24-مايو-2018

قاد الشباب العراقي على السوشيال ميديا حملات مقاطعة الانتخابات التشريعية (مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد انتهاء الانتخابات التشريعية في العراق، وإعلان نتائجها الأولية ثم النهائية، لم يكن هناك توجهات واضحة في مجتمع الشباب العراقي على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن غالبية الشباب كانت منشغلة بالمشهد السياسي، بدوافع متعددة وآمال متفاوتة بالحجم.

"يسار السوشال ميديا" هم الشباب الذين لا يصطفون لجانب القضايا الزائفة، وإنما يتفاعلون مع أحداث حقيقية تعني بلدانهم

يسار السوشال ميديا

رئيس تحرير وكالة "الغد برس" المحلية، وأحد الداعين لمقاطعة الانتخابات، قاسم السنجري، يُطلق على المدونين الشباب غير المنضوين تحت أجندات حزبية، تسمية "يسار السوشال ميديا". ويقول قاسم السنجري في حديث لـ"ألترا صوت"، إن "مدوني وسائل التواصل الاجتماعي، وأعني بهم غير المنضوين في الجيوش الإلكترونية، أو من يعملون على تنفيذ أجندات خاصة ليست بهم بل بجهات خارجية؛ فالمدونون الحقيقيون، يمكن أن نطلق عليهم تسمية يسار السوشيال ميديا".

اقرأ/ي أيضًا: نتائج الانتخابات العراقية.. الوجوه القديمة التي لم تتعلم الدرس

ويوضح قاسم السنجري: "هؤلاء لا تراهم يصطفون إلى جانب قضايا زائفة، بل يتعاملون مع أحداث تعني بلدانهم وخاصة في العراق، حيث أخذت منشورات المدونين تلقي بظلالها على التشريعات والقرارات، بل وحتى على شكل الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرًا، بالرغم من تحصين هذه العملية الانتخابية بحزمة إجراءات، وبقانون أعمى يتيح للحيتان الكبيرة أن تأكل أصوات الناخبين وتستمتع بهضمها لوقت طويل"، لافتًا إلى أن "مدونات الناشطين قلبت المعادلة وخلقت رأيًا عامًا مشاكسًا ومقنعًا لشريحة كبيرة من الشعب".

ثلاثة توجهات

وربما يمكن تقسيم مجتمع السوشيال ميديا الشاب في العراق إلى ثلاثة أقسام متداخلة، لكن تقسيمها يسهل تحليل صورة التوجهات ما بعد الانتخابات، والتي اتفق الجميع على كونها مغايرة للدورات الانتخابية السابقة، لأنها جاءت بعد كابوس تنظيم الدولة الإسلامية - داعش، وتقاسم الفوز فيها أكثر من طرف لا يتفوق أحدهم على الآخر بفارق كبير، وشهدت ولادة كتل سياسية جديدة وملفتة.

الفئة الأولى هي التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، والفئة الثانية هي الساخرة التي تكتب بطريقة متهكمة، تنحى بها مرة منحى الاحتجاج، ومرة اليأس. أمّا الثالثة فهي الفئة المتحركة ما بين الأمل والارتياب بخصوص فوز تحالف "سائرون" بالانتخابات، والذي جاء بعد تحالف القاعدة الشعبية للزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر مع التيارات العلمانية التي شاركت في الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح في ساحة التحرير وسط بغداد.

ولا يرى قاسم السنجري في ذلك انشقاقًا في توجهات الشباب على السوشال ميديا. "المجتمع العراقي لديه توجهات عديدة، ما تراه الان من رفض  لسائرون من قبل شريحة معينة أمر طبيعي"، يقول قاسم.

بينما يؤكد حيدر المرواني، وهو مدون متعاطف مع التيار الصدري، على أنه تعامل مع فوز تحالف سائرون بـ"حذر شديد"، عازيًا ذلك إلى "أسباب عديدة أهمها هو كثرة الخذلان الذي تعرضنا له من هذه الطبقة السياسية". لكن يستدرك: "المواصفات التي تتمتع بها هذه الكتلة واختلافها عن باقي الكتل أعطاني جرعة امل مهمة في هذا الوقت و أتمنى ان يكونوا على قدر المسؤولية".

