ألترا عراق ـ فريق التحرير
في وقت تتصاعد فيه مخاوف دول العالم الكبرى والمتطوّرة مما وصلت إليه مستويات الانبعاثات من الكربون والاعتماد على الفحم لتوليد الطاقة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية ـ الصناعية، فضلًا عن مخاطر التغييرات المناخية المقلقة، يقف العراق على حافة ذلك الخطر بتضاعف نسب التلوّث مع الزيادة المستمرة بعدد السكّان و"عدم وجود الحلول الواقعية" وفق ما يؤشر له خبراء.
يعد العراق خامس أكثر دولة في العالم تأثرت بموضوع التغيرات المناخية من التلوث والتصحر والجفاف والعواصف الغبارية وتناقص الإيرادات المائية
وعُقدت مؤخرًا قمة المناخ العالمي، في مدينة غلاسيكو الاسكتلندية، حيث شهدت طرح الرؤى المختلفة من البلدان حول مكافحة الاحتباس الحراري في الكوكب، فيما أقرّت مسودة اتفاق للقمة، بأن الالتزامات الحالية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب ليست كافية في أي مكان، وطلبت من الدول وضع تعهدات مناخية أكثر صرامةً في العام المقبل، بدلًا من كل خمس سنوات، كما هو مطلوب حاليًا.
اقرأ/ي أيضًا: التلوّث مستمر منذ 30 عامًا.. هل يستطيع العراق التحوّل إلى بيئة نظيفة سريعًا؟
وبينما كانت المحادثات في "كوب 26" تتركّز على كيفية تمويل سبل مواجهة ظاهرة التغيير المناخي بشكل أساسي على مساعدة البلدان لتطوير التحوّل إلى الطاقة النظيفة أو تمويل مشروعات الاقتصاد الخضراء، لكن لم يتمّ التطرّق لها من ناحية ذكر الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيرات، بالإضافة لمن سيتحمل فاتورة الأموال التي تطالب فيها الدول النامية بتعزيز قدراتها كـ"فرصة ذهبية" لتحوّل دولي ـ جماعي يقضي على المخاوف بنفس الخطوات.
وحول ذلك، فإن العراق يواجه تحديات جدّية في المجالات البيئية، كونه يعد خامس أكثر دولة في العالم تأثرت بموضوع التغيرات المناخية من التلوّث والتصحر والجفاف والعواصف الغبارية وتناقص الإيرادات المائية، ما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي بشكل كبير، وبالنتيجة على الأمن الوطني، بحسب وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، بالتزامن مع انضمام العراق لاتفاقية باريس للمناخ في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حيث يترتب على ذلك التزامات عدة.
ودول العالم، ومنها العراق، ملتزمة بمقرّرات مؤتمرات المناخ السابقة وخاصّة مؤتمر باريس، لكن العمل على تحسين بيئة العراق يتطلب جهدًا علميًا وبشريًا وماليًا لتخفيض الانبعاثات الكربونية وتحلية المياه ومعالجة التصحر واستبدال التكنولوجيا الملوّثة بأخرى صديقة للبيئة، ومنها توليد الكهرباء من المصادر المتجدّدة النظيفة، بحسب الأكاديمي والخبير الاقتصادي، حسين الخاقاني.
ويقول الخاقاني لـ"ألترا عراق"، إن "كل ذلك ليس بمقدور العراق القيام به لوحده، وإنما يحتاج للتعاون والمساعدة الدولية المالية والتقنية والتدريب ليتمكّن من معالجة وتحسين البيئة، مبينًا أنه "على الحكومة فهم الأمر على أنه في مقدمة الأولويات التي تستدعي تحريك عجلة الإنتاج بالاستفادة من المعروض عالميًا من مساعدات لتحسين المناخ، لنقل العراق من وضع إلى وضع أفضل مع تطوير الصناعة والزراعة وإنتاج الطاقة في بيئة نظيفة".
واقترح العراق مؤخرًا على لسان رئيس الجمهورية، برهم صالح، في كلمته التي وجهها للمؤتمر، مُبادرة "إنعاش وادي الرافدين" لتكون إطارًا لتطوير الاستراتيجية البيئية، بحسب الخاقاني الذي يقول إنها "مبادرة للمنطقة ككل التي تتقاسم التهديد الخطير للتغير المُناخي، كما يعتمد المقترح على برامج استراتيجية تشمل التشجير وتحديث إدارة مياه دجلة والفرات وتوليد الطاقة النظيفة وتُشجّع الاستثمار عبر صناديق المناخ الأخضر".
