20-أكتوبر-2015

كرماني يلقي كلمته في كنيسة القديس بولص (Getty)

بمناسبة تكريمه بـ"جائزة السلام لبورصة الكتاب الألماني"، ألقى الكاتب الإيراني – الألماني نويد كرماني (1967)، في الثامن عشر من تشربن الأول/أكتوبر في كنيسة القديس بولص، كلمة أثارت اهتمامًا واسعًا، خاصة أنها بثت مباشرة على التلفزيون وتابعها الملايين، وقد تطرق فيها إلى مواضيع تمس الإسلام، والحروب الآنية في سورية والعراق. ومن المعروف أن "جائزة السلام لبورصة الكتاب الألماني" تعد من أرفع الجوائز الأدبية في ألمانيا، وتمنح على هامش معرض فرانكفورت للكتاب.

لم يكن غوته وبروست وليسينغ وجويس يعانون من اضطرابات عقلية حين فتنوا بالثقافة الإسلامية

كرماني الذي نال "جائزة السلام لبورصة الكتاب الألماني" عن مجمل أعماله، رفض منذ مدة إلقاء كلمة التكريم في تتويج أدونيس بـ"جائزة السلام الألمانية" التي أثارت العديد من ردود الفعل الرافضة لها. 

يذكر أنه وُلد في ألمانيا لأبوين من إيران. درس العلوم الإسلامية عام 1988 وتتلمذ على يد نصر حامد أبو زيد. أطروحته للدكتوراة عام 1999 كانت عن الجماليات اللغوية للقرآن ومدى تأثيره في قلوب السامعين، وقد نشرت مترجمة إلى العربية بعنوان "السميع" وصدرت عن "دار الجمل". من أعماله الأخيرة: "الحب الكبير" (2014)، "بين القرآن وكافكا" (2014)، "عن المسيحية" (2015). يدعو كرماني في كتاباته ومقالاته إلى حرية الأديان، والحوار في ما بينها، وإلى تخلي الغرب عن النظرة الفوقية إلى الشرق.


مقتطفات من الكلمة

كثيرا ما نقرأ أن على الإسلام أن يتعمد بنار التنوير ويتحرر من التقليد. لكن ربما كانت هذه الدعوة تبسيطية جدًا، إذا علمنا أن ماضي الإسلام كان على مبلغ رائع من التنوير وأن الآثار الإسلامية التقليدية أكثر حداثة من الخطاب الآني للاهوت الإسلامي. بالنتيجة لم يكن غوته وبروست وليسينغ وجويس يعانون من اضطرابات عقلية حين فتنوا بالثقافة الإسلامية... ربما لم تكن مشكلة الإسلام هي التقليد، بل القطيعة شبه التامة مع هذا التقليد وفقدان الذاكرة الثقافية، وفقدان الذاكرة الحضارية.

على مسافة لا تبعد عن فرانكفورت سفر ثلاث ساعات بالطائرة تباد شعوب أو تنزح، تستعبد البنات، يفجر البرابرة أهم المعالم الحضارية للإنسانية تمسح ثقافات ومعها يمسح تنوع عرقي وديني ولغوي مغرق في القدم ومستمر، بخلاف أوروبا، حتى القرن الحادي والعشرين. لكننا لا نجتمع ونستعد إلا إذا انفجرت قنبلة من قنابل هذه الحروب في عقر دارنا كما حدث في السابع والثامن من كانون الأول/يناير في باريس، أو إذا طرق الهاربون من تلك الحروب على أبوابنا.

لا نأخذ العبرة من أخطائنا حين نمد البساط الأحمر لديكتاتور مثل الجنرال السيسي

حسن أن مجتمعاتنا، بخلاف ما جرى بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، تحدت الإرهاب بالحرية. يثلج الصدر أن نرى كيف يرحب الأوروبيون، خاصة الألمان، باللاجئين ويعملون لأجلهم. لكن هذا التحدي وهذا التضامن أمران غير سياسيين. إننا لا نضع أسباب الإرهاب وحركة اللاجئين في نقاش اجتماعي واسع، ولا كيف ساهمت سياساتنا في الكارثة التي تجري على حدودنا؟

إننا لا نتساءل لماذا يجب أن تكون السعودية أقرب شركائنا في الشرق الأوسط. إننا لا نأخذ العبرة من أخطائنا حين نمد البساط الأحمر لديكتاتور مثل الجنرال السيسي. أو نعتبر عبرة خاطئة حين نتعلم من الحروب الكارثية في العراق وليبيا أن الأفضل لنا عدم التدخل حتى في الإبادة الجماعية. لم نصل بعد إلى أي شيء نمنع به الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه. كما أننا بتنا قانعين بوجود فاشية دينية جديدة، تتجاوز مساحة دولتها مساحة بريطانيا وتمتد حدودها من إيران إلى البحر المتوسط.

هل يدعو فائز بجائزة سلام إلى الحرب؟ أنا لا أدعو إلى الحرب؟ أنا أشير فقط إلى أن هناك حربًا؟ أننا، كأقرب جيرانها، علينا أن نتصرف، ربما عسكريًا أيضًا. نعم، لكن أيضا بدبلوماسية أكثر حزمًا وعلى مستوى المجتمع المدني أيضًا. فهذه الحرب لن تنتهي فقط في سورية والعراق، لن ينهينا إلا القوى الداعمة للجيوش والميليشيات المتناحرة المتصارعة، إيران وتركيا ودول الخليج وروسيا والغرب.

وعندما تتوقف مجتمعاتنا عن تقبل هذا الجنون، سوف تتحرك الحكومات أيضًا. ربما أخطأنا، مهما كان الذي فعلناه. لكننا نخطئ أكثر إذا واصلنا عدم القيام بأي شيء، أو القيام بالقليل الذي نقوم به ضد الإبادة الجماعية على أبواب أوروبا، سواء بيد الدولة الإسلامية أوالنظام السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:
في نفسية الطاغية

باتريك زوسكند.. انعزاليون في عالم عدائي