24-يونيو-2022
الأطفال

جردة تحليلية للآثار السلبية (فيسبوك)

تكاد الشاشة العراقية ومنذ سنوات تخلو من البرامج الخاصة بالأطفال، حيث لا يجدون أمامهم سوى البرامج السياسية والأمنية، والتي تتناول الأحداث والصور التي لا تناسب أعمارهم ومستوى وعيهم، وهو ما يأتي بتحذيرات واسعة من قبل مختصين رأوا أن ذلك سينعكس على شخصياتهم وحياتهم في المستقبل بشكل سلبي.

يتذكر العراقيون العديد من برامج الأطفال التي كانت حاضرة في الشاشة منذ ستينيات القرن الماضي

وفضلًا عن ذلك، فإنّ نحو 90% من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر بحسب منظمة "اليونسيف"، كما أنّ ثلث هؤلاء الأطفال يمرون بـ"ظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعالة عائلاتهم"، ما يجعل برامجًا كهذه مهمة لمواجهة غياب التعليم.

الفضائيات ترفض

وليد حبوش، الذي قدّم أشهر برامج الأطفال في العراق قبل 19 عامًا، يعتبر أنّ غياب هذه البرامج "تخطيط ممنهج ومقصود لفصل الطفل العراقي عن مجتمعه ومستقبله".

ويتساءل حبوش بالقول: "هل يعقل أن تتفق جميع القنوات العراقية بكل اطيافها على رفض كل فكرة لبرنامج أطفال بحجج واهية؟"، مؤكدًا أنّ "أغلب القنوات تمتلك ميزانية مالية كبيرة لكنها تذهب لبرامج سياسية وفنية وغيرها".

ويقول حبوش لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراق كان مميزًا ببرامج الأطفال منذ ستينيات القرن الماضي، لكن الآن وصل إلى منحدر خطير".

وانهى حبوش، 20 عامًا من حياته على تقديم الأغاني الخاصة بالأطفال والبرامج الخاصة بهم، ومن أشهر برامجه "نادي هيلاهوب"، كما نال عشرات الجوائز العربية منها والعالمية.

هيلاهوب

 

غياب الدور التثقيفي

الكاتب والأكاديمي هاشم حسن التميمي، يشير إلى أنّ "القنوات التلفازية كانت تهيمن على اهتمام الجمهور وتغطي ببرامجها الساحة الاتصالية بغياب وسائل مواقع التواصل الاجتماعي بعد منتصف القرن الماضي وحتى بداية الألفية الثالثة"، مضيفًا "وكان التلفاز يغرس في عقول الأطفال والفتيان والشباب منظومات قيمية تحافظ على الهوية الوطنية بسبب أن الأنظمة سابقًا كانت قوية ولها رقابة وخطط في إنتاج البرامج وأخرى للرقابة".

ويستدرك التميمي في حديث لـ"ألترا عراق"، لكن "بعد الاجتياح الرقمي تلاشت الحدود وتقلص دور التلفاز وغابت الرقابة فحدثت فوضى اتصالية في العراق الذي كان محرومًا من الإنترنت وحرية التعبير"، معتبرًا أنّ "الانفتاح الذي عاشه العراق بعد العام 2003، أزال معه الأنظمة وأصبحت المنظومات هشة ومخترقة وتخلت الجامعات والمدارس عن دورها التربوي، بل انحصر دور الأسرة في السيطرة والتوجيه وعمت الفوضى الخلاقة".

ويقول الأكاديمي إنّ "هناك أكثر من 80 قناة ذات طابع ديني لا تمتلك القدرة على الإنتاج في مجال الأطفال بهدف تكريسهم، في حين لا يمتلك العراق مشروعًا حضاريًا أو إعلاميًا واضح المعالم لإنتاج برامج أو إنتاج ثقافة حديثة تنمي الفكر الحر وروح الابتكار وقبول الآخر".

آثار نفسية

ويعتبر اختفاء برامج الأطفال وعدم تخصص أي فضائية عراقية بهذا المجال خللًا وقصورًا في البرامج التربوية الداعمة لنمو الطفل، وفقًا للباحثة الاجتماعية نادية جعفر. 

وتقول جعفر لـ"ألترا عراق"، إنّ "شخصية الفرد العراقي لها صفاتها الخاصة في التربية على المبادئ الصحيحة لمفاهيم الأخلاق والعادات الصحيحة  التي تفيد تقدم المجتمع، لذلك يحتاج إلى برامج تغرز هذه المبادئ منذ وقت مبكر من عمر الطفل".

وبحسب الباحثة الاجتماعية، فإنّ نوع القصص المطروحة في البرامج والأفلام المتحركة للأطفال التي تعرض على القنوات العربية جميعها "تثير العنف في نفوس الأطفال أو النزعة التنمرية عندهم والأنانية".

وبحسب المسح المتعدد المؤشرات (MICS6) للعام 2018، التابع لمنظمة "اليونسيف"، يتعرض 4 من بين كل 5 أطفال في العراق للعنف في المنزل أو في المدرسة، على الرغم من انخفاض الأعمال العدائية القتالية، لكنّ ثقافة العنف ما تزال مستمرة.

عسكرة الثقافة

قاسم سعودي، وهو شاعر وناشر كتب متخصصة للأطفال تحدث عن الانعكاسات السلبية لإهمال الأطفال في العراق، حيث يرى أنّ البلدان التي تعاني من متواليات الحروب والأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عادة ما يضعف الاهتمام بالثقافة بشكل عام أو تذهب إلى ما يسمى بـ"عسكرة الثقافة وهذا ينسحب بالتالي على الطفل الذي هو مركز الكون".

ويعتبر سعودي خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "العراق يشهد تراجعًا واضحًا في التربية الإبداعية للطفل على صعيد الحضور البرامجي في الشاشات العراقية، وهذا الأمر يتطلب الكثير من الرؤى والاستبصارت التي تعي أهمية برامج الطفل وتنشيط مداركه الشعورية والتربوية لا سيما ونحن نعيش ونرى مع قطار التكنولوجيا والفضاء المعلوماتي الهائل".

لا توجد قناة عراقية متخصصة في برامج الأطفال 

وقدّم سعودي، مقترحًا يساعد في حل الأزمة عبر "تأسيس مجلس أعلى لثقافة الطفل بهدف صناعة أفلام الطفل وكتاب الطفل، وبالتالي تأسيس منظومة إعلامية وبرامجية هدفها ملامسة واقع الطفل العراقي وتقديم كل آفاق التطور والتنوير له".