20-فبراير-2021

الفشل الفاضح في الحكم يجعل من الحاكمين أسرى الخوف من الجمهور (فيسبوك)

مع سقوط نظام البعث والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 أصدرت واشنطن قائمةً بالمطلوبين لها من أركان النظام وانتشرت صورهم على شكل أوراق اللعب أو ما يُعرف بـ"الكوتشينة" وما سُمي آنذاك بـ"ورق لعب التعرف على الهوية"، مكونة من 55 أسمًا يتصدرهم رأس النظام صدام حسين.

صار لِزامًا أن يطلق المرء قهقهة عالية حين يسمع بتهديد النظام من حزب فقد كل مقومات تنظيمه، ونُظّم خصمه بملايين المقاتلين المدرّبين، وشاخ أصغر أعضاءه سنًا

عملت الولايات المتحدة على ملاحقتهم وكان لها ذلك بالقبض على صاحب الورقة الأولى - صدام - وأبرز قيادات النظام، فقتلت نجليه عدي وقصي، وحُكم على قائد الحرس الجمهوري برزان مجيد المعروف ببرزان التكريتي، ومستشار الرئيس عضو مجلس قيادة الثورة علي حسن المجيد وسكرتير الرئيس المعروف بـ"عبد حمود"، مع غيرهم، بالإعدام شنقًا. هذا لناحية القمة.

اقرأ/ي أيضًا: ثلاث حكومات وجغرافية واحدة

تركت الولايات المتحدة الكوادر الوسطى وقاعدة الحزب والنظام والضباط والمسؤولين، للأحزاب الجديدة، والجهات المسلحة المرتبطة بالخارج، إضافةً للناس المتضررين، تصفيتهم، فور سقوط النظام قتلًا وتنكيلًا، وتهجيرًا في أضعف الحالات.

عمليًا، من غير المُنصف القول إن النظام الذي حَكم العراق أكثر من ثلاثة عقود فقد تأثيره على الساحة العراقية بمجرد إعدام الرئيس وقتل واعتقال عدد غير قليل من أركان نظامه؛ فكان الانتماء والتمويل والرغبة بالانتقام حاضرين لدى شرائح لا يُستهان بها.

لكن التأثير بدأ يتلاشى تباعًا مع وصول مراحل تهديد النظام الجديد ذروته في 2014، وبدء الحملة العسكرية لاستعادة الأراضي من تنظيم داعش مدعومةً من تحالف دولي ودول إقليمية أبرزها إيران.

إن التنظيم ذاته أثبت ضعف فكرة تهديد حزب البعث للنظام بعد أن فرض الأول سيطرته على الفصائل والقوى والأطراف كافة التي حاولت استغلال الانهيار الأمني في غرب وشمال العراق.

فضلًا عن هزيمة التنظيم، وانكسار المجتمع السُني بتجربة الحرب القاسية، مرت ثمانية عشر عامًا على سقوط نظام البعث. سيكون العضو البعثي المرموق البالغ من العمر 50 عامًا في 2003، قد تجاوز الخامسة والسبعين من العمر وهو يسكن خارج العراق.

من الناحية الثانية، مُضافًا إلى الجيش الجديد والشرطة وأجهزة المخابرات والأمن الوطني والاستخبارات والقطاعات الأمنية التقليدية المختلفة، نشأت فصائل مسلحة كاملة العدة والعدد، وانضوى قسم منها في هيئة مستحدثة (الحشد الشعبي)، وأعاد التيار الصدري ذو الثقل العسكري، تفعيل بعض قواته بعنوان سرايا السلام مع انطلاق معارك التحرير.

الآن، صار لِزامًا أن يطلق المرء قهقهة عالية حين يسمع بتهديد النظام من حزب فقد كل مقومات تنظيمه، وسُحقت قاعدته الجماهيرية المناطقية، ونُظّم خصمه بملايين المقاتلين المدرّبين، وشاخ أصغر أعضاءه سنًا.

ولكن، في نظام المحاصصة لا شيء يدعو للضحك. كلُ شيء مُباح وغير مُستغرب. بل أن اللا معقول سيكون معقولًا لشدة لا معقولية ما يجري في هذه البلاد منذ 2003. فالنظام الذي يستعير أسم فيلم أجنبي ليطلقه على شباب متظاهرين غاضبين من سوء الحال لدلالة على خيانتهم وتآمرهم ليس غريبًا أن يستخدم شماعة الحزب الحاكم في النظام السابق كذريعة وعصا يضرب بها مخالفيه ومنتقدي فساده وتبعيته ومطالبيه بالإصلاح.

الفشل الفاضح في الحكم يجعل من الحاكمين أسرى الخوف من الجمهور، فيلجأون لتخويف الأخير تارةً من البعث، وتارةً من الجوكرية، وتارةً من تنظيم يُحاربه كوكب الأرض مجتمعًا

إن تصريحًا يخرج من آخر ممن تبقى للنظام السابق (عزت الدوري) أو لقاء تلفزيونيًا لإبنة الرئيس الأسبق (رغد) يُمكنه تفجير هستيريا عبر موجة تهديدات وصراخات وتوعدات تكاد تقنع شيوخ البعث بقوتهم في الشارع العراقي وهُم غارقون في السعال يعانون من آلام المفاصل الناجمة عن التقدم في السن.

اقرأ/ي أيضًا: النخب العراقية: كائنات ما قبل التاريخ

من وجهة نظرنا، لا تقف المسألة عند استغلال قيادات النظام الحالي لظهور شخصيات النظام السابق في تحشيد الجماهير عبر تخويفهم من خطورة الحزب الراحل والتغطية على فشلهم الذريع في إدارة الدولة؛ بل أن سلوكيات هؤلاء خصوصًا بعد انتفاضة تشرين تُشير لضعف بنيوي في النظام بأحزابه وقيادييه. ولعل شعور أحزاب نظام المحاصصة المهزوز بأن جماهيرهم باتوا ينتظرون الشياطين – وليس البعث فحسب – لتخليصهم من الفساد الفلكي دفعهم لاعتقال شاب يضع صورة صدام صورةً شخصيةً لصفحته في فيسبوك.

إن الفشل الفاضح في الحكم يجعل من الحاكمين أسرى الخوف من الجمهور فتلجأ نُخبنا – إن صحت التسمية – لمعالجة خوفها من الجمهور بتخويفه، تارةً من البعث، وتارةً من الجوكرية، وتارةً من تنظيم يُحاربه كوكب الأرض مجتمعًا، ولربما من الكائنات الفضائية المتآمرة على نظام المحاصصة مستقبلًا.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المفاهيم العميقة ونظامنا البدائي.. تعقيد بلا معنى

تعويذة السياسي المقدَسّة