لا تمثل نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية شيئًا بالقياس لمن لم يصوتوا والذين بلغوا 54.48% من إجمالي من له حق التصويت

ويشير قاسم السنجري، في نفس الشأن إلى المقاطعة، قائلًا: "لو أخذنا بعين الاعتبار نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية سنجدها لا تمثل شيئًا قياسًا بمن لم يصوتوا، وهناك قسم كبير من هؤلاء الذين لم يشاركوا لا يحبذون أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة على يد تحالف سائرون".

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي

هذا وقد حققت المقاطعة نسبة الأغلبية، بواقع 54.48% من المشمولين بالتصويت، بحسب ما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات. ويواصل قاسم السنجري حديثه مستدركًا: "لكن الأمر لا يخلو من أن هناك جيوشًا إلكترونية تسعى لتفويت الفرصة على سائرون وخلق أجواء مشوشة تمنع هذا التحالف من تشكيل الكتلة الأكبر". ويُقصد بالجيوش الإلكترونية، التي أشار لها قاسم السنجري، بعدد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بعضها بأسماء مزيفة وأخرى حقيقية، تكون مدفوعة بالمال بغرض التسقيط والتشهير والدعاية لفئة دون أخرى.

يأس وفوضى واحتجاج

ورغم أن مقاطعي الانتخابات فعّلوا وسمَيْن على فيسبوك وتويتر على غير العادة، هما "#مقاطعون" و"#اكعد_بالبيت"، بمعنى ابقَ ببيتك. لكن هذا التصرف كان خارج سياق العرف التدويني عند الشباب العراقيين.

ويعتقد حيدر المرواني، أن هذه الفوضى إيجابية، قائلًا: "فضلًا عن استحالة تنظيم التدوين والمدونين، هذه العشوائية في انتقاد الطبقة السياسية تجعل السيطرة عليها أمرًا مستحيلًا، حيث إنها لا تتمتع بقيادة معينة يمكن أن يتم ضربها إعلاميًا أو اعتقالها"، لافتًا إلى أن "تنظيم أمور مثل هذه يمكن أن يكون أكثر فاعلية إلا أن إمكانية التأثير فيه تتم بسرعة وسهولة أكبر".

ولا ينسب قاسم السنجري الكوميديا السياسية إلى اليأس: "الكثير من مدوني وسائل التواصل الاجتماعي يهدفون إلى إيصال افكارهم عبر أساليب هم يحددونها ومن هذه الأساليب الكتابة الساخرة، وهذا النوع من الكتابة لا يعني اليأس".

ويضيف قاسم السنجري: "الإنسان اليائس لا يستطيع التفكير بفكرة للنجاة، فيما الكتابة التي تسخر من أخطاء الدولة ومفارقات الاحزاب، هي كتابة مفعمة بالأمل، حينما تستطيع جملة ساخرة أن ترسم ابتسامة على شفتك أو تنتزعها انتزاعا فهي قادرة على التأثير بك ولفت نظرك إلى ما يحدق بك من قضايا".

لكن المرواني يجد في بعض الساخرين يأسًا، بالإضافة إلى أن الأسلوب الساخر أكثر تأثيرًا عندما يستخدم بالنقد والاحتجاج. ويقول: "في الحقيقة الشكلين ينطلقان من النقطة ذاتها، فصاحب المنشورات الساخرة ينطلق أيضًا من يأسه، ويعتقد أن هذه السخرية هي آخر ما يمتلك من حق، هو في الحقيقة يحاول أن ينتقم من هذه الطبقة المهيمنة على كل شيء بالسخرية".

قد تكون المنشورات الساخرة في السوشال ميديا أكثر تأثيرًا على الطبقة السياسية العراقية، فالسخرية هي من أوجه الاحتجاج المنطقية

ويضيف: "أيضًا يمكن للسخرية ان تؤثر بالمواطنين وتغير من أفكارهم بشكل أسرع. شخصيًا أرى أن المنشورات الساخرة أكثر تأثيرًا على الطبقة السياسية وعلى المتلقي، فالسخرية هي وجه من أوجه الاحتجاج المنطقية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الدعاية السوداء" في الانتخابات العراقية.. المال في خدمة الطائفية والفساد

بقايا حملات الانتخابات العراقية.. مصدر رزق لـ"العتاكة"