ويؤكد الخاقاني، أن "التفاصيل التي ذكرت تمثل إطارًا لخطة واعدة للتخلص من الآثار البيئية في العراق، معبرًا عن "اعتقاده بأن هناك جدية في هذا المنحى، مع الأمل بالحكومة القادمة للاستمرار في هذا النهج كونه يمثل التيار الجديد في العمل والتعاون الدولي وتطوير القدرات للسنوات القادمة".
على صعيد متصل، أكدت بعثة الأمم المتحدة في العراق، في بيان لها الحاجة إلى اتخاذ إجراءات "عاجلة" بشأن الوعود التي قطعت خلال قمة غلاسيكو، للحد من الآثار السلبية لتغير المناخ على حقوق الإنسان والتنمية المستدامة في العراق، مبينة أنه "مع الانتهاء من مؤتمر المناخ بنجاح، نحث قادة العالم على الوفاء بوعودهم، وكثير منها ضروري لدعم عراق أنظف أكثر أمانًا واخضرارًا".
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية، في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي 2021، مقالًا مشتركًا لوزير المالية العراقي علي علاوي، وفاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، وصفا فيه محاولات خفض الانبعاثات ووصولها إلى الصفر في الدول النامية بحلول2050 بـ"الحلم بعيد المدى دون مساعدات للدول النفطية"، فيما أشاروا إلى المخاطر الإقليمية والدولية التي ستسببها هذه البلدان ما لم يتمّ دعمها، بالإضافة لتأثيرها الحقيقي على أسواق الطاقة حول العالم.
ويختلف الأكاديمي، والخبير الاقتصادي، أحمد صدام، مع طرح إمكانية اعتبار قمة (كوب 26) كفرصة ذهبية للعراق لخفض الانبعاثات ومواجهة التغيرات المناخية، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "رغم انضمام العراق لاتفاقية باريس، إلا أن قمة المناخ فضلت تقديم الدعم المالي للدول التي لديها غابات في سبيل الحد من الاستثمارات في هذه الغابات التي تقلل المساحات الخضراء التي تسهم في الحد من مستوى انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بحدود 30%، وبهذا فأن العراق يعد بلدًا صحراويًا بشكل عام حيث لا يمكن أن يستفيد من هذا التوجه".
وبينما يؤكد صدام، عدم إمكانية السيطرة على التغيرات المناخية من قبل العراق لكونها وليدة أنشطة اقتصادية من معظم دول العالم لا سيما الدول الصناعية، لفت إلى أنه "بالإمكان التقليل من مستوى التلوث محليًا من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة ومحاولة التحول نحو استخدم الوقود النظيف الخالي من الرصاص كوقود للسيارات".
وبيّن أن "عوادم السيارات ورداءة نوعية الوقود أصبحت من الملوثات الكبيرة في مراكز المدن في العراق، وهذا لا يمكن أن يتحقّق ما لم تكن هناك سياسات حكومية جادة وتخصيصات مالية كبيرة توازي مشكلة التلوث، مضيفًا أنه "يمكن تقليل مستوى الانبعاثات من خلال استثمار الغاز المصاحب حيث يحرق العراق ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الغاز، ويتزايد هذا الحرق مع تزايد مستوى الإنتاج والاستخراج النفطي، فضلًا عن ذلك وفي سبيل تقليل مستوى التلوث يجب توجه الحكومة نحو إلزام الشركات النفطية باستخدام التكنولوجيات الحديثة التي من الممكن أن تقلل من مستوى الانبعاثات الناتجة عن عمليات الاستخراج النفطي".
تسجل محافظة البصرة لوحدها نحو 700 إصابة شهريًا بأمراض السرطان
وأضاف الأكاديمي الاقتصادي، أن "استمرار تزايد الانبعاثات في العراق سوف يؤدي إلى تفاقم المشكلة الصحية، لا سيما ارتفاع حالات الإصابة بأمراض السرطان والربو والحساسية، موضحًا أن "البيانات المسجلة توضح تسجيل مدينة البصرة لوحدها نحو 700 إصابة شهريًا بأمراض السرطان، كما يوجد أكثر من 24 ألف مصاب بأمراض الربو، مؤكدًا بالوقت نفسه أن "هذا بحد ذاته يشكل تدهورًا كبيرًا في مؤشرات التنمية البشرية".
اقرأ/ي أيضًا:
بغداد وأربيل ضمن المدن الأكثر تلوثًا في العالم.. وكردستان تتحرك