08-أبريل-2022
الغزو الأمريكي 2

تحولات حكومات ما بعد 2003

مع مرور 19 عامًا على ذكرى الغزو الأمريكي للعراق وسقوط العاصمة بغداد على يد قوات التحالف الدولي، و"بناء" نظام سياسي جديد، لا تزال الأسئلة مطروحة عن تحوّلات هذا النظام على مستوى الانتخابات وتشكيل الحكومات وما سمي فيما بعد بـ"المحاصصة" وتقسيم المناصب على أساس طائفي بين الكتل التي تقول إنها ممثّلة عن مكوناتها. 

النظام الجديد

ويجري النظام السياسي في العراق بعد عام 2003، في إطار جمهورية برلمانية ديمقراطية وهو نظام التعددية الحزبية كما قيل حينها، حيث تمارس السلطة التنفيذية من قبل رئيس الوزراء لمجلس الوزراء بصفته رئيس الحكومة، فضلًا عن رئيس الجمهورية فيما تناط السلطة التشريعية لمجلس النواب.

رأى مراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من رسمت ملامح وشكل العملية السياسية العراقية بأكملها بعد عام 2003

وبدأت ملامح "التوزيع المحاصصاتي" في النظام السياسي عقب انتخاب مجلس النواب المؤقت والذي يسمى أيضًا بالجمعية الوطنية الانتقالية في 30 كانون الثاني/ديسمبر 2005، والذي كانت المهام الرئيسة لها التمهيد لإجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة دائمية مدتها 4 سنوات بعد الانتهاء من كتابة الدستور.

وتشكلت أول حكومة عراقية منتخبة في 20 أيار/مايو 2006، على "أساس توزيع طائفي ومكوناتي للرئاسات الثلاث"، حيث تسلم المكون الشيعي منصب رئاسة مجلس الوزراء والمتمثل بنوري المالكي، في حين كان منصب رئاسة مجلس النواب إلى المكون السني والمتمثل بمحمود المشهداني، فيما كان جلال طالباني رئيسًا للجمهورية عن المكون الكردي، وسار نهج توزيع هذه المناصب منذ عام 2006 وإلى الآن، رغم أن المادة 14 من الدستور العراقي لعام 2005 نصت على المساواة بين العراقيين دون التمييز لدين أو مذهب أو عرق أو قومية.

وتعرف فلسفة المحاصصة العراقيين على أساس انتمائهم الديني مع حساب نسبتهم داخل حدود الدولة، ومن خلاله هذه النسب تُحدّد مقدار حصة المكوّن في أجهزة الدولة ومؤسساتها.

سياسيو العراق أصرّوا على المحاصصة

وبشأن هذه الذكرى وتأثيراتها على العملية السياسية الحالية، يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية عقيل عباس، إنّ "العملية السياسية العراقية الجديدة بدأت بعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، إذ وضع الأمريكان فكرة وخارطة طريق للحكومات من خلال حكمي إياد علاوي وإبراهيم الجعفري (المؤقت)"، مشيرًا إلى أنّ "الأمريكان أصروا على أن تكون الحكومة العراقية الجديدة مبنية على مبدأ الوطنية لا المحاصصة الطائفية والدينية والعرقية"، في إشارة إلى ما يجري الآن.

ويقول عباس لـ"ألترا عراق"، إنّ "السياسيين العراقيين وعند استلامهم زمام الحكم نهاية شهر حزيران عام 2004 وما يعرف بـ(تسليم السيادة)، إلى إياد علاوي، لرئاسة الحكومة بصفة مؤقتة وانتهاء معنى كلمة احتلال كون الحكم أصبح عراقيًا جرت الأمور عكس ما هو متوقع".

وتحدث الباحث الأكاديمي، قائلًا إنّ "الكرد والسياسيين الشيعة تحديدًا عمقوا فكرة المكونات عقب تشكيل أول حكومة عراقية عام 2005، وهذا عكس مبدأ القيادات الأمريكية التي أرادت عكس ذلك".

وختم حديثه بالقول إنّ "العملية السياسية في العراق أصبحت الآن تعرف بـ(صفقات المكونات)"، محملًا في الوقت ذاته القوى الشيعية "مسؤولية ما يحدث في العراق من خلال غرس مبدأ المحاصصة الطائفية والسير على خطى توزيع المناصب وفقًا للديانات والأعراق".

وفي حكومة عام 2010، بقي الحال كما هو عليه حيث نال فيها نوري المالكي ولايته الثانية في الحكم مع بقاء جلال طالباني عن المكون الكردي في  منصب رئاسة الجمهورية مع إجراء تغيير واحد فقط في منصب رئاسة البرلمان والذي حظى فيها أسامة النجيفي عن المكون السني.

