شكل استهداف قوات الحرس الثوري الإيراني بصواريخ أرض – أرض متوسطة المدى مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية - داعش في مدينة دير الزور تطورًا جديدًا على صعيد الخارطة العسكرية، والمعارك التي يمكن أن تنطلق ضد المدينة وريفها بعد أن أضحت تستقطب أنظار الصحافة العالمية، وقوات التحالف الدولي نتيجة المعلومات الواردة حول وصول معظم قيادات التنظيم لمدينة الميادين في ريفها الشرقي.
يشكل إسقاط مقاتلة النظام السوري من طراز سوخوي-22 تغيرًا في قواعد الاشتباك ضمن الأجواء السورية حيثُ تشهيد تحليقًا مكثفًا لمقاتلات حربية تابعة لعدة دول غربية
الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي منذ تنفيذها لمناورات "الأسد المتأهب" في الأردن قبل شهر ونصف، عملت على تدريب قوات المعارضة السورية المتمركزة في قاعدة "التنف" العسكرية على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، ووضعت خطة للتقدم باتجاه مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي في محاولة لقطع الطريق على الميليشيات العراقية المدعومة من إيران للدخول إلى الأراضي السورية من الجهة العراقية، وإحكام سيطرتها على طريق بغداد – دمشق السريع.
الشرق السوري.. محور الصراع الإقليمي
بدا ملحوظًا منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت البيضاوي أن واشنطن زادت من تدخلها العسكري في سوريا بشكل واضح من خلال ضرباتها الجوية ضد قوات الأسد والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، أو بتقديمها أسلحة متطورة وعربات آلية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أجل عملية استعادة مدينة "الرقة" المعقل الأبرز لتنظيم الدولة في سوريا رغم معارضة تركية شديدة.
اقرأ/ي أيضًا: حرب البادية السورية.. ماراثون البوابات الحدودية
واستهدف التحالف الدولي ثلاث مرات على الأقل خلال الشهرين الفائتين قوات الأسد والميليشيات الأجنبية بضربات جوية بعد محاولتها التقدم لقاعدة "التنف" العسكرية في البادية السورية، التي تضم فصائل للمعارضة السورية تقوم واشنطن بتدريبهم تمهيدًا للاتجاه نحو معاقل التنظيم في شرق سوريا.
ومثّل الأحد المنصرم تطورًا عسكريًا من زاوية مختلفة عندما أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي إسقاطها مقاتلة للنظام السوري وصفته بأنه "دفاع جماعي عن النفس" للقوات المشاركة في التحالف بعد إلقائها قنابل على مناطق تمركزهم في منطقة الرصافة بريف الرقة الجنوبي، وهذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها التحالف طائرة مصدرها النظام السوري أو الدول الداعمة له. إذ قبل عشرة أيام أعلن المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون إسقاطهم طائرة بدون طيار قرب منطقة "التنف" الحدودية.
ويشكل إسقاط مقاتلة النظام السوري من طراز سوخوي-22 تغيرًا في قواعد الاشتباك ضمن الأجواء السورية حيثُ تشهيد تحليقًا مكثفًا لمقاتلات حربية تابعة لعدة دول غربية، الذي كانت أولى تداعياته بالبيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية أمس الإثنين بإعلانها تعليق التعامل مع الولايات المتحدة في "إطار المذكرة الخاصة بمنع الحوادث وضمان أمن التحليقات" في سياق العمليات العسكرية الجوية بسوريا اعتبارًا من عين اليوم.
لم تقم موسكو بالرد على أي ضربة نفذتها القوات الأمريكية ضد حلفائها في المناطق السورية التي يحصل فيها تماسًا بين الأطراف المتحاربة
وشرعت قوات التحالف الدولي بداية الشهر الجاري بإنشاء قاعدة عسكرية ثانية لها في منطقة "الزكف" شمال معبر "التنف" الحدودي مع العراق، ونقل موقع "العربي الجديد" عن مصادر خاصة أن القاعدة ستكون صغيرة، وتقتصر مهامها على الاستطلاعية ورصد التحركات الغريبة على الحدود مع العراق.
وتحسبًا لعمليات مماثلة من التي نفذتها قوات الأسد ضد فصائل المعارضة المدعومة من واشنطن في البادية السورية أو أي هجوم محتمل ضد قواتها، قامت القوات الأمريكية الخميس الفائت بنشر بطاريات "هيمارس" ذات النظام المدفعي الصاروخي المتحرك قرب منطقة "التنف"، وهي نظام صواريخ يتم توجيهها عبر نظام GBS حيث يصل مداها حتى 70 كم، ولديها القدرة على إطلاق صواريخ مصغرة بالاستناد لذات النظام يصل مداها حتى 300 كم.
