16-يناير-2019

عراقيات يتظاهرن ضد الحكومة في أيلول/سبتمبر 2018، في البصرة

اليوم، تتجه الأنظار حول الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، التي من الواضح أنها حتى الآن تخلو من النساء، إذ ومع ترشح أول امرأة عراقية لمنصب رئاسة الجمهورية، سروة عبد الواحد، وإصرارها إلى أن وصلت إلى التصفيات النهائية، إلا أنها لم تحظَ بالرئاسة على الرغم من إشادة المجتمع بالجرأة التي تحلت بها للترشح أمام 6 رجال.

المرأة العراقية غائبة في السياسة العراقية ما يعطّل فعاليتها، ويشرّع قوانين جائرة بحقها

أما رئاسة البرلمان فقد خلت تمامًا من النساء، فعلى الرغم من وجود 82 امرأة داخل البرلمان العراقي إلا أنه لم يحصل لأي منهن فرصة الوصول لرئاسة البرلمان أو لمنصب نائبيه، كانت هذه المناصب أيضًا من نصيب ثلاثة رجال.

اقرأ/ي أيضًا: الماجدات أولًا.. الحرّات أولًا

أما رئاسة الوزراء فلم يتم ذكر أي امرأة ولو علانية لضمان استحقاق انتخابي للنساء يتناسب ودورهن الحيوي في المجتمع العراقي، إذ وعلى الرغم من استغراق الأمر أكثر من شهرين لكي يتم اختيار رئيس وزراء توافقي بين الكتل السياسية، كان من الواضح أن القوى السياسية لا تعّول ولو بشكل بسيط على النساء، وقد تخجل إن صح التعبير في منحهن صيت "الغنى" لتولي أعلى منصب تنفيذي في الدولة. اتسمت الانتخابات الأخيرة التي جرت في أيار/مايو 2018 بمشاركة واسعة للنساء، وبتسقيط وعبثية رافقها تشويه سمعة وطعن بالمصداقية، إضافة إلى اختلاط الأجندة بين الناخبين، فمنهم من كان يشجع مشاركة النساء بل ويدافع عنهن، ومنهم من أخذ يتداول حياة بعض المرشحات الخاصة، ويستخدمها كوسيلة ابتزاز للقائمة الانتخابية التي تنتمي اليها تلك المرشحة.

25% يمنع تجاوزها

يلتزم العراق دستوريًا باتباعه نظام الكوتا النسائية في البرلمان، إذ حدد الدستور نسبة 25 % لتمثيل النساء، كانت هذه المرة الأولى التي تدخل فيها العراقيات إلى المحفل السياسي، نظام الكوتا الذي اقترح في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة وانعقد في بكين عام 1995 لضمان إيصال المرأة لمواقع التشريع وصناعة القرار يعتبر حلًّا مؤقتًا ومرحليًا، إلا أن هذا الحل المؤقت قد ساهم بشكل ملموس في انخراط المرأة العراقية في السياسة طوال السنوات الماضية، وإن لم تكن مشاركتهن تختلف عن مشاركة الرجال، إذ انقسمت النساء بين تيارات دينية وأخرى مدنية، لكن التمثيل الخجول والمنحسر على النساء اللواتي يقربن من ثقة رؤساء الكتل قد أساء كثيرًا لطموحات المرأة العراقية.

سروة عبد الواحد (تويتر)

إن دخول المرأة للبرلمان بنسبة التزام دستوري بلغت 83 مقعدًا من مجموع 329 في 3 دورات تشريعية متتالية، لا يدل على الالتزام بالدستور، بل بالتذرع به، فقد حصلت القوائم الانتخابية على مقاعد برلمانية بطريقة سهلة على شاكلة الـ"easy  mony"، إذ قد تحصل امرأة على مقعد بنسبة أقل من 5000 صوت في مناطق قد يبلغ تعدادها السكاني 30 ألف. استغلت الأحزاب السياسية هذا الأمر بتطبيق وجود المرأة غير الفعال في البرلمان، والدليل على ذلك عدم تشريع القوانين التي تصب في مصلحة المرأة طوال السنوات السابقة، على الرغم من وجود 83 منهن تحت سدة القرار التشريعي، وقد تحتاج النساء وإن اجتمعن على تمرير قانون يصب بمصلحة الفئة المستهدفة (المرأة والطفل) إلى ضعف عددهن من فئة الرجال لفعل ذلك، إن الاختيار غير الانتقائي للنساء قد فاقم الفجوة بين الناخبات والمرشحات أنفسهن، إذ يمكننا تتبع نسبة قليلة من النساء اللاتي صوتن لنساء مرشحات، فقد وصل عدد المرشحات في الانتخابات العراقية الأخيرة إلى 1983 امرأة، أي أن 1900 منهن لم تحصل على مقعد في البرلمان لالتزام العراق بتطبيق النسبة الخجولة، والاستمرارية بإقصاء النساء عمدًا من مراكز صنع القرار خلف حجج سطحية يسهل مضغها، حتى من تلك الأحزاب التي تدعي أنها تشجع المرأة وتضعها في رأس القائمة الانتخابية.

