15-سبتمبر-2019

مقتدى الصدر يتوسط علي خامنئي وقاسم سليماني (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

كثرت التكهنات والتأويلات منذ ظهور زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى جانب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في طهران، ضمن مجلس عزاء حسيني. لكن الدبلوماسي الإيراني السابق حسين علي زاده، قدم تفسيرًا مغايرًا يكشف عن احتمالية قيام الصدر بوساطة بين إيران والسعودية، خاصة مع التطورات الأخيرة، بالوقت الذي لفت فيه إلى أن الصدر ابتعد عن السعودية بسبب حرب اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي.

"ألترا عراق"، ترجم المقال المنشور في "إذاعة فردا" الفارسية دون تصرّف، إليكم تفاصيله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد سقوط نظام صدام حسين، عرض تلفزيون إيران لمشاهديه لقطات تظهر سيّدًا شابًا بعمامة سوداء يقود مجموعة عسكرية تسمى "جيش المهدي". لم يكن المشهد في لبنان بل في عراق ما بعد صدام. صورة رجل الدين الشاب هذا أعادت في لاوعي الجمهور صورة الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله. قيل يومها إن صورة حسن نصر الله قد استنسخت في العراق، لكنّ هناك فرقًا واضحًا بينهما وهو أن السيد كان يمثل سلطة في العراق وهو ابن المقلَّد العراقي الشهير آية الله السيد محمد الصدر، الذي قتله صدام.

برغم أن مقتدى الصدر عاش في قمّ في مرحلة ما من حياته وتلقى دروسه فيها، إلا أنه لم يكن يندرج تحت السلطة الكاملة للجمهورية الإسلامية، كما فعل حسن نصر الله

في عراق ما بعد صدام المحتلّ من قبل الولايات المتحدة، كرّس مقتدى الصدر، من خلال استخدام مكانة والده البارزة، نفسه في المجال السياسي العراقي. لم ينتهج طريقة والده، بل استخدم مؤيديه لتنظيمهم في إطار مؤسسة عسكرية مسلحة سميت بـ"جيش المهدي".

اقرأ/ي أيضًا: بين مجلس خامنئي-الصدر والبرلمان.. ما خيارات العراق لـ"تأديب إسرائيل"؟

وبرغم أن مقتدى الصدر عاش في قمّ في مرحلة ما من حياته وتلقى دروسه فيها، إلا أنه لم يكن يندرج تحت السلطة الكاملة للجمهورية الإسلامية، كما فعل حسن نصر الله، وكما كانت تتوقع السلطات الإيرانية. لقد رأى نفسه باعتباره سلطة كبيرة مستقلة عن الجمهورية الإسلامية، فهو لا يعتمد على الموارد المالية الإيرانية.

لهذا السبب، وبالضدّ من توقعات الجمهورية الإسلامية، كان يعارض، أحيانًا بشكل كبير، سياسات طهران في العراق، إلى حدّ أن سياسته لم تكن تتوافق مع سياسات حسن نصر الله. وحدث الانشقاق حين اندلع اشتباك دموي بين مسلحيه وفيلق بدر المدعوم من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي الذي وقف في وجه الصدر، الأمر الذي فاقم الاحتراب الدامي بين المجموعتين الشيعيتين، وأدى فعليًا إلى ابتعاد مقتدى الصدر عن الجمهورية الإسلامية. في أعقاب هذا الخلاف مع إيران، اتخذ سياسات مرّة جدًا لطهران وحلوة للرياض!

في أوج النزاع بين طهران والرياض، حين وصف وليّ العهد السعودي آية الله خامنئي بأنه هتلر، زار مقتدى الصدر السعودية في الأول من تموز/يوليو. أوضحت صورته وهو بجانب ابن سلمان أن الأخير كان قادرًا على مساندة قادة الشيعة العراقيين المؤثرين لصالح الرياض على حساب طهران.

جاءت الزيارة قبل عام من قضية الشيخ نمر النمر السعودي، وهو رجل دين شيعي سعودي تتهمه حكومته بأنه مدعوم إيرانيًا، ما أدى إلى قطع العلاقات بين طهران والرياض. في وقت سابق، رفضت المملكة العربية السعودية تحمل المسؤولية عن مقتل عدد كبير من الإيرانيين في مشاعر منى أثناء الحجّ. والحالة تلك، أوضحت زيارة مقتدى الصدر لابن سلمان أنه لم يكن خائفًا من العواقب.

