01-سبتمبر-2019

معظم المحال التجارية يستعينون بالفتيات في العراق دون النظر إلى السن القانوني للعمل (Getty)

منذ بضعة أيام أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لفتاة ما في إحدى شوارع العاصمة بغداد، تروّج لمنتوج معيّن على المارّة، وهي حالة كثرت في الآونة الأخيرة، حيث أغلب أصحاب المحال التجارية يستخدمون النساء بصورة عامة، والفتيات الصغار بصورة خاصة، للترويج أما للسجائر، أو عروض السفر، أو العطور، وعروض المطاعم والكافيهات، أو صالات الرياضة.

أغلب أصحاب المحال التجارية يستخدمون النساء بصورة عامة والفتيات الصغار بصورة خاصة للترويج لشتى المنتجات

مهنة أم إهانة؟

أصبح الآن سوق العمل المختلط يشهد منافسة قوية بعد سيطرة الرجال لفترة طويلة من الزمن، إذ أن منافسة النساء للرجال في عدة مجالات أشعل روح المنافسة، وتصب أكثرها لصالح صاحب رأس المال، ليستغل بعد ذلك، فراسته في استغلال النساء في عدة مجالات، أهمها، وهو موضوع الحديث، حيث أصبحت بعض المحال التجارية للعطور تستخدم الشابات اليافعات، وهن دون السن القانوني للعمل، بملابس يحدّدها صاحب رأس المال، كما تتعرّض الكثير من الفتيات إلى مضايقات وتحرّش عدة من قبل الزبائن، بحسب عاملات بهذه الأعمال.

فتيات لم يبلغن السن القانوني!

ما أن تدخل إلى شارع الروّاد حتى تحاوطك الكثير من الفتيات اليافعات بابتسامة خفيفة، مع القول "تيست، تيست، تيست"، هكذا تحدّث عمر الآغا، وهو ناشط مدني، عن بعض الشابات اللواتي صادفهن لبيع العطور على المارّة، مضيفًا أن "استغلال النساء اليافعات دون السن القانوني للعمل هو ما لفت انتباهه أكثر في المدن التي يكثر فيها التسوّق ومحلّات البيع".

اقرأ/ي أيضًا: "مطلوب سكرتيرة".. فخ الشركات الوهمية للإيقاع بالفتيات في بغداد

أضاف عمر في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "العمل طبيعي، وهذا حق للنساء مثل ما هو حق على الرجال، مستدركًا "لكن الأمر غير الطبيعي هو استغلال الفتيات الصغيرات للعمل، عازيًا السبب إلى "ثقافة المجتمع الذي يتفاعل أكثر مع صورة البنت، ويترك المنتج الذي يقدّمه الرجل، فالمجتمع وأصحاب شركات الإعلان هم المسؤولون عن هذا الأمر".

قوانين حكومية.. حبر على ورق

كان مجلس النواب صوت في 17 آب/أغسطس 2015 على قانون العمل العراقي، والذي يأتي تأكيدًا للمبادئ التي نص عليها الدستور، بتوفير أوسع الضمانات الاجتماعية، وإيجاد قانون ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وفق أسس اقتصادية، وتضمن القانون احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية المتمثلة بالحرية النقابية، وحماية حق التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية، والإضراب والقضاء على جميع أشكال العمل الجبري وعمل الأطفال والمساواة في الأجر، والحد الأدنى لسن العمل، ومنع التمييز في الاستخدام والمهنة والتدريب المهني، ومنع التحرش وتنظيم عملية التدريب المهني ما قبل التشغيل، وإعادة التدريب، والأخذ بمبدأ الاتفاقات الجماعية لتحديد حقوق وواجبات العمال وأصحاب العمل فيما يتعلق بالتدريب المهني.

نص القانون أيضًا على تنظيم عمل المرأة العاملة، ومنحها امتيازات إضافية عما كان عليه القانون السابق، كزيادة إجازة الحمل والوضع بأجر تام إلى 98 يومًا بعد أن كانت 72 يومًا، ومنح العاملة المضمونة المتوفي عنها زوجها إجازة عدة بأجر تام لمدة 130 يومًا، وعمل الأحداث، وعمل الأجانب في العراق، وتحديدًا أوقات العمل وأجور العمال وإجازاتهم، وتوحيد أحكام العمل النقابي مع أحكام وقواعد العمل، وبما أخذت به التشريعات الحديثة واللجوء إلى التفاوض والتحكيم والحلول السلمية قبل اللجوء إلى الإضراب السلمي الذي أجازه القانون، وتحديد كيفية حل المنازعات الجماعية والفردية التي تنشأ بين منظمة عمالية أو أكثر وأصحاب العمل، وتشكيل محكمة العمل في جميع المحافظات، وتحديد اختصاصاتها والطعن بأحكامها.

