24-يوليو-2021

لا بد من العمل على فك ارتباط مكونات المجتمع العميق عن السلطة (تعبيرية/فيسبوك)

يشير المجتمع العميق إلى وجود شبكات اجتماعية ذات أبعاد دينية وقبلية ومدنية راسخة في المجتمع، وتُمثّل هذه الشبكات من خلال المرجعيات الدينية، ومؤسسات المجتمع المدني، والتنظيمات القبلية، وجمعيات رجال الأعمال والنقابات المهنية، ويشترط وجود المجتمع العميق في المجتمعات، التي لديها ثقافة تاريخية ممتدة عبر العصور، إذ ينشط في المجتمعات المتقدمة والمتأخرة على حد سواء، لكنهُ أكثر فاعليةً في المجتمعات  المتقدمة، التي تمكنت من انتقال شبكاتها الاجتماعية التقليدية، التي تسيطر عليها ثقافة الخضوع والتمييز، إلى ثقافات مدنية تم تكريسها في المؤسسات، والنوادي الثقافية الأخرى، ويقدم نفسهُ بوصفهِ الحارس على ثقافة وقيم مجتمعاته، من خلال ممارسته السياسة دون المشاركة في السلطة.

 الأدوات المكونة للمجتمع العراقي تتجه أنظارها نحو السلطة بوصفها غنيمة دائمة تجلب لها الحماية من المخاطر الداخلية التي تهدد وجودها حسب تصورها

يعمل المجتمع العميق على منح الشرعية للنظام السياسي القائم وأدواته الممسكة في السلطة، على اعتبار أنه يمثل النظام الاجتماعي الذي يشارك من خلاله، في وضع المبادئ العامة للدولة، عبر المشاركة في كتابة الدساتير وغير ذلك، وفي حالة انحراف السلطة عن تلك المبادىء المرسومة، سيمارس المجتمع العميق السياسة من مبدأ الوصاية على الدولة ومجتمعها، من خلال مؤسساته السياسية والمدنية الممثلة لهُ، فضلًا عن تحريك الشارع لمواجهة مطامع السلطة، لذا تعيش المجتمعات المتقدمة حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي؛ بسبب فعالية المنظومة الاجتماعية. 

اقرأ/ي أيضًا: مثلث الانسداد: القبيلة والطائفة والريع

أما في الحالة العراقية الديمقراطية، وعلى الرغم من توفر  المتطلبات الأساسية، التي تسهم في تفعيل المجتمع العميق سواءً أكانت هذه المتطلبات تأريخية بطابعها الديني، أو العشائري، إلا أن هذا التفعيل لم يحدث؛ وذلك لأن الأمر نابع من أن الأدوات المكونة للمجتمع تتجه أنظارها نحو  السلطة بوصفها غنيمة دائمة، تجلب لها الحماية من المخاطر الداخلية التي  تهدّد وجودها حسب تصورها، بمعنى آخر اأن (رجل الدين، شيخ العشيرة، رجل الأمن، الأستاذ الجامعي، المعلم، المدرس، الطبيب، المهندس، رجل الأعمال، سائق التكسي، بائع الخضار) الخ.. كل هذه الفئات تبحث عن السلطة دون السياسة، وبالتالي أصبح المجتمع العميق في العراق مشتتًا.

ومع هذا التشتيت، نرى الطبقات المثقفة، والتجمعات الدينية، والتجمعات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني في الغالب وسيلة للتغطية على ممارسات السلطة، لا بل أبعد من ذلك، وبدلًا من أن تمارس شتى فئات  المجتمع العميق السياسة، إلا أنه وقع رهن الأحزاب السياسية الماسكة للسلطة، وأخذت تمارس دور السياسة والسلطة معًا في علاقة غير متكافئة، عبر استقطاب رجال الدين، وزعماء العشائر، والطبقات المثقفة، وزجهم في سلطة هامشية صورية ترضي بها المجتمع، وعندما تفشل أحزاب السلطة في تحقيق متطلبات المجتمع، ترمي فشلها على المجتمع العميق كونه يمارس السلطة دون السياسة معها، لذا تمكنت السلطة من اختراق المنظومة الاجتماعية، وتفكيك أدوات قوتها وسحبت عملية ممارسة السياسة منها.

لكي يتم معالجة هذه المشكلة، ومن منطلق الحفاظ على وحدة الدولة ـ المجتمع، نعتقد من وجهة نظرنا، أنه لا بد من العمل على فك ارتباط  مكونات المجتمع العميق بمختلف مسمياتها عن السلطة، وأن تأخذ دورها  في ممارسة السياسة، من خلال رقابتها على أداء المؤسسات السياسية، على اعتبار أن المجتمع العميق مصدر الشرعية يمنحها للقائمين على السلطة من عدمها، ومن خلال المؤسسات التي يعبر عن إرادتها في صناديق الاقتراع، بمعنى آخر؛ إن مراقبة أداء المؤسسات في تحقيق أهداف المجتمع لن يكون من خلال السلطة؛ وإنما عبر السياسة التي سوف تكون أداة بيد المجتمع العميق. فالسلطة وسيلة الخصوم والأصدقاء معًا، فالتخلص من الخصوم والإيقاع بهم، يتم عبر منحهم السلطة مع التمسك بالسياسة،  فالمجتمع غالبًا ما ينظر إلى السلطة على أنها السبب في دمارهِ، في حين أن السياسة هي من تدير السلطة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

السلطة وأتباعها: وجهان لعملة واحدة

الشريعة الاجتماعية المقدسة