03-فبراير-2020

(غسان غالب/ العراق)

دعيني

أُجَمّلُ هذا الغِيابْ..

أزيحُ الغُبارَ

عن الأُغنياتِ

وأمسحُ وجهَ الطريقِ بلُطفٍ

وأكسو الأمانيَ

حلوَ الثِيابْ

فإني

تَركتُ المدينةَ تطفو

على النفطِ، والدمعِ، واليافعينْ

وصوتُ المَحطّاتِ هذا النشيجُ

المرددُ من عَرَباتِ الأَنينْ

 فلا القَلبُ  يُدركُ حضنَ الضفافْ

و لا يسعُ الوقتَ غيرُ الجفافْ

لأنَ الحقولَ

انتظارٌ مُحلى

وكلُ المواعيدِ

قفرٌ.. عِجافُ..

لأني تَركتُ المدينةَ تَطفو

كقطعةِ صَبرٍ على ماءِ من

غادَرُونا

بعيدًا.. بعيدًا

وقالوا:

نعودْ

وقالوا:

 سنورقُ عندَ احمرارِ الورودْ

دعيني أدسُّ هديلَ الحمامِ

بكيسٍ سَيحمِلُ خُبزَ الجنودْ..

فإني

تركتُ ببَيتي البَسيط

عصايَ القديمةْ،

وطفلًا

لديهِ هوايةُ حفرِ الخنادقْ

وغادرتُ أُصلحُ ما أفسَدَتهُ البنادقْ

وجُرحي

وعصفورتي

يَرقبانِ،

اندلاعَ الصباحْ

 ووقتي يُشير إليه الوصول،

وكُلي جِهاتٌ  تُعاني الكساحْ.. 

دعيني

أُبعثرُ ما لَمْلَتهُ الرياحْ

لعلي أُرطبُ خَدَّ المَدينةْ

وأَرسُمُ شَمسًا تزورُ النوافذَ،

والثّكناتِ الحَزينةْ

وأُلقي على منكَبيها برفقٍ،

وشاحَ الهدوءِ،

ولونَ السَكينةْ

لعلّي أُرممُ من وجهِ أُمي المُجَعدِ

إثرَ أصفرارِ الدروبْ

أو المُنتشي بانتظار ٍ بليدٍ كَعُودِ بَخورْ

ففي كل عيدٍ تَزورُ الشموعُ

انتظارَ القبور..

وكلُ المحطاتِ تدري بأنَّ القطارَ سيأتي،

ويُلقي التحيةَ للأُمهاتِ

ويُلقي السَلامَ..

ويَمضي

سريعًا.. سريعًا

إلى جهةٍ لا ترد الجَميلْ..

دعيني..

فكلُ الجهاتِ اغترابْ

وكلُ الأحبةِ والأصدقاء

نُسجلُهُم كلَ يومٍ (غِيابْ..)

وكلُ الدروبِ تُؤدي إليهم،

ولكنّها لا تَفي بالإيابْ

         دعيني..

لَعَلّي سأُقنعُ هذا الرصاصَ البقاءَ بَعيدًا..

عن الياسمينْ،

أُغطي عيونَ الصغارِ بكُمي الممزقِ،

كي لا يَرَوا ما يُريدُ الدُخانْ

لعلّي أُخضّبُ

وَجهَ المدينةِ بالأقحوانْ..

فَخَلفي تَرَكتُ المنازلَ

أُمًّا

تَقشّرَ فوقَ يَديها الدُعاءْ

وصبرًا لذيذًا

كَصبرِ الخطايا عن الأنبياءْ

ونايًا شَهيًا

ونهرًا خَجولًا

 على ضفتيهِ اخضرارُ

الدماءْ..

أيُولدُ

من فوّهات المآسي

جنينُ الغناءْ؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحت تأثير المجاز

حين يبتسم العالم

 

دلالات: