27-مارس-2020

(علي طالب/العراق)

ثمة قشعريرة تمر في جسدي، لا تشبه البرد أو الخوف، لها لون باهت، وبطيء سيرها في الأطراف. ثمة نبضة زائدة في قلبي، وكرة شعر عالقة في صدري، لزجة كأن حلقي بالوعة حمام. ولا أعرف إن كانت هذه الحمى اكتئاب شديد أم بداية احتضار.

لو كان غدًا يوم موتي لكان المشهد الآن مثاليًا، كلاب الشارع تقيم عزاءً صاخبًا بنباحها، ودخان السيجارة يشف عن مستقبل خالٍ من الأيام، روحي البريئة تذكرت كل دنس لم يصبها، ومنضدتي الخالية من زجاجات النبيذ والبيرة تشعر بالخذلان.

لو كان غدًا يوم موتي، فأي قدر مرٍّ أنني لا أزال أطارد السراب، وأكتب شعرًا أقرأه على نفسي، وأحضِّر مرثية لن يقرأها أحد على قبري، ولن تحفظها امرأة للحظة اشتياق ثقيلة في المساء.

لو كان غدًا موتي فعليَّ أن أقص الأحلام التي أخفيتها في المنديل الذي مسحت به عرق ذعري حين استيقظت، وأن أكاشف الله عن الزاوية المظلمة في روحي، عن اسمه المحفور على خشبها العتيق، وعن القميص الأزرق المرمي على اسمه، وأكتب وصيتي الآن.

كان الليل حين أنام عود ثقاب

وكنت شعلة تقف على رأسه

لا أخلف ورائي غير رماد أسود.

وكان أحيانًا كرة من البلور

يعبث الماء في زمنه كما يشاء

حتى ينكسر على الأرض صباحًا

ويبصقني غريقًا رفضه الماء والزجاج.

وكان أحيانًا مجلة إباحية

تحتفي بالقبح

وتمتلأ صفحاتها برسوم كارتونية

تشوه أكثر رغباتي حرارة

وتحيلها إلى قيء في الصباح.

وأنت يا الله

منذ خلقتني علمت أنني سأكون شيطانك المهزوم، وعبدك المهموم، وملاكك المأزوم. رفضتُ لعبة الخير والشر شيطانًا، واستبدلتُ دنياك بالغربة فلم أطعك ولم أعصيك، وأعطب رأسي ملاكًا سؤال الجدوى وحملت ذنب ما لم اقترف، وبكيت جرح من زيّن جناحيّ بالندبات.

فأي صمت سيكون بيننا إن التقينا، وأي جردة حساب فارغة سيأتي لك بها ملكيك، كان عذابي أسير العتمة والزوايا، وكان قميصي الأزرق أوضح صورة لي، فأنا الحزن والغواية والشك والأمان، أدميت أظفري بحفر اسمك على موطن قصيدتي الأولى، ورميت قميصي الأزرق على اسمك ومضيت.

ووصيتي هوية متهالكة تركتها في جيبي

تقول إنني كنت وفيًا للوجود

أحب فيه الشجر والماء والجسد

وأصغي لمن اقترضوا لسانه

بالشعر والموسيقى

وأخبئ بندقية في قلبي فات أوانها قبل الأوان

وفي درج ملابسي هدايا حبيبات وكوفية وراية للبلاد.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جنّةُ عدم

قل آسف

دلالات: