27-نوفمبر-2021

استخدام المفاهيم في العراق يخضع لأمزجة شخصية (فيسبوك)

بين فتره وأخرى، وكلما تقدمت العلوم الإنسانية بالبحث، يظهر لنا مصطلح جديد لم يمر على مسامعنا سابقًا، لا سيما مع الفلاسفة المعاصرين، وعلى سبيل المثال أظهرت لنا نانسي فريزر، وهي فيلسوفة أمريكية، مصطلح التكافؤ التشاركي والعدالة ما بعد وستفاليا، وكذلك غيرها من الفلاسفة، مثل الفيلسوف الألماني هابرماس فعل التواصل وتلميذه أكسل هونيث نظرية الاعتراف، وما أودّ أن أبيّنه هنا؛ أن أغلب هذه المصلحات الجديدة ليس لها تعريف واضح في معاجم الفلسفة والسياسة، وعليه يلجأ العديد من الباحثين في تبيانهم لهذه المصطلحات الجديدة إلى تعريف المصطلح من خلال دلالاته أو إلى تفكيكها وإعادة لملمتها من جديد، وعلى سبيل المثال، عندما نفكّك مفهوم فريزر (تكافؤ تشاركي) يصبح المفهوم تحقق المساواة والظروف المناسبة لكل طرف من الأطراف.

غالبًا ما يؤدي استخدام المفاهيم في العالم إلى دلالات وحدود تفسيرية معينة، لكن في العراق والعالم العربي عمومًا، فإن استخدام المفاهيم وطرحها في المجال السياسي خاصة يخضع لأمزجة شخصية وشعارات دون معرفة ما يعني استخدام مفهوم ما، أو شعار معيّن، وعلى سبيل المثال مفهوم "الأغلبية الوطنية"، وهو غريب على الباحثين بحكم أنه ليس له وجود في معاجم الفلسفة والسياسة، ولا نستطيع أن نطبق ما يتمّ تطبيقه على المفاهيم الفلسفية المعاصرة.

ومن محاولة تفكيكه، نجد أن مفهوم الأغلبية يشر إلى الأكثرية العددية ومنها الأكثرية النسبية أو المطلقة، وفي الأعم الأغلب تستخدم هذه المفاهيم، أما في عملية الانتخاب أو للتصويت داخل البرلمان، ويتم الإشارة في النظم البرلمانية إلى مفهوم التحالفات السياسية والأحزاب المتحالفة، بدل مفهوم الأغلبية، وذلك لما يتخصص به النظام البرلمان من تعددية حزبيه تساهم في صعود عدد ليس بالقليل من الأحزاب إلى داخل البرلمان، فيتمّ إجراء التحالفات الحزبية وفق البرامج السياسية. هذا بالنسبة إلى مفهوم الأغلبية الذي هو بالأساس عكس الأقلّية، إذ يستخدم هذا المفهوم أيضًا في تمييز الثقافة المجتمعية التي تعني الأغلبية الماسكة للسلطة، وبين الأقلية، وفي النظم الليبرالية تتميز هذه الأغلبية بالحفاظ على حقوق الأقلية.

إذًا، نحن أمام مفهوم واسع يتداخل في عدد من المعاني غير المحددة، فكيف يكون مفهوم الأغلبية عندما نحدده بـ"الوطنية"، التي تعني الانتماء القومي للأمة أو للجماعة أو للأرض، وهو مفهوم غالبًا ما يستخدم من أجل التضحية وتعزيز الارتباط بالأرض، ومما تقدّم؛ يتضح لنا أن مفهوم "الأغلبية الوطنية" فضفاض وغير محدد، ويترتب عليه الكثير من الأفعال التي لا تخرج عن صياغات الماضي وتدعى بالمضارع وهي بصيغة الأمر، تحت عنوان: هذا ما استسيغ فأنا معجمكم الفلسفي وأنا السياسي!

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأغلبية الوطنية والأغلبية التوافقية

نظرة على المتغيّرات الانتخابية.. وماذا بعد؟