الزيادة السكانية للنساء التي بلغ عددها 52 % من إجمالي السكان لا تتناسب مع المقاعد البرلمانية المخصصة لهن. لا يمكننا بالمطلق الحديث عن الديمقراطية بتغييب مقصود للنساء والتظاهر بمنحهن حقوق بوجود نسبة لا تستثمر قدراتها.

في العراق، القرار بوجود نساء في السلطة التشريعية لم يكن سياسيًا بقدر ما كان إرضاء للجمهور المتعطش للحرية بعد 2003

مع ذلك، القرار بوجود نساء في السلطة التشريعية لم يكن سياسيًا بقدر ما كان إرضاء للجمهور المتعطش للحرية بعد 2003، لكن وجود 83 امرأة داخل البرلمان لا يمكن اعتباره تمثيلًا حقيقيًا للنساء، فقد استغل الأمر حتى وصل إلى نيل نساء لسن أهلًا للممارسة السياسية، إذ ساهمت الكوتا بوجود أثر سلبي وعدد غير نوعي من التمثيل النسوي، الذي لم يساهم بتطوير أوضاع المرأة العراقية وحمايتها، بل العكس.

اقرأ/ي أيضًا: الدراجات الهوائية في بغداد.. للنساء أيضًا

تركت النساء في البرلمانات السابقة أرضية سيئة للممارسة السياسية النسوية، اذ اتهمت بعض النائبات السابقات بتهم فساد كبرى، وصدر عنهن تهاون كبير، بل وحتى ممارسة الخطاب العنصري ضد النساء أنفسهن، وقد رأينا ذلك حين حاولت بعضهن تمرير قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، الذي يعتبر من أخطر القوانين التي تسيئ للمرأة ولحقوقها الرئيسية، وتعالي النقاشات حول أحقية الرجل بالزواج من أكثر من امرأة، كانت تلك القوانين تقف خلفها نساء برلمانيات!

ذكورية السياسة تقصي المرأة أينما كانت

في قراءة سريعة للمشهد السياسي النسوي، يمكننا ملاحظة أن ثمة تغييبًا تامًا للمرأة في أهم أدوات السياسة العراقية، اذ لم تحتوِ حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حضورًا نسويًا حتى الآن، كما يتم الحديث ومنذ إعلان تشكيل الحكومة عن احتمالية تولي نساء متحزبات لوزارة التربية بطريقة لا تُحسم بعوامل موضوعية، بل شخصية، بالتالي لا يمكن الاعتماد عليهن في قضايا المرأة والطفل، كونهن لا يمتلكن أي تاريخ نضالي إزاء تلك القضايا، كما علينا ألا ننسى الحكومة السابقة التي تعتبر نقطة تحول في السياسة العراقية، إذ بلغ عدد النساء 2 فقط من الوزارات الـ22 ، كما أن العمل الدبلوماسي الذي تكثر فيه المنافسة تفتقر هرميته للنساء، فبوجود 76 سفارة عراقية في جميع أنحاء العالم، ثمة 3 نساء فقط على رأس السفارات والقنصليات العراقية، سفيرتين- إحدهما في السفارة العراقية في مسقط - سلطنة عُمان، والثانية في عمان - الأردن، أما الثالثة فتشغل منصب رئيس دائرة فرعية تابعة للسفارة في أمريكا الشمالية والجنوبية والبحر الكاريبي.

تعرض مرشحات عراقيات لفضائح طالت حياتهن الشخصية، تسبب بانسحاب بعضهن، رغم حظوظهن في الحصول على مقعد نيابي

كذلك هو الحال في المناصب العليا داخل السلك الإداري، إذ لم توجد امرأة تشغل منصب رئيس جامعة، هذا المنصب الهام الذي له تأثير مباشر على الواقع التعليمي، كما لم توجد لغاية اليوم أي امرأة تتولى منصب رئيس مجلس محافظة في عموم العراق.

اقرأ/ي أيضًا: أرامل العراق.. أرقام عالية ومعاناة مضاعفة

لكي لا نبتعد عن ذاتية الإقصاء، فالبرغم من تبوئ امرأة لمنصب نقيب المحاميين العراقيين إلا أن مجلس القضاء الأعلى في دورته الاخيرة بات يحوي 6 نساء فقط من أصل 48، وهو على قلته يعتبر عددًا كبيرًا بالمقارنة مع الدورات السابقة، ترافق هذه الممارسات ثقافات مجتمعية مرتبطة بسوسيولوجية المجتمع العراقي التي ترفض، بل تقف بالضد من وجود النساء في مناصب عليا داخل الدولة، منها العادات العشائرية، والتسقيط الذي يرافقه تشويه السمعة، كذلك محاولة ربط الحوادث الشخصية والممارسات الفردية وتعميمها على الوجود النسوي في السياسية العراقية ككل، إذ ارتبطت لفظة "مرشحة"، في الآونة الأخيرة والتي تعني امرأة تقدمت للترشح في البرلمان، بشتيمة يكثر تداولها بين الناس بشكلٍ يومي، لا يمكن تخمين المصاعب التي تواجه المرأة إن قررت خوض ضمار السياسة، فثمة أسباب تستدعي الانسحاب قبل البدء، أي الاستسلام!