مقتدى الصدر بجانب خامنئي

يقال إنه في وقت كانت فيه علاقة حسن نصر الله بخامنئي علاقة "التلميذ" بأستاذه، فإن علاقة مقتدى الصدر مع آية الله خامنئي هي علاقة نجل مرجع شيعيّ عراقيّ مع المرشد الأعلى الإيراني. فخلال سنواته في إيران، لم يحضر مقتدى الصدر قطّ دروس آية الله خامنئي، وهذا في حدّ ذاته يعني الكثير.

الضرر الذي أعاق الطرق أمام مقتدى الصدر للمضي في اقترابه من الرياض هو ناجم عن الحرب الوحشية في اليمن وقتل الصحفي جمال خاشقجي بطريقة وحشية

استمر خلافه الدموي مع فيلق بدر الذي أدى إلى انفصاله عن إيران لخمس سنوات متتالية، إلى أن نشرت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرًا صورته وهو بجانب زعيم الجمهورية الإسلامية.

حظيت الصورة باهتمام إعلامي واسع النطاق في المنطقة وأثارت سؤالًا مهمًا: ماذا يعني وجود مقتدى الصدر في طهران واستعداده لالتقاط صورة مع قائد الجمهورية الإسلامية؟ هل غيّر مقتدى الصدر موقفه وانتقل إلى الجانب الآخر؟

اقرأ/ي أيضًا: انقسام وسخط داخل الحشد الشعبي مصدره "إسرائيل"!

يُقال إن حسن نصر الله هو الذي تدخل لإعادة العلاقة من خلال التذكير بالظروف الخطيرة التي تمر بها المنطقة. من ناحية أخرى، فإن الضرر الذي لا يمكن تعويضه (وهو ناجم عن الحرب الوحشية في اليمن وقتل الصحفي جمال خاشقجي بطريقة وحشية)، قد أعاق الطريق أمام مقتدى الصدر للمضيّ في اقترابه من الرياض. ولكنّ هذا مجرد سيناريو واحد من السيناريوهات المحتملة. يروي سيناريو آخر، بعيدًا عن وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين، قصة أخرى مختلفة.

الصدر يقود وساطة بين إيران والسعودية

يقال: بما أن المنطقة ملتهبة وعلاقة الصدر بالرياض لا يمكن تطويرها بعد مقتل خاشقجي، والحرب اليمنية مستعرة، فقد يكون كلّ ذلك سببًا في تعبيد الطريق لعلاقة مقتدى الصدر بطهران. لكنْ مع ذلك، فهذه ليس سوى واحد من السيناريوهات المحتملة لزيارته لطهران ووجوده في صورة مع زعيم الجمهورية الإسلامية. في هذا السيناريو، تخلّص الصدر من التنازل الذي قدمه لابن سلمان في المملكة العربية السعودية وهو الآن مرغوب به من قبل إيران، المنافس الإقليمي للسعودية.

أما السيناريو الآخر فيتمثل في قيامه بدور سريّ يأخذ على عاتقه تقليص أكبر قدر ممكن من التوتر في العلاقات بين طهران والرياض، نظرًا لعلاقات الصدر الجيدة مع السعودية من ناحية وموقفه باعتباره رجل دين شيعيًا من ناحية أخرى.

المفارقة هنا، التي يحملها هذا السيناريو، أن الصدر زعيم كتلة سائرون في البرلمان العراقي والسياسيّ المعترض على زجّ العراق في قلب الخلافات الإيرانية السعودية، هو من يلعب "دور الوساطة"، لمصلحة العراق، وقبل كل ذلك لمصلحة المنطقة.

يعترض الصدر على زجّ العراق في قلب الخلافات الإيرانية السعودية، لكن المفارقة التي يطرحها سيناريو محتمل أنه يلعب دور وساطة سرية بين طهران والرياض لتخفيف التوتر

لا دليل على أن مقتدى الصدر يقوم بوساطة بين طهران والرياض، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن الأشهر الأخيرة لم تشهد مشادات لفظية بين طهران والرياض ما يثبت أن البلدين حريصان على تحسين علاقاتهما. وبناء على ذلك، لمَ لا يكون مقتدى الصدر هو من يقوم بهذه المهمة الضرورية لكل من العراق والمنطقة؟

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تقدير موقف: مستقبل الحشد الشعبي في العراق.. بين سيادة الدولة وصراع المحاور

"مأزق" يطيل عمر حكومة عبد المهدي حتى "حلول الكارثة"!