12-مايو-2022
التطبيع

يُناقش القانون في ظروف العصيبة على فلسطين والعراق معًا (فيسبوك)

بتأريخ 11 أيار/مايو 2022، قرأ مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لـمشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ليضع القانونُ، العراق/الدولة، على مسار تجديد العهد مع موقفه التاريخي من القضية الفلسطينية، وذلك جانب مشرق على أية حال، في مثل هذه الظروف العصيبة على فلسطين والعراق معًا.

قفز مشرّع القانون من هذه القفزات من الوطنية إلى الإسلامية ثم الإنسانية، دون المرور بالهوية العربية للعراق

ومن هنا، ندلي ببعض الملاحظات الإيجابية والسلبية من وحي مسودة القانون التي طُرحت في البرلمان، والمنشورة على "ألترا عراق".

جاء في مسودة القانون، وتحديدًا في الأسباب الموجبة لتشريعه، كما حددها واضعو القانون، أنه يهدف للحفاظ على "المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق".

ولعل القارئ غير العراقي يتعجب كل العجب من هذه القفزات من الوطنية إلى الإسلامية ثم الإنسانية، دون المرور بالهوية العربية للعراق (موقع القانون) ولفلسطين (القضية المستهدفة).

سيعتقد القارئ الأجنبي إن كان يشعر بالقليل من النعاس أن العراق دولة إسلامية غير عربية من أواسط أو جنوب شرق آسيا، يذكر قانونُها كل المصطلحات والمفاهيم إلا الأساسية منها. وربما نسي المشرّعون أن يضمّنوا مصطلح "الكونية" في القانون، بوصفه منطلقًا لرفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

في العراق، الإسلام هو دين الأغلبية الساحقة، مقابل أقلية من المسيحيين وغيرهم. وفي العراق أيضًا أغلبية عربية، مقابل أقليات قومية مثل الكردية وغيرها. فلماذا تُذكر هذه ولا تُذكر تلك حتى وإنْ كانت القضية بالأغلبية وليست بالبُعد الأصيل للعلاقة العراقية الفلسطينية؟

يختصر القانون الكثير من الجهود التثقيفية والإعلامية في مواجهة المد الصهيوني الذي يستهدف الناقمين على أوضاعهم

ثم هل يهتم الإسرائيليون للعراق إذا ما نُزعت صفته العربية؟ وما الذي يشكله بالنسبة للاحتلال دون عروبته التي تشكل نسيجًا مع محيطه وعمقه وتاريخه بضمنها فلسطين؟

إنه من المؤسف نكران الصفة العربية لبلد عربي ومؤسس لجامعة الدول العربية وابن بيئتها بل مركز حضارة العرب، ونتمنى تصحيح الخطأ (إن كان غير مقصود) قبل إقرار القانون.

في الجانب الآخر المضيء - وتجريم التطبيع بحد ذاته إضاءة في زمن الانحلال والانحطاط - للقانون أهمية بالغة لناحية قطع الطريق على من يفكر بالتطبيع أو يهيء الأرضية له أو يربط العراق بمشاريع إقليمية ذات صلة بإسرائيل ليكون الاقتران تحصيل حاصل. ولعله يختصر الكثير من الجهود التثقيفية والإعلامية في مواجهة المد الصهيوني الذي يستهدف الناقمين على أوضاعهم والفاقدين للنموذج الفكري والثقافي والسياسي والعلمي والتكنولوجي.

تطبيع

كذلك، لناحية المتاجرين بالقضايا النبيلة ومنها القضية الفلسطينية، الذين لم تكن لهم صلة بالقانون، أملًا بأن تُنتزع الكثير من حججهم التي يطرحونها بثقة في إجابة عن أسئلة تتعلق بانتهاكات وفساد وانجرار خلف أجندات الخارج وغير ذلك، وقد وصلت تلك الحجج إلى مرحلة النفاد.

في المجال المضيء أيضًا: التصويت الكردي، من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يُتهم بالعادة بالعلاقة مع إسرائيل، سيكون سابقة تاريخية إن اكتمل. وهي سابقة بما للكلمة من معنى إذا ما اطلع المرء على التاريخ الحديث. وإن كنّا نعتقد أن للطرف الكردي يد في عدم ذكر الصفة العربية ضمن القانون.

من الضروري الالتفات إلى هذه الثغرات القانونية لعدم استغلالها للقمع وتكرار مأساة أنظمتنا العسكرية التي قمعت شعوبها باسم فلسطين وأخرجت التضامن معها من قلوب بعضهم

ختامًا، من الضروري تأشير بعض الفقرات المتعلقة بالحريات في القانون، التي ربما تستخدم للقمع في غير سياقه، إذ تُترك للتأويل فيُمكن استخدامها كأداة لضرب الخصوم والمعارضين بدعوى التطبيع مع إسرائيل.

على سبيل المثال، ما جاء في الفقرة السادسة من المادة الرابعة في مشروع القانون، إذ توجه التهمة إلى كل من "يقوم بأي فعل يحقق الأغراض الصهيونية". وتلك فقرة غير واضحة وفضفاضة، وقد يعتبر الطرفُ الحاكم الاحتجاجات تحقق الأغراض الصهيونية، كما نحن على سبيل المثال نعتقد أن المحاصصة تحقق الأغراض الصهيونية. لكن ذلك عبث.

نفترض أن من واجب المثقفين والناشطين الوطنيين فضلًا عن السياسيين المتمسكين بقضايا الأمة في هذا المجال الالتفات إلى هذه الثغرات القانونية وإدراك أهميتها لناحية تحقيق القانون أهدافه، ليس دفاعًا عن الحريات والديمقراطية فحسب، بل لعدم استغلاله للقمع وتكرار مأساة أنظمتنا العسكرية التي قمعت شعوبها باسم فلسطين وأخرجت التضامن معها من قلوب بعضهم. ذلك شرط الانحياز التام لصالح تجريم التطبيع قبل انتقاد قانونه.