لكن مراقبين ومنظمات مجتمع مدني رأوا أن القانون هو حبر على ورق، ولم يتم تنفيذه أو تطبيقه والعمل به لضمان حقوق المرأة في العمل ومنع استغلالها.

أغراض تسويقية

من جهته يؤكد الإعلامي سالم مشكور في تصريحات صحفية تابعها "ألترا عراق"، على أن "عمالة الفتيات ما هي الا استغلال لحاجة الفتيات للعمل، واستغلالهن كسلعة لكسب الزبائن على أقل تقدير"، فيما يتطور الأمر أحيانًا إلى ما هو أبعد من ذلك، لكن ليس كل عمل للفتيات هو كذلك، فهنالك أعمال نظيفة أخلاقيًا وبعيدة عن الاستغلال من هذا النوع (أخلاقيًا) لكنها لا تخلو من الاستغلال من نوع آخر، كتقديم أجور بخسة مقابل ساعات من العمل المضني، كالمشاغل والمحال التجارية وغيرها، بحسب مشكور.

غياب فرص العمل في القطاعين العام والخاص يجعل الفتيات يقدمن على ممارسة أعمال يسهل فيها استغلالهن في التسويق والترويج وتحويلهن إلى "سلعة" 

نادرًا ما تجد مقهى فارغة من الفتيات الصغيرات، وأن استخدام الفتيات في المقاهي، هو في الغالب استغلال واضح لها لأغراض تسويقية، كما يؤكد مشكور، ويضيف أن "عمل الفتيات هنا فيه الكثير من المحاذير لأسباب، منها أن المجتمع العراقي مجتمع ذكوري ينظر إلى المرأة نظرة دونية على أنها سهلة المنال، وأنها أقل مستوى من الرجل، ليس الجميع طبعًا، مستدركًا "لكنها الحالة الغالبة، الأمر الآخر هو تراجع منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع مما يجعل الرجل يتمادى ضد المرأة، وقد تتجاوب المرأة معه لضعف الرادع الذاتي للسبب السالف الذكر، أو تحت ضغط، أو إغراء، وهنا أقول إن المرأة بحاجة إلى المزيد من التحصين الذاتي لنفسها ضد هذه الضغوطات والإغراءات".

متطلبات العمل

هدى قيس، وهي خريجة كلية إدارة واقتصاد، وعاملة في إحدى المحال التجارية لبيع العطور، تروي قصتها لـ"ألترا عراق"، بالقول، إنني "اضطررت إلى العمل في هذا المجال لأنني لم أحظ بفرصة للتعيين الحكومي على الرغم من مرور أربعة أعوام على تخرجي من الجامعة، لذا فأن العوز المادي وانعدام فرص التعيين هو من أجبرني للعمل والرضوخ للأمر الواقع".

اقرأ/ي أيضًا: من عنف العوائل إلى "شبكات الدعارة": فتيات في شباك منظّمات مجتمع مدني!

لا يخلو مكان العمل من التحرّش، أو التعرّض للفتيات الصغار، خاصة مع بعض الشباب الذين يظنون أن الابتسامة جواز مرور لقلوب النساء، الأمر الذي تؤكده نور بالقول، إن "المضايقات موجودة، كون طبيعة العمل تحتم علينا عرض المنتج للزبائن، مما يتيح إمكانية الاختلاط أكثر والاندماج بطبيعة العمل، مشيرة إلى أننا "نسمع الكثير من الكلام لكننا لا نبالي، والعمل يتطلب منا التودد أكثر مع الابتسامة التي هي واحدة من متطلبات العمل، حيث تعتمد نسبة من الأرباح على كل عطر يباع من جانبك".

تكشف نور عن "الكثير من الفتيات اللواتي يأتين للعمل بين فترة وأخرى، ومعظمهن لم يبلغن 18 عامًا، مضيفة "هناك من تتحمل طبيعة العمل سواء في التعامل مع الناس أو الحر في الصيف والبرد في الشتاء".