واشنطن تتحمل المسؤولية

لكنّ عضو شبكة "الهدف" للتحليل الاستراتيجي مهند جواد، رأى أنّ "الولايات المتحدة الأمريكية هي من رسمت ملامح وشكل العملية السياسية العراقية بأكملها بعد عام 2003"، معللًا ذلك بأنّ "مجلس الحكم الذي أسسه الأمريكان والذي ضم قادات سياسية مختلفة الأطياف والديانات كان أساس بناء الخارطة الحالية التي لا تزال فعالة إلى يومنا هذا".

وعدّ المحلل السياسي العراقي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "المحاصصة السياسية بشأن تشكيل الحكومات وعلى مدار السنوات الماضية كانت نتاج الأسس التي وضعتها واشنطن"، مبينًا أنّ "الخارجية الأمريكية وعلى رأسها كونداليزا رايس، كان لها الدور الأكبر بالتدخل بكتابة الدستور العراقي الحالي وهو الذي يسير على تفاصيله أكثر السياسيين العراقيين الآن والذي يحتوي على فقرات ملغمة".

وأشار جواد إلى أنّ "إدخال واشنطن لشخصيات سياسية خارجية تسببت في أزمات طائفية عديدة على كافة الأصعدة دليل آخر على الأزمات السياسية التي يعيشها العراق الآن".

لا مجال للتغيير الآن

وعاش العراقيون على وقع تلك التقسيمات التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحياة السياسية سواء في حرب أهلية أو انفلات أمني أو اجتياح تنظيم "داعش" لعدّة محافظات عراقية، لغاية انطلاق التظاهرات الشعبية وما يعرف بتظاهرات تشرين خلال العام 2019، والتي طالبت بتغيير نظام الحكم المبني على أسس التوزيع المحاصصاتي.

المحاصصة الطائفية المعتمدة في تشكيل الحكومات وعلى مدار السنوات الماضية كانت نتاج الأسس التي وضعتها واشنطن

ونجحت الاحتجاجات بتغيير الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، الأمر الذي أجبر بعض القوى السياسية على المطالبة بتغيير نظام تشكيل الحكومات من توافقي (توزيع المناصب وفقًا للطائفة الدينية) إلى "حكومة أغلبية" (توزيع المناصب على أساس الاستحقاقات الانتخابية بعيدًا عن المكوناتية)، الأمر الذي يعرقل تشكيل الحكومة الحالية رغم مرور أكثر من 6 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية.

ولا تبدو الأجواء السياسية التي ترافق عملية تشكيل الحكومة الجديدة، مشابهة لما جرى خلال الانتخابات والحكومات السابقة، خصوصًا بعد التغير الكبير في خارطة المقاعد النيابية بين المكونات الثلاثة المسيطرة (السنة، الشيعة، الكرد)، الأمر الذي بات ينذر بإمكانية كسر نصاب التوافق والمحاصصة بشأن المناصب الحكومية.

ومن ملامح الإصرار على تغيير عرف التوزيع المحاصصاتي، إصرار التحالف الثلاثي والمتكون من (التيار الصدري، الحزب الديمقراطي وتحالف السيادة)، على الذهاب صوب خيار الحكومة الأغلبية والتضم تضم الجميع بعيدًا عن مفهوم التفاهمات والتوافقية بشأن المناصب، لكن بالمقابل يصر "الإطار التنسيقي" والذي يضم القوى المقربة من إيران على تشكيل حكومة توافقية فضلًا عن "الكتلة الأكثر عددًا" التي يطالبون أن تكون من "المكون الشيعي". 

وفشل مجلس النواب خلال الأيام القليلة الماضية، بعقد جلسة خاصة لانتخاب رئيس الجمهورية بعد رفض ما يعرف بـ "الإطار التنسيقي"، مبدأ الأغلبية والتأكيد على أهمية توزيع المناصب وفقًا للتوافقية بين مكونات الأحزاب الحاكمة.

ومع مرور نحو عقدين على تجربة الغزو الأمريكي، لا تزال الأسئلة تنطلق عن أسباب قدرة العديد من السياسيين على عدم تجاهل إرث المحاصصة الطائفية رغم الأزمات المتكررة التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية والتي ترمى أسبابها غالبًا إلى "التوافقية"، فيما يسجل العديد من المراقبين إحدى المفارقات التي تكمن في أن الكتل السياسية التي تدعي "مقاومة الأمريكان" هي من يتمسّك بـ"المحاصصة" التي وضع أسسها الأمريكان وتقف في وجه أي تصور لتشكيل الحكومة غيرها.