الموصل أن تفقد إرثها الوافد خلال سنوات سيطرة تنظيم "داعش، كما  أن الغناء لا يزال غائبًا عن المدينة بعد مرور نحو سنتين على تحريرها 

لكن تلك الأغاني، لاتزال غائبة عن الموصل، المدينة المنكوبة، حيث يواصل مطربوها سكن المناطق والمدن التي نزحوا إليها، في ظل غياب عروض لتقديم مثل تلك السهرات أو الأغاني داخل المدينة، بحسب الطائي، مؤكدًا ضرورة عودتهم إلى الموصل والشروع بالغناء مجددًا كرسالة ضد الإرهاب، وبذات الوقت الحفاظ على اللون الغنائي الذي اشتهرت فيه الموصل، حتى وإن لم يكن محلي النشوء.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحت الموصل القديمة.. هكذا تعامل جثث جنود البغدادي

قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى