18-يناير-2022

هل يكرر الداخل صنع خارطة الحكومة؟ (فيسبوك)

كنّا ندعي في العام 2018 أن المعادلات السياسية الداخلية في العراق ليست مُطابقة أو مرهونة دائمًا بالضرورة بمعادلات الخارج وما تريده الأطراف المؤثرة والمهيمنة. ولا نعني أن للأطراف الداخلية المقصودة إرادة وطنية تفرضها على الخارج وإلا ما كان الحال على ما هو عليه، بل المقصود هو تتبع الفاعلين السياسيين لمصالحهم الذاتية وإن تقاطعت جزئيًا مع الخارج.

ما بقي مؤثرًا منذ الانتخابات السابقة وحتى الانتخابات التي نعيش تداعياتها الآن هو العامل الأمني وقدرة بعض الأطراف على إحداث زعزعة أمنية 

 كان المبعوث الأمريكي من الرئيس ترامب آنذاك بريت ماكغورك يخوض حراكًا جديًا تحدثت عنه أحزاب علنًا بهدف رسم خارطة حكومية بعد الانتخابات التي جاءت على أنقاض معركة كبيرة ضد تنظيم "داعش" نشأت خلالها قوى مسلحة أو تمظهرت بشكل رسمي مستفيدة من دعم شعبي وفتوى دينية وقانون برلماني.

اقرأ/ي أيضًا: الجلسة الأولى لنواب الاحتجاج: تكتك وموقف و"محاصصة"

انقسم الفائزون الأوائل إلى قسمين: قسم حمل اسم "الإصلاح" ضم مقتدى الصدر الفائز الأول وحيدر العبادي الفائز الثالث ومعهم عمار الحكيم وقوى سُنية، مقابل قسم حمل اسم "البناء" الفائز الثاني بقيادة هادي العامري ومعه الفصائل المسلحة، الضيف السياسي الثقيل هذه المرة. وبطبيعة الحال كان حراك ماكغورك يهدف إلى سحب القوى السُنية المتمكنة وكذلك الكردية إلى تحالف الصدر – العبادي ليشكل أغلبية تكون لها اليد الطولى في الحكومة.

قلنا آنذاك إن المعادلة الداخلية قد تنتصر على الخارجية. وبالفعل، صار تحالف البناء أكثر ثقلًا من الإصلاح بانضمام القوى الكردية والسُنية الرئيسة له، وتمثل ذلك بفوز محمد الحلبوسي حليف الفتح والمنضوي في تحالف البناء برئاسة مجلس النواب على حساب خالد العبيدي حليف الصدر آنذاك.

كان إصرار الصدر على تشكيلة حكومية لا تتكون من وجوه حزبية متماشيًا مع شعاراته التي أطلقها في ساحات التظاهر وتحالف مع القوى المدنية على أساسها ودخل الانتخابات متبنيًا لها. و هو ما لا يُناسب القوى الكردية والسُنية الراغبة بمشاركة أكبر في الحكومة بعد صدمة داعش. بالإضافة إلى ذلك كان تواجد الحشد الشعبي في المناطق السُنية أداةً للمساومة في سحب التكتل السُني الأقوى إلى تحالف البناء، وهو عامل مهم وحاسم في ترجيح كفة البناء التي فازت بمعادلتها الداخلية على الرغبة الأمريكية – العربية. وإن كان تحالف البناء قد تشكل برعاية إيرانية فلا يعني ذلك انتصارًا لإيران فحسب بل أنه في الأساس انتصار لمعادلة داخلية (متأثرة أيضًا بالمحيط) فرضتها الشروط الموضوعية لترجح كفة عامل خارجي على آخر.

الآن، تبدو لنا ذات المعادلة مع تغييرات في الأسماء: تشكل تحالف ثلاثي غير مرئي لكنه محسوس بين الصدر ومسعود البارزاني ومحمد الحلبوسي + خميس الخنجر الذي وصل متأخرًا. وبدا واضحًا الحراك التركي – الإماراتي في جمع الطرفين السُنيين مع بعضهما، وبالتالي مع البارزاني. وقبالة ذلك يقف الإطار التنسيقي جامعًا للقوى الشيعية القريبة من إيران والمعترضين على نتائج الانتخابات ابتداءً.

باستحضار نموذج 2018 نجد أن الصدر تخلى عن شروطه الصعبة وخاض تفاهمات عديدة مع أقوى حزبين لدى الكتل الكردية والسُنية. كما أن الحشد الشعبي لم يعد بذات القدرة "الابتزازية" للأطراف السُنية لناحية تمركزه داخل المدن آنذاك، وإن كانت فصائله عاملًا مؤثرًا قائمًا بذاته. لكن ما بقي مؤثرًا منذ الانتخابات السابقة وحتى الانتخابات التي نعيش تداعياتها الآن هو العامل الأمني وقدرة بعض الأطراف على إحداث زعزعة أمنية تهدف إلى تغيير المعادلة الداخلية الموجودة.

نفترض أن العامل الداخلي في تشكيل الحكومة منذ 2018 له من التأثير ما نسبته 60 بالمئة في رسم الخارطة بأساسياتها لا الجزئيات السياسية. مقابل 40 بالمئة للعامل الخارجي الذي ينقسم إلى إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. ونعتقد استنادًا إلى ذلك والمعطيات الداخلية بالمقارنة مع السابقة بأن الحلفاء الثلاثة بإمكانهم المضي في تسمية الوزارة الجديدة بترحيب أمريكي – عربي ضد الرغبة الإيرانية.

وإذ نُذكر بالعامل الذي بقي مؤثرًا منذ الانتخابات السابقة (الأمني) وإمكانية تغييره لبعض المعادلات، نضع نقطتين جوهريتين ستكونان حاسمتين في المشهد الختامي لانطلاق الدورة البرلمانية الخامسة: تتعلق الأولى بمسار المفاوضات الدولية – الإيرانية في فيينا ومدى تعثرها، وانعكاسات المسار على الوضع في الداخل. وتتعلق الثانية بالضعف المفزع الذي تُظهره حكومة بغداد اتجاه التهديدات الأمنية، ذلك الضعف الذي قد يُغري الأطراف المتمردة على التمادي وتفجير الوضع إلى الحد الذي يُجبر على تغيير المعادلة أو إدخالهم فيها عنوةً.

الحلفاء الثلاثة بإمكانهم المضي في تسمية الوزارة الجديدة بترحيب أمريكي – عربي ضد الرغبة الإيرانية

الخلاصة: إذا كان المسار الذي حَسم الأمور في الانتخابات السابقة ذاته الآن فأن الحلفاء الثلاثة ( الصدر – البارزاني – الحلبوسي ) سيستكملون المسار بانتخاب رئيس الجمهورية ثم تكليف رئيس الحكومة، ويقودون الدورة الخامسة؛ لكن عجز حكومة الكاظمي نقطة (قد) تكون معرقلة لهذا المسار، بانتظار تطورات فيينا نجاحًا وفشلًا - أو اللا تطورات - وما ستحمله المفاوضات من أثر على الوضع الداخلي في العراق.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نائب عن الكتلة الصدرية: استهداف مقار "الحلفاء" لن يوقف حكومة الأغلبية

خبير: أمر المحكمة الاتحادية "سابقة ضبط إيقاع" وقد يُثبت بقرار نهائي