16-ديسمبر-2018

باتت المواقع الإلكترونية والسوشيال ميديا، من تصنع الرأي العام في العراق (Daily Dot)

منذ دخل العراق عام 2018، والعيون كانت متجهة نحو الـ12 من آيار/مايو، موعد الانتخابات النيابية العراقية التي تصارع فيها المنتصرون على تنظيم الدولة الإسلامية - داعش، حكومةً وحشدًا، كل على حدة، بالإضافة إلى تيار المعارضة الشعبية الذي تأسس في ساحة التحرير، بين قوى من التيار المدني والتيار الصدري ذو القوة والشعبية الكبيرتين في البلاد.

حل العراق في مركز متقدم في قائمة الدول الأكثر خطورة على الصحفيين، ومع ذلك فإن التدوين في العراق فاق خطورة العمل الصحفي!

ولم يكن الفوز بهذه الدورة الانتخابية مقرونًا بجائزة السلطة ذات الأربع سنوات فحسب، بل كانت مباراة بين نفوذ شعبي داخلي، وآخر إيراني، وأخيرٌ أميركي، يمكن للفائز بها أن يستحوذ على مفاتيح العراق لفترة طويلة قادمة، كما تمكن حزب الدعوة من مسك السلطة خلال السنوات الـ13 الماضية.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي ينقص الإعلام العراقي: الحياد أم الموضوعية؟

لهذا السبب، ولأسباب أخرى، كان أحدها ضرورة استبدال أوراق اللعب التي أحرقتها الاحتجاجات بأوراق جديدة بحاجة ماسة للترويج والتقديم؛ جاءت ضرورة تجنيد صحفيين وكتاب رأي ومدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، لحشد الجماهير لفريق دون آخر، وشخصية دون أخرى، مرة من خلال التهليل وأخرى من خلال التسقيط بطرق وصلت إلى حد الابتزازات الجنسية، والتي وقع بها أكثر من مرشحة لمجلس النواب.

وكان ملعب الفريق الأميركي البريطاني، مقترنًا بوسائل التواصل الاجتماعي أكثر من المحطات التلفزيونية والصحف والوكالات الإخبارية، بينما اتجه الفريق الأميركي إلى الشاشة ووكالات الأنباء.

الرأي العام بين الإعلام العراقي والسوشيال ميديا

رغم حلول العراق في مركز متقدم في قائمة الدول الأكثر خطورة على الصحفيين في العالم، وفي مركز متأخر في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، ضمن فئة "سيء جدًا"، إلا أن التدوين في العراق فاق في خطورته العمل الصحفي بمراحل، إذ تعرض ويتعرض الكثير من منتسبي المؤسسات الحكومية إلى عقوبات وتهديدات وإنهاء خدمات تعسفي، بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

حرية الصحافة في العراق
يقع العراق ضمن فئة "سيء جدًا" في تصنيف حرية الصحافة

بينما يحصل الصحفي العامل في مؤسسة ما على الحماية السياسية التي تمتلكها الجهة الممولة لوسيلة الإعلام هذه. ومن طرائف هذا الأمر ما حدث خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في نيسان/أبريل الماضي، عندما قال له مراسل قناة العهد، إن فريق القناة تعرض للتهديد من قبل قوة خاصة، فرد العبادي ضاحكًا: "هل تم تهديد الفريق الإعلامي لقناة العهد؟ إذن العراق بخير"، في إشارة إلى عدم تجرأ أي جهة على الاحتكاك بالقناة التابعة لحركة عصائب أهل الحق.

لهذه الأسباب وغيرها، تراجع دور الإعلام العراقي في صناعة الرأي العام، وتكفل بذلك بدلًا عنه مدونون متحررون من القيود العرفية أو السياسية، ليكون ضمير المدون هو المعيار الوحيد للمصداقية وتحمل مسؤولية عبء توجيه وتثقيف أعداد تنحصر بين العشرات وعشرات الآلاف نحو خيارات انتخابية وسياسية واحتجاجية.

لكن مع ذلك لم يسلم كتاب ومدونو السوشيال ميديا من لوثة الاصطفاف الحزبي والسياسي، إذ ينفرز العديد منهم على شكل مجاميع تسمى بما يعرف في العراق بـ"الجيوش الإلكترونية"، تدعم جهات بعينها لأسباب عادة ما تكون مقترنة بالمال المدفوع لا بالإيمان والقناعة.

