22-مايو-2018

كانت ردة فعل الخاسرين في الانتخابات العراقية غريبة جدًا (Getty)

لا تنقطع المفاجآت في الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في 12 أيار/مايو 2018، فقد خسر فيها نواب بارزون، ووزراء كانوا يعتقدون أنهم سينتصرون ويأتون بمقاعد لقوائمهم بسبب أسمائهم المقبولة. ومن النواب البارزين الذين كانت أصواتهم عالية خسر 42 نائبًا مقاعدهم ولم يحصلوا على الأصوات التي تؤهلهم للدخول إلى مجلس النواب، وتشير آخر الإحصائيات إلى أن 73.4% من نواب البرلمان السابق غادروه ولم يمنحهم الناس الأصوات التي فازوا بها سابقًا.

تشير آخر الإحصائيات إلى أن 73.4% من نواب البرلمان السابق غادروه

كانت ردود أفعال النواب الخاسرين مختلفة عن بعضها، منهم من فضّل الصمت، ومنهم من اتهم آخرين بسرقة أصواته، ووصلت ردود أفعال بعضهم إلى حد شتم الشعب العراقي الذي لم يصوت له ولكيانه السياسي.

المدنيون سبب خسارتنا

وقد وصل سلوك بعض الأحزاب إلى حد المبالغة في الغرور، بسبب تاريخها في المعارضة والدفاع عن "الطائفة"، الأمر الذي جعلها تفترض أنها ستبقى مهيمنة ومسيطرة في سياق النظام التوافقي، لكونها تمتلك ما لا يمتلكه الآخرون في حسابات المحاصصة الطائفية. فهذا المجلس الأعلى، الذي يمتلك جناحًا عسكريًا، والذي انطلق في إيران عام 1982 حين أعلن المرجع محمد باقر الحكيم عن تأسيسه، في أيام المعارضة، والذي كان يقاتل النظام البعثي سابقًا، واشترك في قتال داعش لاحقًا، مُني بخسارة فادحة في هذه الانتخابات، فقد خسر أكثر من 20 مقعدًا، مقارنة بالانتخابات السابقة، ولم يحصل سوى على مقعد واحد في محافظة ذي قار.

اقرأ/ي أيضًا: الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات

وعلق رئيس المجلس الأعلى، همام حمودي، على خسارته بطريقة انفعالية، لا تخلو من شتائم واتهامات، حيث قال: "إن المطالبين بتغيير الوجوه السياسية نجحوا بإبعاد الإسلاميين عن الحكم، وإن الانتخابات الأخيرة عكست واقع المجتمع حيث ركزوا لإفشال وإبعاد الإسلاميين من خلال الشعارات والتظاهرات التي كانوا يقولون بها (باسم الدين باكونه الحرامية)". وأضاف حمودي "ومع الأسف نجحوا في ذلك، وهم الفاسدون، وهم الحراميّة، وهم أسوأ الناس".

وصلت ردود أفعال بعض المرشحين الخاسرين إلى حد شتم الشعب العراقي الذي لم يصوت له

كان المتظاهرون في 2015 يصرخون بأعلى أصواتهم من ساحة التحرير وسط بغداد: "باسم الدين سرقونا الحرامية" في إشارة إلى أن معظم المتحكمين بالعملية السياسية هم من الأحزاب الإسلامية، لكن رئيس المجلس الأعلى في تعليقه على خسارة حزبه العريق يتهم المدنيين بأنهم هم الفاسدون، بالرغم من أنهم لا يمتلكون مناصب تنفيذية، كما جماعة رئيس المجلس وحلفائه.

كذبوا علينا

أما حنان الفتلاوي، رئيسة حركة إرادة، والتي كانت معروفة بصوتها الطائفي، حتى لقبت بـ"لبوة المذهب" أي المدافعة عنه، وقد حصلت في الانتخابات السابقة على 90 ألف صوت، لم تحصل في هذه الانتخابات حتى على الأصوات التي تؤهلها للدخول إلى البرلمان. وقد علقت على خسارتها في منشور من على صفحتها في فيسبوك قائلة، بعد كلمات شكر لمن انتخب قائمتها: "شكرًا للذين كذبوا علينا بدعمهم لإرادة فأضافوا لنا بدعمهم الكاذب تجربة وفي التجارب علم مستفاد".

وقال مراقبون، إن النائبة الفتلاوي، على ما يبدو دفعت أموالًا من أجل البقاء في البرلمان والفوز مرة أخرى، لكن من دفعت الأموال لهم كذبوا عليها، ولم ينتخبوها، ما جعلها تكتب هذه الكلمات.