بينما دخلت إيران ممثلًة بحرسها الثوري الأحد على قائمة الدول التي تشن ضربات عسكرية على مواقع لتنظيم الدولة في مدينة دير الزور التي يتقاسم السيطرة عليها مع قوات الأسد والميليشيات الأجنبية. وقال بيان صادر عن الحرس الثوري إنهم شنوا هجمات صاروخية من قاعدتين عسكريتين في محافظتي (كرمانشاه وكردستان) غربي إیران استهدفوا من خلالها "مقر قيادة ومركز تجمع وإسناد وقسم تفخيخ السيارات" لتنظيم الدولة في مدينة دير الزور.
وهذه المرة الأولى التي تقصف فيها طهران مواقع لتنظيم الدولة في سوريا بصواريخ بعيدة المدى من داخل أراضيها. وعللت إيران عملية القصف الأخيرة بأنها جاءت ردًا على الهجوم الذي تعرض له مبنى البرلمان الإيراني وضريح الخميني، كما نقلت وكالات إعلام إيرانية أن الضربات الصاروخية أسفرت عن مقتل أحد القياديين البارزين في التنظيم، دون أن يتم تأكيد المعلومة من مصادر أخرى.
تشكل دير الزور أهمية اقتصادية لجميع القوى التي تحاول أن تتقدم إليها لاستعادتها من قبضة تنظيم الدولة
وجاءت الضربات الأخيرة بعد يوم واحد من إعلان القوات العراقية سيطرتها بشكل كامل على معبر الوليد الحدودي مع سوريا، فضلًا عن سيطرتها على المثلث الحدودي مع الأردن وسوريا. لكن بالعودة للخارطة الجيوسياسية للمنطقة يلاحظ أنها تمتد على مساحة تصل نحو 600 كم ما يجعل من إمكانية السيطرة عليها بشكل كامل خلال الوقت الحالي صعبًا، رغم سيطرة ميليشيا "النجباء" إحدى فصائل الحشد الشعبي مطلع الشهر الجاري على مدينة "البعاج" العراقية قرب الحدود السورية، وإعلانها قاعدة عسكرية لهم في المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: داعش في دير الزور.. روسيا المحايدة!
وفي الوقت الذي يشهد تصعيدًا بين التحالف الدولي وقوات الأسد مع الميليشيات الشيعية أدانت موسكو في أكثر من مناسبة الهجمات التي تعرضت لها قوافل عسكرية للنظام السوري كانت تتجه نحو قاعدة "التنف" العسكرية، واعتبرتها بأنها تصرفات غير مقبولة تضعف من الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، وصلت حد إعلانها تعليق اتفاقية السلامة الجوية فوق الأراضي السورية بعد إسقاط المقاتلة الحربية بريف الرقة الجنوبي.
ووفرت المقاتلات الروسية منذ إعلان تدخلها رسميًا في سوريا أيلول/ سبتمبر 2015 غطاء جويًا مكثفًا لقوات الأسد والميليشيات الأجنبية، فضلًا عن تواجد مستشارين عسكريين روس على الأرض ما سمح باستعادة مناطق عديدة كانت حتى منتصف 2016 خارجة عن سيطرة النظام السوري. ونقلت مواقع روسية الخميس الفائت أن القوات الروسية تعمل على إعداد معسكر جديد لها في محافظة حماة وسط سوريا لمراقبة مناطق "اتفاق تخفيف التوتر" المتفق عليها مطلع الشهر الفائت بين الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية.
صراع النفوذ بين واشنطن وموسكو
شكل الدور السلبي الذي لعبته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط، وصمتها على استخدام رئيس النظام السوري بشار الأسد للعنف المفرط ضد المدنيين وصل لشروعه بقصف مناطق المعارضة بالأسلحة الكيميائية، وإعلان إيران وروسيا دعمهما عسكريًا للأسد في سوريا عناصر دعم إضافية لما يقوم به النظام.
يتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تصاعد الاشتباك بين قوات الأسد والمليشيات الرديفة لها وفصائل المعارضة قرب التنف
وبقي الدور الأمريكي على حاله مع وصول ترامب للبيت البيضاوي عندما أعلن أن الأسد سيكون شريكًا فاعلًا في الحرب على الإرهاب في المنطقة، قبل أن يبدل رأيه عندما شنت قوات الأسد هجومًا كيميائيًا مطلع نيسان/ أبريل الفائت على مدينة "خان شيخون" بريف إدلب شمال سوريا، ورد عليه باستهداف قاعدة "الشعيرات" الجوية بـ59 صاروخ من طراز "توماهوك" أطلقوا من ناقلتي حاملات طائرات كانتا متمركزتين في البحر المتوسط.
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر 2016 قصفت مقاتلات للتحالف الدولي شارك فيها أربع دول موقعًا عسكريًا لقوات الأسد في جبل "الثردة" الاستراتيجي بمحيط المطار العسكري لدير الزور المحاصر من قبل تنظيم الدولة أسفرت عن مقتل عشرات العناصر للنظام السوري بحسب روايته. وجاءت الضربات بعد يوم واحد من خلاف نشب داخل أروقة مجلس الأمن بين واشنطن وموسكو على بنود الهدنة التي كان تم تفعيلها حينها.
لكن منذ استلام ترامب للسلطة عمل على تغيير سياسة بلاده في الشرق الأوسط، ووجهت واشنطن منذ نيسان/ أبريل الفائت أربع ضربات جوية ضد قوات الأسد والميليشيات الأجنبية، إضافة لإسقاطها مقاتلة عسكرية، وطائرة بدون طيار، وحتى تاريخ 18 حزيران/ يونيو الجاري لم تقم موسكو بالرد على أي ضربة نفذتها القوات الأمريكية ضد حلفائها في المناطق التي يحصل فيها تماس بين الأطراف المتحاربة.
اقرأ/ي أيضًا: ليس داعش وحده داعش
وعندما قصفت البوارج الأمريكية قاعدة الشعيرات الجوية 8 نيسان/ أبريل الفائت أعلنت موسكو تعليقها مذكرة التفاهم حول اتفاقية سلامة الطيران في سوريا، بيد أن مسؤولين في البنتاغون أكدوا للصحفيين أن روسيا أبقت على خطوط الاتصال العسكرية مع واشنطن، وفي أيار/ مايو الفائت أعيد تفعيل كامل بنود مذكرة التفاهم المشتركة لسلامة الطيران مرة أخرى بين قطبي الحرب الباردة.
لا يفيد تخبط موقف إدارة ترامب سوى الأسد وحلفائه، خاصة أنه يربك الفعالية التركية بدعمه قسد
التدخل الأمريكي بشكل أكبر في سوريا، والذي رفع من حدة وتيرته أمس الأحد عبر إسقاط الطائرة، والاشتباكات قرب منطقة الرصافة بين قسد وقوات الأسد مع الميليشيات الأجنبية وفق ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد يحدث تطورًا جديدًا من ناحية سياسة روسيا في سوريا، وحذرت موسكو أمس الإثنين في بيان شديد اللهجة من أن دفاعاتها الجوية ستتعامل مع المقاتلات والطائرات بدون طيار المسيرة من التحالف الدولي غربي نهر الفرات على أنها "أهداف جوية".
الشرق السوري.. أحجار مشتعلة على رقعة شطرنج دولية
استطاعت إيران عبر دعمها لأكثر من 60 ميليشيا عراقية من سيطرتها على معبر "الوليد" الحدودي مع سوريا، لكن التحذير الذي وجهته إحدى هذه الميليشيات (النجباء) لواشنطن من منطقة البعاج قرب الحدود السورية من الجهة الشرقية يعتبر سابق لأوانه كون تنظيم الدولة لا يزال يسيطر على مساحات واسعة من الحدود العراقية – السورية، ولديه أفضلية الحركة في البادية السورية رغم انسحابه من بعض المواقع نتيجة الإسناد الجوي المقدم من المقاتلات الروسية لقوات الأسد والميليشيات الأجنبية قرب مدينة تدمر.
وتمكنت قوات الأسد والميليشيات الأجنبية من فرض حصار على فصائل المعارضة المدعومة من واشنطن في البادية السورية قرب معبر التنف، وأصبح المنفذ الوحيد المتبقي لها المساحة التي تملكها مع الحدود الأردنية، وبحسب الخارطة العسكرية فإن النظام السوري تمكن من الوصول نحو 70 كم شمال التنف بعد تنفيذها عملية التفاف اتجاه المنطقة من مناطق سيطرته شمال شرق تدمر، ما وضع فصائل المعارضة التي كانت تحاول أن تتقدم من عمق البادية اتجاه مدينة "البوكمال" في حالة حصار من ثلاثة جهات الأمر الذي يعيق خطة التحالف للتقدم اتجاه "البوكمال" المعروف بطريق بغداد – دمشق.
تهتم طهران للشرق السوري لتصل إلى شاطئ المتوسط برًا، ناهيك عن النفط في المنطقة وهو ما يصعد الصراع مع واشنطن عليها
وتعمل إيران عبر الميليشيات العراقية على تعزيز تواجدها في منطقة "البعاج" حتى تتمكن من استخدامها على المدى القريب كخط إمداد يمر من الأراضي العراقية – السورية حتى جنوب لبنان، مرورًا من جنوب جبل سنجار الذي يبعد 40 كم شمال البعاج، وبحسب ما أوضح تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية فأن الطريق يمر من دير الزور، والميادين التي تحولت ملاذًا لقياديي تنظيم الدولة، ويتوقع أن تشهد معارك طاحنة بعد الانتهاء من مدينة الرقة.
ومنذ شهر على الأقل بدأت إيران بحشد الميليشيات الداعمة لها على طول الحدود السورية – العراقية بالقرب من طريق بغداد – دمشق السريع، وقامت بعمليات استفزاز اتجاه قوات المعارضة المدعومة من التحالف بالمنطقة ردت عليها الأخيرة عن طريق استهدافها بضربات جوية بعد توجيه تحذيرات لها تتطلب منها الابتعاد مسافة 55 كم عن قاعدة "التنف" العسكرية.
اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟
ويبرز عامل مهم في الخارطة العسكرية يتمثل في أن قوات الأسد والميليشيات الأجنبية أصبحت مكشوفة من تنظيم الدولة في البادية السورية من طرف، وقوات المعارضة المدعومة من التحالف الدولي من ناحية ريفي دمشق والسويداء، إلا أن الغطاء الجوي الذي توفره المقاتلات الروسية قد يسمح لها بالتقدم، بالأخص أن "حزب الله" اللبناني بدأ يعيد تجميع مقاتليه في المنطقة تمهيدًا لإشراكهم في المعارك الدائرة.
أصبحت قوات الأسد والمليشيات الرديفة مكشوفة تمامًا في البادية، لكنها مستمرة في عملياتها بفضل الغطاء الجوي الروسي فقط
ويجدر التنويه هنا أن ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية المعروفة بعلاقتها المباشرة مع طهران، أصبحت من التشكيلات العسكرية التي تتلقى أوامرها من الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، إذ أقر البرلمان العراقي في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت قانون يعتبر الحشد الشعبي من القوات الرديفة للجيش العراقي، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة (العبادي)، وجرى التصويت على القانون في عين الجلسة رغم مقاطعة تحالف القوى العراقية (السني) لها.
وتشير جميع المعطيات المتوفرة أن الأيام القادمة قد تسفر عن اندلاع اشتباكات بين قوات الأسد والميليشيات الأجنبية من الممكن أن تشارك فيها المقاتلات الروسية، وفصائل المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف مدعومًة من التحالف الدولي، ويرجح هذه الفرضية الاشتباكات التي حصلت الأحد في بلدتين قرب مدينة الرقة بين مقاتلي "قسد" من جهة، وقوات الأسد مع الميليشيات الأجنبية من جهة أخرى رغم تجنب "قسد" حتى وقت قريب الصدام مع النظام السوري عكس فصائل المعارضة، وتمكنت قوات الأسد من السيطرة على منطقة "الرصافة" جنوب الرقة صباح الإثنين.
كما تشكل دير الزور أهمية اقتصادية لجميع القوى التي تحاول أن تتقدم إليها لاستعادتها من قبضة تنظيم الدولة الذي حولها لأبرز مواقعه بعد انحسار مناطق نفوذه في سوريا والعراق، إذ يتواجد في ريف المدينة أبرز حقول النفط السورية (الورد، التنك، العمر، الكونيكو، الجفرة) التي يستخدمها التنظيم لتمويل عملياته العسكرية، وهو ما يمثل أهمية مضاعفة لمعظم القوى التي تحاول أن تستعيد السيطرة على المدينة كونه يسمح لها التحكم بالموارد النفطية في الشرق السوري.
اقرأ/ي أيضًا: