18-سبتمبر-2019

منذ انتخابات آيار 2018 وهناك اختلاف واسع حول مفهوم التكنوقراط السياسي والمستقل (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

خاضت القوى السياسية مخاضًا عسيرًا في مفاوضات تشكيل كابينة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للمحافظة على توازنات "المعادلة المحاصصاتية". جدل ومزايدات في حينها بشأن منح الحرية لعبد المهدي في اختيار مرشحيه، بالرغم من أن الجميع تحدث عن تنازله من حصته الوزارية، إلا أن الحصيلة النهائية، كانت أربع وزارات قيل إنها تمثل "التكنوقراط المستقل"، وهي كل من الكهرباء والصحة والنفط والخارجية، أما الوزارات الأخرى، تم تقاسمها بين الأحزاب. 

يعمل الكثير من النواب بعيدًا عن دورهم الرقابي والتشريعي، حيث يحملون طلبات شخصية لمعارفهم وأقربائهم بالإضافة إلى المشاريع والصفقات و"الابتزاز"

مثّل تمرير الوزراء الأربعة اختبارًا عمليًا لتجربة المرشح التكنوقراط المستقل، في مواجهة التركة الثقيلة و"الفساد" الذي يتربع على عرش وزاراتهم، فضلًا عن التحديات التي يواجهونها في حساسية مناصبهم من حيث علاقتها بشرائح عديدة من الناس، بالإضافة إلى عدم وجود حشد نيابي يسند الوزير ما يجعله طعمًا سهلًا لأي استجواب برلماني.

معقبو معاملات وليسوا أعضاء برلمان!

يعمل الكثير من النواب بعيدًا عن دورهم الرقابي والتشريعي، حيث يحملون طلبات شخصية لمعارفهم وأقربائهم بالإضافة إلى المشاريع والصفقات و"الابتزاز"، ويتنقلون بين مكاتب الوزراء والمسؤولين التنفيذيين، بحسب شكاوى وردت من وزراء، آخرها من وزير الإسكان والإعمار، الذي قال إن "المسؤولين يبحثون عن التعيينات لأولادهم وبناتهم لأنهم "ضايجين".

اقرأ/ي أيضًا: معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

عزا مدير مكتب أحد النواب ذلك إلى "الضغط الذي يتعرّض له النائب من المواطنين الذي يواصلون الاتصال والحضور إلى  بيته ومكتبه ويطالبون بحل قضاياهم"، فيما يحمل النواب مسؤولية هذا الضغط "الكثير من النواب يعمل على كسب رضا ناخبيه بأي طريقة ما يجعله يتدخل بتمرير أشياء غير قانونية، بالإضافة إلى أن معظمهم سعداء بدور معقب المعاملات".

لم ينفِ مدير المكتب الذي رفض الكشف عن اسمه تلافيًا للإحراجات في حديث لـ"ألترا عراق"، وجود استهداف من بعض النواب لوزراء ومسؤولين خاصة في حالة علمهم بتمرير طلبات نائب على حساب آخر، لافتًا إلى أنه "بعد مضي نحو سنة على عمر الحكومة، بات معروفًا كل وزير من حلفاءه ومن يتعذرهم، فيعملون بالتنسيق مع بعضهم لترتيب حاجاتهم".

بشكل صريح تحدث وزير الكهرباء لؤي الخطيب عن تعرضه للابتزاز والضغوطات، بالإضافة إلى تهديدات من نواب بالاستجواب.

قال الخطيب في لقاء تلفزيوني تابعه "ألترا عراق"، "ننشغل يوميًا بمتابعة طلبات شخصية للنواب، ويتحدث بعضهم عن وزير لم يستقبلهم، ليكشفوا عن نيتهم لاستجوابه في البرلمان"، عادًا ذلك "ابتزاز بشكل واضح".

الكتل التي قدمت ما يسمى بـ"التكنوقراط المستقل"، هي ذاتها من يمارس عمليات الضغط و"الابتزاز" أحيانًا على الوزير المستقل

أولى المواجهات كانت من نصيب وزير الصحة علاء الدين العلوان، الذي قدم استقالته إلى رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي لأسباب تعود للابتزاز وحملات التضليل، ولم تكن هذه المرة الاولى التي يقدم العلوان فيها استقالته حيث أصدرت وزارة الصحة توضيحًا في 19 آذار/ مارس 2019، جاء فيه، أنه "سبق أن تقدم الوزير باستقالته إلى رئيس الوزراء منذ شهر مضت بسبب ضغوط غير منصفة وتجاوزات وتدخلات سافرة في عمله وعقبات مستمرة لا تزال توضع لتمنعه من المضي في تنفيذ الرؤية وخارطة الطريق". 

اقرأ/ي أيضًا: لماذا "يتشبّث" عادل عبد المهدي بوزير الصحة؟

لكن الكتل التي قدمت ما يسمى بـ"التكنوقراط المستقل"، هي ذاتها من يمارس عمليات الضغط و"الابتزاز" أحيانًا على الوزير المستقل، إذ أن عضو عن "سائرون" كان جزءًا من تقديم وزير الصحة استقالته، بالرغم من اختيار "سائرون" للوزير نفسه، وهو الأمر الذي تحركت الهيئة السياسية للتيار الصدري على أثره ضد "بطل" محاولات استجواب الوزير علاء الدين العلوان، عضو كتلة سائرون جواد الموسوي، وقامت بتجميده ستة أشهر، فضلًا عن ضغوطات تقوم بها كتل أخرى للظفر بـ"مشاريع الأدوية والمناقصات". 

"التكنوقراط" بين السياسي والمستقل

بعد استقالة وزير الصحة وعدم صموده في مواجهة الضغوط، برز بشكل واضح الصراع بين دعاة التكنوقراط المستقل والسياسي، حيث مثلت تجارب لوزراء في الحكومة السابقة تجارب عملية للتكنوقراط السياسي في مواجهة التكنوقراط المستقل.

في السياق، يرى المحلل إبراهيم الصميدعي أن "التكنوقراط هو تسلسل وظيفي وفقًا للتدرج من أول درجة عند التعيين وصولًا إلى أعلى درجة في النظام الحكومي، يكسب من خلاله الموظف خبرة في اختصاصه، وليس منصبًا سياسيًا كما هو شائع".

ويعتقد الصميدعي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الوزير منصب سيادي وسياسي، وليس بالضرورة أن يكون "تكنوقراط"، بدليل تسنم النساء في دول أوروبية لوزارة الدفاع، ما يعني أن الوزير السياسي هو من يدير الوزارة بالمشاركة مع فريقه من كوادر الوزارة "التكنوقراط" وفقًا لسياسة البلد"، بالرغم من تحمس الصميدعي لتجربة التكنوقراط المستقل سابقًا، إلا أنه لا يخفي أن ذلك فشل فشلًا ذريعًا في مواجهة ماكينة الفساد والمحاصصة. 

يعزو الصميدعي الفشل إلى "اتساع قاعدة الفساد السياسي في العراق، والذي يشترك الجميع فيها ما يمنع التكنوقراط من تطبيق كفاءته وحرفيته في الأداء، ويكون خاصرة رخوة للابتزاز، فيما يمارس الوزراء "السياسيين" عملهم بسلاسة ودون مشاكل".

عدم وجود كتلة في البرلمان تساند "التكنوقراط المستقل" هو ما يجعلهم يتعرضون للابتزاز وضغط الفساد بشكل دائم

أكثر الوزراء عرضة لابتزاز في هذه الحكومة والتي سبقتها، هم التكنوقراط المستقل بحسب الصميدعي، الذي يعلل ذلك بـ"عدم وجود كتلة تسندهم في البرلمان، بدلالة الضغط الذي تعرض له وزير الصحة، فضلًا عن زملائه الآخرين مثل وزير النفط ثامر الغضبان، والذي يعد من أفضل وزراء النفط بعد 2003 وهو يجمع بين التكنوقراط المستقل والسياسي كونه تدرج بشكل طبيعي في وزارة النفط فضلًا عن عمله كمستشار في رئاسة الوزراء بالإضافة إلى أنه وزير سابق".

اقرأ/ي أيضًا: ليست المرة الأولى.. ما أسباب "إصرار" وزير الصحة على الاستقالة؟

يستدل الصميدعي بتجربة تيار الحكمة في تقديمها وزيرين في حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهما كاظم فنجان للنقل وجبار لعيبي للنفط، والأخير نجح بحسب الصميدعي بشكل لافت وهو من كوادر الوزارة، لافتًا إلى "إمكانية تجربة فكرة التكنوقراط السياسي، وترشيح الكتل السياسية مرشحًا تسنده في البرلمان وتتحمل نتائجه، ليمارس علمه بمهنية".

يرى الصميدعي أن "استقالة العلوان برهان عملي على مدى قوة توسع وانتشار الفساد"، ما يؤكد الحاجة إلى "ثورة في الخلق الإداري والسياسي بمساعدة الضغط الشعبي ومواقف المرجعيات الدينية".

قدمت بعض الكتل السياسية مرشحيها إلى الوزارات تحت غطاء التكنوقراط المستقل، فيما تستثمر فيهم موارد الوزارة ولا تتحمل بنفس الوقت فشلهم، وتمارس لجانها الاقتصادية إدارة الملفات المهمة، فيما كان العلوان اختبار محض لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بالإضافة إلى وزير النفط وهي اختيارات ذكية ودقيقة، بحسب الصميدعي.

يستبعد الصميدعي أن يتكرر سيناريو العلوان مع بقية الوزراء التكنوقراط أو حتى استجوابهم في البرلمان وسحب الثقة، خاصة مع وزير الكهرباء لؤي الخطيب الذي  يتعرض للضغط ومحاولات الابتزاز، وهذا ما ذكره في غير مرة، لكنه "يستمد القوة والدعم من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، كون الأخير يشترك بشكل كبير في إدارة الوزارة ويهتم بها بشكل خاص بالتنسيق مع الخطيب، ما يجعل مصيره مرتبط برئيس الوزراء والقوة الداعمة له". 

 النائب عن تحالف سائرون قصي الياسري يرى أن حملة إعلامية وسياسية مدفوعة من جهات لم يسمها تسوق لمفهوم "التكنوقراط السياسي"

لكن مراقبين يرون أن مفهوم التكنوقراط السياسي، هو مفهوم غامض، خاصة أن الكتل السياسية في النظام العراقي ليست ديمقراطية تمارس عملها السياسي وفق سباق "المنجز"، إذ أنها تعتمد على الاستقطاب الطائفي والقبلي، وتمارس عملها بـ"الهوية الفرعية"، ما يجعل "التكنوقراط السياسي" ربما يؤدي إلى تطييف الوزارات أو يجعلها خاضعة لحزب الوزير، وهو الأمر الذي أدى لمطلب "التكنوقراط المستقل"، فضلًا عن آخرين رأوا أن أرضية الفساد الكبيرة هي الأساس في "إفشال" التكنوقراط سواء كان مستقلًا أو سياسيًا. 

اقرأ/ي أيضًا: التوازن.. الجذر الدستوري للمحاصصة

إزاء ذلك، يرى النائب عن تحالف سائرون قصي الياسري أن حملة إعلامية وسياسية مدفوعة من جهات لم يسمها تسوق لمفهوم "التكنوقراط السياسي".

أضاف الياسري في حديث لـ"ألترا عراق" أن "الوزراء المستقلين في حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يتعرضون لموجة من التسقيط والتقييم الخاطئ"، لافتًا إلى أن "موقف تحالفه ثابت إزاء وزارة الصحة من ضرورة تسنمها من قبل شخصية مستقلة ومهنية غير مرتبطة بكتلة سياسية".

لكن زميل الياسري في التحالف والقيادي في الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، يختلف معه في المراهنة على التكنوقراط المستقل، عازيًا ذلك إلى "الفوضى في المؤسسات، وعدم الاستقرار بالإضافة إلى دور الكتل السياسية وتنفذها في الوزارات"، مشيرًا إلى أن "تجربة التكنوقراط المستقل من الممكن أن تنجح في الدول الأكثر استقرارًا".

أضاف فهمي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "وجود كتلة سياسية تدعم وترشح شخصًا متخصصًا بشكل واضح أفضل من الترتيبات في الخفاء، ويجعلها أمام مسؤولية فشله ونجاحه على حدٍ سواء".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سوق "المحاصصة الأمريكية" في بلادنا

المحاصصة.. إعادة الإنتاج بـ"المعارضة" وغيرها!