31-أغسطس-2015

الخميني وأتباعه في الصلاة. باريس/ 1978

لم تكتف الأنظمة العربية أبدًا بمحاربة التنظيمات التي تقف على يسارها، بل، على العكس من ذلك، لطالما تركت من هم على يسارها ينعمون بقاعات الدرس، وتدبيج البيانات، وأعمدة الجرائد، وقيادة التظاهرات. 

ليس من تغير هو أمريكا، إنما مقولة الشيطان الأكبر هي التي انتهت

إن حربها العنيفة كانت، وما تزال، تستهدف هؤلاء الواقفين على يمينها. فالحال أن يمينها يُهددها أكثر من يسارها، لأنه يطرح نفسه أمام المانحين ومقدمي العطاءات بوصفه الأكثر جدارة بالرعاية و"الدعم"، والأقدر على تلبية المصالح و"المشاركة". ليس الأمر أكبر من معادلة "عدوك ابن كارك". ولا يعني هذا، بطبيعة الحال، أن تلك الأنظمة لم تقمع يسارها، أو لم تدخل في حرب مفتوحة، كما هو الحال اليوم، على الجميع.

ويصحّ القول أيضًا إن هذه المعادلة تجد فعاليتها بين الأنظمة العربية من ناحية، والأنظمة المناوئة لها من ناحية أخرى. ليست العَركة دومًا بين "ممانع" و"معتدل"، أو مصدِّر للثورة وواقف ضدَّها. وهي اليوم، بعد الاتفاق النووي بين إيران والغرب، بين يميني مرحلة فائتة، السعودية، ويميني مرحلة قادمة، إيران. ولا يفيد ذلك بأن الأول سيتخلى عن يمينيته، وإنما سيفقد فعاليته التي كانت.

تقدِّم إيران اليوم خدمات جليلة للولايات المتحدة في العراق، وينتظر منها الأوروبيون الغاز الطبيعي، في أقرب فرصة، في ظل اضطراب العلاقات مع روسيا إثر الأزمة الأوكرانية، ويُعِدّ سوق النفط العالمي نفسه للمخزون الإيراني، الذي يحتاج بدوره لمستثمرين، هم على أُهبة الاستعداد، في البنية التحتية النفطية. 

لم تَعُدْ الصحف الغربية اليوم تتحدث، فيما يتعلق بسيرة إيران، عن الثورة الإسلامية، أو "الموت لأمريكا"، أو نظام الملالي، أو التهديد الإيراني على الحلفاء الخليجيين، بل عن أنه يجب على الحكومات أن تحذو حذو الشركات، أو بالضبط كما جاء في فورين أفيرز: "لدى إيران الكثير لتقدِّمه للعالم من حيث مواردها من الطاقة، ولدى العالم الكثير ليقدِّمه لإيران من أجل المساعدة في إنتاج وتصدير احتياطاتها النفطية الهائلة... لدى شركات النفط مصلحة في فتح سوق في طهران، وهكذا تفعل الدول التي تحتاج إلى تنويع مصادرها من الطاقة في مواجهة الصراع العالمي" (24/6/2015).

ليس من تغير هو أمريكا، أو، كما نعتها روح الله الخميني في أواخِر 1979، "الشيطان الأكبر"، وإنما مقولة الشيطان الأكبر هي التي انتهت، أو تحوَّلت، إذا أخذنا في الاعتبار التحذير الأخير الصادر عن مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، من "عودة التيار الماركسي" إلى الجامعات، أو، إذا استخدمنا معجم الخميني، من "الشيطان الأدنى"، الوصف الذي كان يُطلَق على الاتحاد السوفيتي.

والرّاهن أن التنديد السعودي بالاتفاق يرجع إلى اعتماد أوراق إيران في النادي اليميني، وعدم قدرة المملكة على تلبية شروط المنافسة الحالية. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، تخلي أمريكا، وهي طرف في الاتفاق بجانب دول أخرى، عن السعودية وحلفائها، ولكن إيمانها بلاعب أكثر جدارة.

سيؤثر استيعاب إيران بشكل كامل في السوق العالمية، والوضع النيوليبرالي الحالي، على ممارساتها السياسية والاقتصادية، ليس فقط في الخارج، لكن في الداخل أيضًا. كما سيؤثر كذلك على طبيعتها الاجتماعية. ربما لن تتحقق أحلام الكاتبة الاستشراقية آذر نفيسي في المدى المنظور، لكن أحلام الخميني أيضًا تلفها الغيوم شيئًا فشيئًا.