ولا يعود عجز الإعلام العراقي عن صناعة الرأي العام إلى عام 2018، بل إلى السنوات القليلة الماضية، التي رافقتها سلسلة إلغاء العديد من الصحف الورقية واستبدالها بالوكالات الإخبارية الجاذبة لأضعاف قراء الصحف، والتي استغنى معظمها عن العمود الصحفي، في الوقت الذي كان يلعب فيه العمود دورًا فعالًا في صناعة الرأي العام، كأعمدة الكتاب الصحفي أحمد عبد الحسين وسرمد الطائي والأعمدة المنشورة باسم "شلش العراقي".

إعلام الشارع

وشاعت في السنوات القليلة الماضية، برامج سياسية ذات طابع ناقد بسخرية، تستخدم اللغة المحكية كأداة لمخاطبة الشارع، نزولًا إلى أدنى طبقاته وعيًا. واشتهر منها برنامج "ولاية بطيخ" الذي عرض أولاً على قناة "هنا بغداد"، ثم انتقل إلى قناة "دجلة"، وكذلك برنامج "البشير شو" الذي قدمه الإعلامي أحمد البشير، متنقلًا بين عدة شاشات ليستقر أخيرًا على قناة "DW العربية". 

هناك كذلك برنامج "حديث الناس" للإعلامي ماجد سليم على قناة "هنا بغداد"، وبرنامج "كلام وجيه" للإعلامي وجيه عباس، ويمكن إضافة البرنامج الحواري السياسي الذي يقدمه الإعلامي أحمد الملا طلال على شاشة "الشرقية" إلى هذه القائمة، نسبة إلى التعليقات الساخرة التي تطرح في فقرات البرنامج وباللهجة المحكية.

ورغم اتهام العديد من هذه البرامج بأن لديها توجهات حزبية ترجع إلى القنوات التي تُعرض فيها، إلا أنها تحظى بمقبولية عالية في الشارع العراقي، لما تقدمه من نقد لاذع للسلطة والمؤسسات الحكومية، يبحث عنه المواطنون الساخطون من السياسيين، ويعدوه حديثًا بالنيابة عنهم.

ولم تنجُ هذه البرامج من التهديدات، إذ تعرض برنامج "ولاية بطيخ" في عام 2016 إلى محاولة اقتصاص عشائري، تطورت إلى مهاجمة منزل مخرج البرنامج ومقدمه بالأسلحة النارية تنفيذًا لما يعرف بالدكة العشائرية.

كما هُدد أحمد البشير بشكل غير مباشر، بعد أن قام القيادي في تيار الحكمة، بليغ أبو كلل، بنشر فيديو يهدد فيه البشير بأنه لن يتمكن من السير في شوارع العاصمة!

مفترق طرق

يقف العراق بشعبه وإعلامه وسياسييه بعد إعلان تحرير كامل الأرض العراقية من داعش، في مفترق طرق، تجعل الخطوة القادمة لهذه البلاد أصعب من أي وقت مضى، فالحراك الإقليمي المتسارع وخارطة الأعداء والأصدقاء المتغيرة على الدوام، لا تترك مساحة للتفكير والمتابعة الهادئة.

وكان حديث العبادي بعد التحرير، يتمحور حول محاربة الفساد المالي والإداري الناخر في جسد بنية الدولة العراقية، ويؤيد اليوم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هذا الطرح، فيما ينظر زعيم التيار الصدري الداعم للكتلة الفائزة بالانتخابات "سائرون"، إلى "الدولة العميقة"، ويرى فيها خطورة أكبر من باقي الأمور.

تراجع دور الإعلام العراقي التقليدي، وتكفل بصناعة الرأي العام مدونون على السوشيال ميديا، متحررون من القيود العرفية والسياسية

أما الإعلام، فيحاول اللحاق بكل هذه التغيرات وبالقدر الممكن من الكوادر والموازنات المالية، ليكشف عن صفقة فساد هنا، ويرصد تصريحًا متهورًا هناك، كما فعلت صحيفة "العالم الجديد" الإلكترونية أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بنشرها لتسجيل صوتي لمكالمة هاتفية بين النائبة شذى العبوسي والمرشح للانتخابات النيابية وضاح الصديد، تظهر اتفاقًا مبرمًا مع شركة "كامبريدج أنالتيكا" البريطانية حول شراء الصديد مقعدًا نيابيًا بمعزل عن النتائج الحقيقية للتصويت في الانتخابات!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رئيس حكومة العراق: الإعلام الرسمي غير نقدي ومنحاز

مساعٍ غربية للهيمنة على فيسبوك العراق.. حديث صناعة الوهم