27-مايو-2019

الاعتماد على الصور سيؤدي إلى إنشاء هوية ذاتية مشوهة بناء على "الصورة" التي نريد ترويجها (تويتر)

كم عدد المرات التي تمت دعوتك فيها أو قررت أن تذهب إلى حفلة موسيقية أو غنائية أو عرض مسرحي، ووجدت أن عدد أعين الكاميرات التي تتفرج وتلتقط الصور أكثر من الأعين البشرية؟ أصبح الناس يصورون ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون، وحتى مع من يكونوا وأين، ويشاركون كل تفاصيل الحياة على يومياتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تصل أحيانًا إلى حد المبالغة والهوس.

لم تعد هناك خصوصية كالسابق، فحياة العديد من الأشخاص معروضة أمام العلن، من حكى على من، على ماذا سخر هذا الشخص، أين ذهب في عطلة نهاية الأسبوع، أين سافر، ومن رافقه؟

كما يبدو، لم تعد هناك خصوصية كالسابق، فحياة العديد من الأشخاص معروضة أمام العلن، من حكى على من، على ماذا سخر هذا الشخص، أين ذهب في عطلة نهاية الأسبوع، أين سافر، ومن رافقه؟ وبطريقة أو أخرى أدى هوس التصوير عند العديد من الأشخاص إلى فقدان الاستمتاع بالمكان الذي يكونون فيه، وقد يحدث أن تسأل أحد الحاضرين إلى أمسية غنائية أو شعرية، أي أغنية غنّاها الفنان أو أي قصيدة ألقاها؟ من المتوقع أن يجيبك بـ"لا أدري"، أو يطلب منك الانتظار حتى يعيد مشاهدة الفيديو الذي صوره في الأمسية ويخبرك. والعديد من الأشخاص أصبحوا يذهبون إلى هذه الأماكن للتصوير فقط، ولكي يخبروا الناس أننا كنا هناك، لكن السؤال الذي يطلقه الكثير: ماذا يحدث إن كنتم هناك، ما الشعور المهم الذي تشعرون به عن معرفة الناس بكل تفاصيل حياتكم وماذا تفعلون حتى في أماكنكم الخاصة؟

اقرأ/ي أيضًا: "السيلفي القاتل".. كيف يموت المئات لأجل صورة؟

يرى باحثون اجتماعيون أن بعض الناس الذين يشاركون يومياتهم بكل تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي هم عادة ما يكونوا غير ناجحين في حياتهم الواقعية، لذلك يلجأون إلى الحياة الافتراضية لأنهم بحاجة إلى أن يشعروا بذوتهم أكثر ويشعرون بأنهم موجودون لينالوا إعجاب الناس، فيما يذهب آخرون إلى أن هوس العديد من الأشخاص بالتقاط الصور ومشاركتها هو أنهم بحاجة إلى الاهتمام لتعويض عدم الاهتمام الذي يواجهونه في حياتهم الواقعية، وهذا ما يدفعهم للتصوير حتى في المواقف الصعبة كحدوث حادث معين أمامهم تجدهم يخرجون أجهزتهم ويبدأون بتصوير صور خادشة للإنسانية ويشاركونها على يومياتهم.

الأمر وصل إلى الموتى، لم يعد للميت حرمته، كما حصل مع شخصية عراقية اشتهرت في المقابر باسم علي العمية الكعبي، يتم تصوير الميّت، ويصورون حتى قبره لأن مشاركة صور كهذه ستجلب لهم عدد كبير من الإعجابات والتعليقات التي تشعرهم بأنهم محط اهتمام وأنهم قاموا بتغيير شيء ما والتسويق والترويج لأعمالهم كما يرى مختصون، خاصة عند الذين يبحثون عن المركز الأول والصدارة في النشر، فبعد أن يتم أخذ الصور منه، ومشاركتها من قبل عدد كبير من الأشخاص تجده لا ينفك يخبر الناس أنا أول من قمت بالتصوير، أنا أول من نشر هذه الصورة، وكأنه خلق تغيير حقيقي على أرض الواقع وليس مجرد نقل صور موجودة أساسًا وشاركها.

في روايته "سيلفي مع جثة"، يقول الكاتب العراقي حسام كصاي "بعد كل فاجعة ومجزرة وحدث مروع تهرع سيارات التصوير بدون كوابح إلى مواقع الانفجار، قبل سيارات الإسعاف وشاحنات الإطفاء، وهذا دليل على أن الأمة بحاجة إلى سيلفي وليس إلى نجدة"، وهذا ما حدث في العديد من الفاجعات التي حدثت في العراق وفي بغداد تحديدًا، كفاجعة انفجار وحريق مجمع الليث الذي نشر العديد من الأشخاص صور لعدد من الجثث التي تفحمت، ولم يراعوا مشاعر أهاليهم أو مشاعر الناس في مواقع التواصل.