التسقيط والطعن.. يلاحقكِ ناشطة كنتِ أم سياسية

تتعرض النساء إلى هجوم بمجرد الظهور على الشاشات، أو الحديث فوق المنابر، إذ يشكل ظهورها هوسًا بالنسبة للبعض، وقد يعتبرها مادة دسمة للتداول في مواقع التواصل الاجتماعي، ليس كناشطة مدنية تنادي بأحقيتها في حياة كريمة وأسرتها، أو كامرأة تحاول التأثير والتأثر بالنظام السياسي الديمقراطي الذي يحتاج بدوره إلى دماء نسوية جديدة، بل كامرأة قررت الخروج للعيش، وليس للبقاء فقط على قيد الحياة.

عراقية في انتخابات أيار/ مايو 2018 (أ ف ب)

كان لافتًا تعرض عدة مرشحات لفضائح طالت حياتهن الشخصية، بل وأبيحت دماؤهن، مما تسبب بانسحاب بعضهن، على الرغم من امتلاكهن حظوظًا كبيرة في الحصول على مقعد نيابي آنذاك، رغم ذلك لم يتم تسليط الضوء على مسببات تلك الحوادث بقدر تداول الإعلام المحلي والدولي صور المرشحات وقصصهن. إن وجود مؤشرات خطرة إزاء منع مشاركة النساء في الحياة السياسية والمدنية لا يستدعي الكتابةِ فحسب، بل يستدعي الوقوف وقفة حازمة من القيادات السياسية التي تمتلك النية المحركة لبعض المبادرات الساعية بدورها لتعزيز جذور المرأة في الحقل السياسي.

نعومة المرأة والسياسة لا تلتقيان

على الرغم من إحاطتنا بالجهود الكبيرة التي تبذلها النساء في المجتمع العراقي، بدءًا من الوظائف البسيطة، وصولًا إلى السلطة التشريعية والصراعات المضنية التي تخوضها طوال سنوات الخدمة، إلا أن الأمر لا يمكن أن يتوقف مع التعاطف الأنثوي الذي نحمله لبعضنا البعض. إن المرأة العراقية قد أبعدت لقرون عن تولي المناصب العليا، مرورًا بحقب سياسية عسكرية كانت المرأة فيها مقصية تمامًا من المناصب الحيوية، فلم يكن للنساء هدف سوى نيل شهادة جامعية والحصول على وظيفة، وكان ذلك ما وصل إليه سقف الطموح لدى بنات الحواء.

تردد النساء الطموحات، ووصول نساء لا يمثلن سوى الأحزاب الحاكمة، يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل المرأة العراقية

المرأة العراقية بحاجة إلى اكتساب مزيد من الخبرات، ليست الخبرات العلمية والتربوية، بل السياسية التي تجعلها قادرة على الدخول في منافسة على أعلى منصب في الحكومة العراقية. تردد النساء الطموحات، ووصول نساء لا يمثلن سوى الأحزاب الحاكمة المدنية منها والدينية، قد يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل المرأة العراقية في العملية السياسة، إنما الإشراك النوعي، والمبادرات القائمة على أساس تمكين النساء يجب أن تستهدف الفئة الضيقة التي يمكنها أن تدير البلاد لا النساء بصورتهن العامة، نحن بحاجة لوجود منظمات مجتمع مدني لا تنمّي مقدرات المرأة المدنية فحسب، بل السياسية أيضًا، فالتردد الحاصل ازاء العمل السياسي ليس من مصلحتنا استمراره، خصوصًا في الوقت الذي تبذل فيه النساء جهدًا للمطالبة بحقوق بسيطة، منها تحديد سن الزيجات خارج إطار القانون وإلغاء زواج المغتصب من ضحيته.

اقرأ/ي أيضًا: عن بُشرى العراقية التي تدير مرآبًا للسيارات

كما يمكن في الوقت ذاته استثمار وجود العنصر النسوي في العمل السياسي من خلال إتاحة فرص تدريبية ودراسية تساهم مساهمة فعالة في تطوير واقع المرأة لتحضيرها للحياة السياسية، وليس الاهتمام بالحريات الشخصية والدفاع عنها، فالسواتر التي يبنيها المجتمع والدولة والمنظمات النسوية لها دور كبير إما في تشجيع المرأة أو في إقصائها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فتيات العراق بين أحلامهن وواقعهن المؤلم

أن تكون في بغداد