01-يوليو-2022
مقتدى الصدر السيستاني

على نحو مفاجئ، تسلسلت أحداث عدة متسببة بتوتر بين قاعدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والجهات المحسوبة أو التابعة لكبير مراجع الشيعة في النجف علي السيستاني، قبل أن تتدارك الأطراف – وفق مصادر الترا عراق - الاشتباك الإلكتروني الأعلى مستوى منذ نحو عقد.

 

مناوشات ما بعد "السلام"

للطرفين تاريخ علاقات إشكالي. في السنوات الأولى بعد العام 2003، نظم شعراء صدريون قصائد ضد السيستاني، وحذر الناطق باسم التيار حينها، عبدالهادي الدراجي من تحول العلماء إلى "شياطين خرس" في إطار مطالبته السيستاني بإصدار موقف ضد هجوم القوات الأمريكية على أنصار الصدر في النجف، لكن ذلك زمان مضى، فمنذ أكثر من 10 أعوام، يبدي الصدريون وزعيمهم احترامًا بالغًا لمرجعية السيستاني. وفي المقابل بقيت أبواب المرجع الأعلى مشرّعة أمام زيارات الصدر، رغم أنها موصدة بوجه بقية السياسيين منذ العام 2017.

تصاعد التوتر بين جهات محسوبة على المرجع السيستاني وقاعدة الصدر بشكل مفاجئ إثر سلسلة تصريحات 

بعد تظاهرات "تشرين"، شتاء العام 2020، أدان السيستاني العنف ضد المتظاهرين إثر تعرضهم لهجوم من جماعة القبعات الزرق المرتبطة بالصدر، لكن شيئًا لم يظهر إلى السطح عن توتر في العلاقة بين المقرين النجفيين، شارع الرسول، حيث يقيم السيستاني والحنانة مقر إقامة الصدر.

الصدر

 

في شباط/فبراير الماضي، تسبب فيديو لرجل دين مقرب من الصدر بإثارة المزيد من المتاعب للتيار في إطار علاقته بالسيستاني، حين ظهر حازم الأعرجي في فيديو مرددًا عبارة "الحنانة مصدر القرار الشيعي"، قبل أن يأمره الصدر بتقديم الاعتذار.

منتصف حزيران/يونيو الماضي، أطلق ممثل السيستاني تصريحات جدد فيها مهاجمة زعيم الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لكنه استدرك لاحقًا، وقال إن حديثه "كان تعبيرًا عن رأي شخصي وهو لا يمثل مرجعية النجف" الأمر الذي أنعش أنصار الإطار، ولم يرُق لأنصار الصدر، إذ كان من شأن تصريح بهذا المستوى –قبل نفيه- أن يوجه ضربة سياسية لمساعي المالكي وحلفائه.

 

تجدد الاشتباك

الأربعاء الماضي، تفجر الخلاف مجددًا بعد أن نُقِل عن رجل دين يُدعى عماد الأسدي، تصريحات هاجم فيها قيام نواب الكتلة الصدرية بتخصيص مبالغ ضخمة لأنفسهم قبل الاستقالة من البرلمان، تبيّن لاحقًا أن نبأ تخصيص المبالغ مبني على وثيقة مزيّفة.

تسبب هجوم الأسدي من على منبر داخل مرقد الإمام الحسين، باستياء لدى الصدريين، وبدأوا التسخين ضد القائمين على المراقد التي تخضع لإدارة وكلاء السيستاني.

الخميس، انتشر فيديو آخر لرجل الدين عبدالفتاح الناصري، خطيب مسجد الرسول الأعظم في مدينة طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين، وهو يهاجم المحتفلين بقانون التطبيع ويصف مشرعيه بأنّهم "مجرمون بحق الشعب"، وأنّهم يحاولون خداع الرأي العام "لأن تجريم التطبيع صدر من المرجع السيستاني قبل سنوات" وفقًا للناصري.

السيستاني

 

تسبب التصريحان المتتابعان بفورة غضب صدرية، تطورت إلى اشتباك إلكتروني وهجوم بدأ ضد المتحدثين، ثم إلى القائمين على مؤسسات المرجعية، وصولاً إلى استعادة عبارات الهجاء الصدرية القديمة ضد السيستاني.

 

اتصالات على المستوى المتوسط

علِم "الترا عراق" أنّ توجيهات متبادلة صدرت من الطرفين لإنهاء التراشق الإعلامي.

وجه مسؤول صدري رفيع بإيقاف فوري لكل الهجمات الإعلامية التي يشنها أنصار الصدر ضد السيستاني ووكلائه.

قال قيادي آخر إنّ "تعليمات شديدة صدرت منذ أعوام ضد المساس بمرجعية السيستاني وكافة متعلقاتها"، وأنّ "التعليمات مازالت مستمرة ولم ولن يطرأ عليها أي تغيير، لأن تقدير مرجعية النجف ليس مسألة خاضعة للنقاش وهي قضية عقائدية لدى قيادة التيار".

وأجرت شخصيات متقدمة تابعة للطرفين، اتصالات لبيان الموقف والإيضاح، وقال مسؤول صدري إنّ التفاهمات أثمرت عن تقديم رجل الدين عبدالفتاح الناصري اعتذارًا مصورًا عن حديثه.

 

"محاولات وقيعة.. وبصمات"

من جانب المرجعية، علم "الترا عراق" أنّ مساءلة جرت لرجل الدين عماد الأسدي، وسبب خروجه عن الالتزام بتعليمات إلقاء الخُطب داخل المراقد الدينية، ورجح مسؤول على صلة، أنّ يتم "منع الأسدي أو تعليق السماح له بارتقاء المنبر داخل المراقد" فيما ألمح إلى انحداره من "خلفية ولائية".

3

 

رجل دين مرتبط بمؤسسات السيستاني، قال إنّ "ضخامة كادر العتبة الحسينية الذي يُقدر بالآلاف سمح بتسلل العديد من الشخصيات ذات الخلفيات السياسية المعروفة التي تتسبب بإشكالات تصل للإعلام كما في قضية الأسدي، أو لا تصل، ويتم معالجتها داخليًا وهي كثيرة، ولا تتعلق فقط بالخطباء، بل أيضًا بالقائمين على العديد من المشاريع والفرق الإعلامية المرتبطة بالعتبات".

لفت مصدر آخر إلى أنّ "مؤسسات العتبات رصدت العام الماضي محاولة للوقيعة بين التيار الصدري ومرجعية النجف، عبر تنظيم حملة تطلقها حسابات مزيفة تضع صورًا لمقتدى الصدر وأبيه المرجع محمد صادق الصدر، وتهاجم المرجعية ووكلاءها، وقد قاد التتبع حينها إلى فصيل مسلح معروف بأجنحته الإعلامية، حاول فبركة تلك الحملة، وحملات مشابهة تحمل صور شخصيات من تظاهرات تشرين". 

قالت مصادر لـ "الترا عراق" إنّ تدخلاً رفيعًا جرى من الطرفين لإنهاء التوتر مع إشارات إلى محاولات "وقيعة" من قبل "أطراف ولائية"

وتكمن حساسية التوترات الحالية لتزامنها مع انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان، وبدء قوى الإطار التنسيقي الأقرب إلى إيران محادثات تشكيل الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية توظيف أي توتر أو حدث وترجمته سياسيًا.

وقادت العودة المفاجئة للصدر إلى المشهد السياسي وإطلاقه تغريدة ضد رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح بوضع آمال الأخير بالتجديد في مهب الريح، وإرباك حلفائه في الإطار التنسيقي، فيما تتصيد الأطراف المتنافسة تصريحات بعضها البعض، لإلهاب المشهد بالمزيد من الأزمات، وهو ما يدفع البلاد إلى واحدة من أشد مراحل التأزيم المتصاعد منذ 8 أشهر.