انعدام الفرص مقدمة لاستغلال الفتيات

ناشطون ومنظمات حقوق الإنسان يقولون إننا نحاول أن ندفع الجهات المسؤولة لسن قوانين لحماية النساء من التحرش والتعنيف الأسري، والاضطهاد، وإشراكهن بسوق العمل، والتوعية بحقوقهن، إلا أن هنالك الكثير من المساحات والانتهاكات التي لا تستطيع أن تغطية تلك المنظمات، حيث تقول هناء ادوارد رئيسة جمعية الأمل لحقوق الإنسان، إنه "تحدثت باسم شبكة نساء عراقيات، وليس فقط كرئيسة جمعية في كافة الوسائل والمجالات، هنالك استغلال شنيع للشابات في جميع الأعمال، ويجب أن يراقب ويضع له تعليمات ويتم تنظيم هذا الوضع، فهنالك الكثير لا فرار لهن سوى سد رمق العيش، لذلك تضطر بعض النساء إلى تحمل الكثير، منها العمل دون السن القانوني، والتعرض للمضايقات السيئة والاستغلال".

أضافت ادوارد لـ"ألترا عراق"، أن "هذه قضية يجب أن نتوقف أمامها، مناشدة "الجهات المسؤولة بضرورة المراقبة الدائمة، وتنظيم شروط عمل كريمة لهم، حتى في شركات القطاع الخاص تتعرض النساء إلى الكثير من المضايقات".

أشارت إلى أننا "نحتاج إلى توعية بخصوص هذا الموضوع عن طريق وسائل الإعلام، وكل مجال بإمكاننا التوعية به، كما نحتاج إلى تعزيز صورة المرأة بجدية وبصورة مقبولة".

ولشحة الوظائف وانعدام فرص العمل سواء في القطاع العام أو الخاص، تتجه الفتيات نحو العمل في الإعلانات والترويج، الأمر الذي أشار له المتحدث الرسمي لمركز النماء لحقوق الإنسان، مروان حبيب إلى أن "العمل في قطاع الإعلانات، سواء للذكور أو الإناث ينتشر في العراق لشحة توفر الوظائف المناسبة، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، أن "هناك شباب يمارسون ذات العمل، ولا مشكلة في ذلك، مستدركًا "لكن الخرق في حقوق الإنسان يحصل حين يتم استغلال الأنثى عبر هذا العمل، ونقصد بذلك الاستغلال غير الأخلاقي، أو الحط من قدرها وكرامتها، الأمر الذي تتعرض له الإناث في هذا القطاع أكثر من الذكور".

تعتبر هذه الوظائف على بساطتها، كل ما تملكه الفتيات، وهو من حقها في التوظيف والعمل، لكن حبيب يشير إلى أن "منظمات حقوق الإنسان ضد ما يحط من قدر الفتاة أو يستغلها، وليس ضد الوظيفة أو نوعها، مبينًا أن "عمل الإناث في وظائف كهذه، إن كان مقترنًا بالاحترام ومنح الحقوق كاملة، فلا مشكلة فيه، على العكس، هي وظيفة كأخرى، وكل وظيفة تحقق للمرأة استقلالية بأي نسبة كانت، وهي وظيفة تقويها وتحقق لها جزء من المساواة مع شريكها وقرينها الرجل".

ليس استخدام المرأة في عرض بعض المنتجات والتسويق جديدًا، إنما يعود إلى حقب قديمة يتم فيها استغلال النساء بطرق مختلفة، وهو ما أكدته الباحثة الاجتماعية أماني حسن لـ"ألترا عراق، أن "التسليع في هذا الأمر ليس مستحدثًا، وإنما من أقدم الأزمان كان يستخدم النساء في استعراض الرقصات أمام الملوك والأمراء، وفي كل ثقافات العالم كان تسليع المرأة جزءًا من ثقافة المجتمع".

هناك استغلال شنيع للشابات في جميع الأعمال، بعض الفتيات لا فرار لهن سوى سد رمق العيش، لذلك يضطرن للعمل دون السن القانوني والتعرّض للمضايقات

أضافت حسن "حاليًا تطور بسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي حيث تم التأكد من خلالها بمدى تأثر الناس بالوجوه الجميلة التي تستعرض المنتجات، وأيضًا الرجل ليس بمنأى عن الموضوع، فتسليع الرجل يأتي من خلال عضلاته وجماله من خلال حملات الدعائية لبعض المنتجات مثل الشامبو والملابس وغيرها".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الابتزاز الإلكتروني.. الجنس والأموال مقابل التستر على "الفضائح"!

قصص تكشف لأول مرة.. ما أسباب انتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال؟