ولم يقتصر نقل الصور والهوس بها على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم "مراعاة مشاعر الآخرين"، إنما تسببت بالقتل والدماء، حيث توجد العديد من جرائم الشرف التي حدثت في العراق والبلدان العربية كانت نتيجة تداول صور ومقاطع فيديوية والتهديد بها على مواقع التواصل، أو إرسالها لأهل الفتيات نتيجة الابتزاز الإلكتروني، بل وصل الحال إلى أن الزوج يقوم بتصوير زوجته وهم يمارسون العلاقة الحميمية، وهنا ينطلق سؤال عن الأسباب والدوافع التي تجعل بعض الأشخاص يقومون بتصوير أكثر لحظاتهم خصوصية ويقومون بحفظها في أجهزتهم.

اقرأ/ي أيضًا: اضحك الصورة تطلع من "المية"!

يذهب بعض علماء النفس إلى أن "هوس التقاط الصور ومشاركتها هو نوع من الوسواس القهري الذي يدفع صاحبه إلى المبالغة في التقاط الصور لدرجة تجعلهم يدفعون مبالغ باهضة للذهاب اللى مكان معين فقط لالتقاط الصور ومشاركتها دون حتى أن يستمتعوا بهذا المكان، فيما يشترك علماء النفس مع علماء الاجتماع إلى أن اؤلئك الأشخاص يتصفون جميعهم بالنرجسية التي تدفعهم إلى مشاركة كل تفاصيل حياتهم ليثبتوا لنفسهم أنهم محببون لدى الناس وأنهم محط إعجاب للجميع.

وفي مجتمعنا يذهب هذا الهوس إلى أبعاد أخرى، ففي الفترة الأخيرة أصبح تقييم الأشخاص على عدد متابعيهم، بل وأصبحوا يعملون ويكسبون قوتهم على عدد اؤلئك المتابعين، أي أنه أصبح تجارة بطريقة غير مباشرة، فجميع الشركات بمختلف تخصصاتها ومراكز التجميل، وحتى بعض القنوات الفضائية أصبحت تبحث عن الأشخاص المتابعين من قبل أكثر عدد ممكن، حتى تجعلهم يروجون لمنتجاتهم أو يقدمون برامج منوعة، حتى وإن كانوا ليسوا من ذوي الاختصاص ولا يملكون الموهبة، إلا أنهم سيجلبون لهم أكبر عدد من المشاهدات، وهذا تحديدًا ما جعل الكثير، رجالًا ونساءً، يركزون على نشر يومياتهم بشكل كبير على مواقع التواصل ليحظون بأكبر عدد من المتابعين وبالتالي تأتي إليهم فرصة العمل.

في السياق، تشير العديد من الدراسات إلى أن النساء هن الأكثر هوسًا بالتصوير، سواء كانت صور اعتيادية أم صور سيلفي، كما أن الصورة تستغرق منهن الوقت الطويل لوضع مساحيق التجميل واختيار الزوايا المناسبة للتصوير، والتقاط عدد كبير من الصور حتى يتم اختيار ماهو ملائم للنشر لأن "الصورة" وانتشارها صارت وسيلة للعمل أيضًا. 

 النساء هن الأكثر هوسًا بالتصوير، سواء كانت صور اعتيادية أم صور سيلفي، كما أن الصورة تستغرق منهن الوقت الطويل لوضع مساحيق التجميل واختيار الزوايا المناسبة للتصوير

هناك نوع آخر من المهووسين بالصور وهم الذي يقومون بأخذ العديد من الصور وحفظها في الاستوديو دون مشاركتها على يومياتهم، فيما أكدت الدراسات على أن هؤلاء من الاشخاص الذين يكونون كثيري التأثير بغيرهم، فعند رؤيتهم لمشاركة أصدقائهم صورهم فورًا يقومون بأخذ صورًا مشابهة ولا ينشرونها لأنهم يكونون مهووسين بتقليد الغير فقط، وليس لديهم وسواس قهري بالتقاط الصور ونشرها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عماد طيايبة.. التصوير والموت ضدان

صور مذهلة من أنحاء العالم في مسابقة تصوير لعملية الولادة