03-مايو-2022
التغيير

رغبة الجيل بالتغيير ليست كافية لخلق هذا التغيير (فيسبوك)

أحب الجواهري، وأنا بطبعي أحب الشعراء الحقيقيين حبًا استثنائيًا؛ لأن من ينظم الشعر لا يتعامل مع حالة جمالية فحسب، وإنما مع سيولة متدفقة المشاعر، سواء تلك التي تعبر عن حالة عاطفية فردية أو وضع جماعة بهمومهم وآمالهم، لكني الآن بتُّ لا أتفق مع هذا البيت الشعري الذي يقول فيه: "سينهض من صميم اليأس جيلٌ مريدُ البأس جبارٌ عنيد"، نظرًا لتعقد المشهد وتداخله، وأعتقد أن ما حصل في "انتفاضة تشرين" في بغداد ومحافظات الجنوب وما قبلها، دليل على أن رغبة الجيل بالتغيير ليست كافية لخلق هذا التغيير.

الجيل الذي يرغب بالتغيير لا يستطيع لوحده تحدي الأعراف السياسية في بلده لتجذرها وتراكم نتاجها العكسي فضلًا عن ارتباطها بتوازنات إقليمية ودولية 

هناك من حاول بكل السبل تكذيب هؤلاء الشباب والافتراء عليهم وتشويه حقيقة ما يطالبون به من حياة طيبة وكريمة، لا بل ملاحقتهم وخطفهم واغتيالهم بغية إسكاتهم، ولكن تبقى أصدق عبارة قيلت في هذا الحدث التاريخي "نريد وطن"؛ ذلك لأنهم لا يشعرون بالانتماء إلى هذا الحال، وإنما إلى صورة وطن مستقر في أذهانهم يطالبون به. وأنا هنا لا أناقش قضية التظاهرات ولا أقيّم نتائجها وإنما أتحدث عن حدث عام، أسبابه والغاية منه.

 

لا يستطيع هذا الجيل لوحده تحدي الأعراف السياسية في بلده؛ لتجذرها وتراكم نتاجها العكسي، فضلًا عن ارتباطها بتوازنات إقليمية ودولية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها. العالم لم يعد بلدات صغيرة متناثرة في بقاع الأرض، بل بلدان مخططة جغرافيًا وحدوديًا ومتجاورة يؤثر أحدها في الأمن القومي للآخر، وترتبط مع بعض بمصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، لذا حين نتحدث عن النظام السياسي في العراق، لابد أن نتحدث بواقعية، فما جاء من الخارج تغييره مرتبط بالخارج. وعمومًا هذا وحده ليس شرطًا أساسيًا؛ فالمدرسة الواقعية تقول "القوة من تحكم"!

كي يدفع هذا الجيل الجبار بعجلة التغيير، لا بد أن يُعضد بقيادة جبارة. البلد بحاجة ماسة إلى قيادة قوية وواعية قادرة على جعله أن يتنفس على الأقل، ليعبر  عن احتياجاته وتطلعات شعبه ويفرض رغباته في المفاوضات والمحافل الدولية.

 

تلك القيادة بمعزل عن الانتخاب الطبيعي العراقي الذي اعتدنا عليه منذ 2003. أي بمعنى بتحييد المشاعر المذهبية والعرقية أثناء التصويت عليه، وإلا الاستمرار بهذه النظرة الضيقة في تنصيب قادة البلد، يعني استمرار النتائج الطاحنة نفسها والتي لم ولن ينجو منها أي أحد حتى الفاسدين أنفسهم؛ لأنهم مهما علا شأنهم، لهم عمر افتراضي مرتبط بعمر هذا النظام السياسي المهترئ.

حين أقول قيادة واعية؛ أعني قيادة تعي حجم التحديات التي يعيشها البلد ولا تتجاهلها بكل سذاجة. تحديات أكبر من كونها تحديات مشاكل داخلية، بل مرتبطة بمشاكل كونية وبعالم يتطور رغمًا عنا جميعًا وتتطور معه أزماته، مثل "كورونا" والتغير المناخي والأزمة الاقتصادية العالمية، وما نتج عنها من تضخم في الأسواق، بل على الرغم من بعدنا جغرافيًا ولكننا نعايش حربًا ترقى إلى مستوى حرب عالمية، وهي الحرب الروسية - الأوكرانية غير المعروفة النتائج وكم ستجر معها من دول إلى الاقتتال بشكل مباشر أو بالإنابة، وما هي النتائج التي ستترتب على بلادنا نتيجة هذه الحرب!

القيادة القوية حتمًا، ليست تلك التي تسمح بمضي 6 أشهر على الانتخابات دون أمل بالتوصل إلى حل يفك خناق هذا الانسداد السياسي. أي بمعنى تلك التي لا تسمح بتعليق مصير البلد إلى أجلٍ غير مسمى!