18-أغسطس-2020

أغلب الأحزاب العراقية تمتلك أجنحة مسلحة (Getty)

بعد تطرقنا سابقًا لعدم وجود مركزية أو هيئة موحدة من قبل المنتفضين في عموم العراق لإدارة شؤون الحراك بشكل عام وتوضيح متبنياته بشكل دقيق، مما أدى لإضعاف موقف الانتفاضة بعض الشيء. يجب أن نتطرق لأمر لا يقل أهمية عن سابقه، وهو مطلب الانتخابات المبكرة وإعلانها.

لا جدوى من طرح الانتخابات المبكرة بدون بدون حصر السلاح بيد الدولة

ولعل هذا المطلب كان يحتاج لبعض الترتيب قبل طرحه وإعلانه كأحد المطالب الرئيسية لتشرين. وبرأيي، لا جدوى من طرح الانتخابات المبكرة بدون حصر السلاح بيد الدولة، وتفعيل الأمر الديواني الخاص بالحشد الشعبي. وأيضًا الشروع بالعمل في قانون الأحزاب المُقر من الحكومة العراقية عام 2015. حتى وإن غيّرنا قانون الانتخابات إلى قانون يتلاءم مع التركيبة الاجتماعية العراقية، وحتى وإن غيّرنا المفوضية العليا للانتخابات بمفوضية مستقلة أكثر من سابقتها، فهذا لا يكفي في ظل سيطرة أمراء السلاح والطوائف على الشارع العراقي. سيكون الأمر من غير جدوى فعلًا، أن نذهب لننتخب البرلمان الجديد بمواصفات جديدة، والمدراء العامين التابعين للأحزاب السابقة، والذين يعملون بخلاف المادة 24 في الفصل الخامس من قانون الأحزاب/خامسًا، والتي تنص على: "المحافظة على حيادية الوظيفة العامة لمؤسسات الدولة العامة وعدم استغلالها لتحقيق مكاسب حزب أو تنظيم سياسي". فمن الممكن استغلال صوت الناخب من قبل المدير العام أو الوزير التابع للجهة الفلانية بإعطاءه عقد عمل مع الوزارة كما رأينا في وزارة الكهرباء التي استحوذ عليها تحالف سائرون من الألف إلى الياء، وقاموا بتحميل الوزارة ما يقارب 90 ألف وظيفة، وهي إلى الآن غير قادرة على دفع مستحقاتهم، وإن هذه المُنح والهِبات ممكن أن تهتك عاتق الوزارة كونها غير قادرة على تحمل هكذا عدد، لا هذه الوزارة ولا باقي الوزارات. والكل يعلم أن هذا الموضوع كان لأغراض انتخابية خالصة. فليس للانتخابات المبكرة تغيير هذا، وليس للانتخابات المبكرة هدم الشبكات المعمولة من أشخاص الأحزاب لغرض جلب مكاسب للحزب والسيطرة على قرار  هذه الوزارة أو تلك.

اقرأ/ي أيضًا: نقد انتفاضة تشرين من الداخل (1ـ3)

أيضًا في الفصل الثالث من قانون الأحزاب تحديدًا في المادة 8/ ثالثًا، والتي جاء فيها حظر الحزب الذي لديه ارتباط بأي قوة مسلحة. لا يخفى على القارئ أن أغلب الأحزاب العراقية تمتلك أجنحة مسلحة تحت إمرتها ولا داعي لتعديد هذه الأحزاب لأنها واضحة. كيف لنا إجراء انتخابات مبكرة نزيهة توصل صوت المواطن بشفافية بوجود هذا السلاح المرتبط بالأحزاب؟ من الصعب جدًا، بل يكاد أن يكون مستحيلًا حل الانتخابات المبكرة بهكذا ظروف. فسنذهب ونعطي أصواتنا لنختار جلادينا من جديد، ما دامت هذه الأساسات الصحيحة لإجراء أي انتخابات نزيهة منعدمة. كان علينا كمنتفضين نريد حلولًا جذرية لا سطحية أن نطرح هذه الأمور كمطالب رئيسية حالها كحال إقالة حكومة القناصين وتغيير قانون الانتخابات والمفوضية، ومن بعدها نطالب بانتخابات مبكرة.

ومن الأخطاء التي وقعنا فيها هو عدم وجود تنسيق بين المحافظات المنتفضة لانعدام وجود هيئات تمثل الاحتجاج، أخذ مأخذه من تفاوت المواقف. فتارةً بغداد ترفض ترشيح رئيس للوزراء وتارةً أخرى الناصرية ترشح رئيسًا للوزراء من داخل ساحة الاحتجاج. كل هذه الأمور كان يجب أن تطرح على طاولة حوار بين الهيئات الشبابية الممثلة عن الحراك في المحافظات، تطرح بحوارٍ نقدي، ووضع كل المشاكل قبل الحلول الناتجة منها حتى يتسنّى لأبناء تشرين اختيار القرار الصحيح. لم يكن هذا التنسق حاضرًا للأسف، وهذه من النقاط المهمة التي تضعف موقف توحّد أبناء تشرين.

في أي عمل يمس الرأي العام يكون فيه الإعلام مؤثرًا جدًا لإيصال الصوت المراد إيصاله، ويجب أن يكون هذا الصوت منظّم حتى يأخذ مفعوله. إن تعاطي أبناء الاحتجاج مع شاشات التلفاز لم يكن بالشكل المنظّم، حيث كان يخرج علينا شخص من هنا ينادي بتعيينات لعدة أفراد من الكلية الفلانية، وشخص من هناك ينادي بالحرية لمثليي الجنس! وأخرى تظهر لتقول إن زائري الإمام الحسين (ع) هم السبب لخروجنا في ميادين الاحتجاج لأنهم يعطلون عمل الدولة! وغيرهم من الكثيرين الذين يشوّهون متبنيات الاحتجاج الحقيقية التي تشتبك مع جذور الأزمات العراقية. في ظل غياب لجنة أو هيئة تنسيقية تدير شؤون الثورة - التي من المستحيل أن تنجح بعفويتها - أكيد سيغيب التنسيق الإعلامي. كان الأجدر أن يتحدد ناطقين رسميين باسم تشرين ليكون خطابهم متزنًا وموحّدًا ويُسمعون السلطة والناس ما يجب أن يسمعوه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحراك الشعبي وسبل تدعيمه في المرحلة القادمة

معوقات إقامة النظام الديمقراطي في العراق