أما عباس البياتي، صاحب النظريات الهزلية والساخرة في مسار السياسة العراقية، والذي ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامي، فقد علّق على خسارته بطريقة كشفت أن البرلمان كان عبارة عن حصص من الطعام والولائم الكبيرة التي يتقاسمها النواب فيما بينهم، إذ اقتبس مثلًا عراقيًا شهيرًا: "إذا فاتك الزاد كول هني"، والزاد هو الطعام، و"هني" في اللهجة العراقية بمعنى هنيئًا، في إشارة إلى تهنئته للنواب الجدد، الذين سيتقاسمون هذا الطبق فيما بينهم.

خسارتنا كانت مؤامرة

وتحدث سليم الجبوري، رئيس البرلمان الذي لم تنته دورته حتى الآن، وأحد قادة الحزب الإسلامي، بعد ساعات فقط من خسارته، في تسريب صوتي عن "مؤامرة" لاستهدافه و"إعداد لخطة موضوعة" غاياتها متعددة متنوعة. وأضاف في الرسالة الصوتية الموجهة إلى العاملين ضمن حملته الانتخابية: "لقد كشفت الكثير من خيوط وأدوات هذه المؤامرة والخطة، وسأتحدث بها بشكل صريح أمامكم وأمام الرأي العام".

اقرأ/ي أيضًا: نتائج الانتخابات العراقية.. الوجوه القديمة التي لم تتعلم الدرس

وكذا كان منطق نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، إذ لم يخل خطاب من خطاباته من مفردة "المؤامرة" التي تستهدف "المشروع الإسلامي" في العراق، رغم أن المشروع الذي يقصده المالكي هو الحاكم في العراق، فرئيس الوزراء ينتمي إلى حزب الدعوة.

يشير توبيخ المرشحين للشعب الذي لم ينتخبهم إلى مأزق حقيقي تمر فيه الديمقراطية في العراق

وليس سليم الجبوري الوحيد من القوى السنية التي خسرت، حيث خسر نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، في تحالفه (القرار) 8 مقاعد في هذه الدورة، بعدما كان يمتلك 23 مقعدًا ضمن ائتلاف متحدون في الدورة السابقة. المفاجأة بالنسبة للنجيفي أن القائمة التي حصلت على المركز الأول انتخابيًا هذه المرة في الموصل، أكبر المدن السنية في العراق، كان رئيسها شيعي، وهي قائمة النصر بزعامة حيدر العبادي، رئيس الوزراء، ما جعل أقطاب الكتل السنية التقليدية القديمة، في ذهول أمام النتائج ومزاج الناخب الذي وصفه أحد المراقبين للانتخابات، بأنه أهان هذه الوجوه القديمة، التي يعتقد أنها لم تنفعه في شيء.

خذلتموني خذلكم الله دنيا وآخرة

لكن أغرب تعليق على الخسارة في الانتخابات، كان من مرشح عن تحالف "ديالى هويتنا" يخاطب من وعدوه بانتخابه، بأن "رؤوسكم تحت أقدامي" واصفًا إياهم بأنهم " أتباع أرذل قردة". الطريف أن المرشح بدأ حديثه في منشور من على صفحة في الفيسبوك كانت باسم التحالف الذي دخل السباق الانتخابي منه، حيث قال: "إلى كل من ضحك في وجهي كذبًا، وإلى كل شيخ ورجل وامرأة سلموا علي وجالسوني في بيوتهم تملقًا ورياءً، أقول: رؤوسكم تحت أقدامي ولعنة الله عليكم دنيا وآخرة".

 

كانت ردة فعل الخاسرين في الانتخابات العراقية غريبة جدًا (Getty)

ويشير توبيخ المرشحين للشعب الذي لم ينتخبهم إلى مأزق حقيقي تمر فيه الديمقراطية في العراق، فمن حق أي مواطن أن يختار المرشح الذي يمثله تحت قبة البرلمان، لكنهم يريدون أن يحصلوا على المقعد بطريقة الغالب والمغلوب.

تبدل مزاج الناخب العراقي في الاختيار والانتخاب، على الرغم من حداثة التجربة في هذا السياق الديمقراطي، وأنه غير كامل نظرًا إلى كونه نظامًا توافقيًا، لكن الوعي بالعملية الديمقراطية ينمو تدريجيًا، فقد وصلت إلى البرلمان في هذه الدورة وجوه غير طائفية كثيرة، تزاحم من يتخذ من الطائفة برنامجًا دائمًا يريد منها أن تبقيه في العملية السياسية إلى أبد الآبدين، لكن تطلعات الناخب وطلبه لدولة تمثل آماله ستجعل الوجوه القديمة والطائفية في هستيريا لا تنقطع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي

"الدعاية السوداء" في الانتخابات العراقية.. المال في خدمة الطائفية والفساد