19-أغسطس-2021

8 أشجار لكل فرد و24 ألف مصابًا بالأمراض (فيسبوك)

يشهد العراق منذ نحو ثلاثة عقود وبشكل تصاعدي، أزمة بيئية خانقة كنتيجة حتمية للارتفاع الحاصل في نسب التلوّث، جرّاء الحروب التي بدأت منذ عام 1980، والانبعاث من الغاز والنفط المحترق في الأجواء، في وقت تكاد الخطط اللازمة لاحتواء الضرر "شبه منعدمة"، بالمقارنة مع التخوّف والنقاش العالمي للحد من الكارثة المناخية المقبلة بجهود الجميع.

تتصاعد نسب التصحر في العراق لعدم وجود سياسة زراعية سليمة أو وجود اهتمام حكومي في الأحزمة الخضراء للمدن

وضمن مسار تحقيق الهدف المنشود لضمان بيئة خالية من الشوائب وصالحة لعيش السكّان بلا أمراض، لا بدّ من تحديد نقاط البدء والقدرة على تطبيق خطوات الإنقاذ للتطوّرات المناخية، وفيما إذا ستكون بسرعة أو ببطء يجعل بعض الشعوب على حافة الخطر الحقيقي، كما هو حال العراق منذ سنوات وفقًا لعدة مؤشرات، كما تشير دراسة أجراها فريق من الباحثين الأمريكيين في مركز دراسات الحرب بنيويورك عام 2011، إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعًا من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعًا مختلفًا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.

اقرأ/ي أيضًا: حرائق الغابات حول العالم.. القصّة الكاملة لكوارث تخنق المعمورة

ويرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي، أحمد صدام، وجود صعوبة بتحقيق التحوّل السريع في العراق للبيئة السليمة، نحو مبادرة الاقتصاد الأخضر، ما لم يتبع سياسات بيئية متشدّدة (strict environmental policies) من خلال استخدام التكنولوجيا الإنتاجية في فروع الإنتاج التي تسبّب التلوّث، لا سيما قطاع الصناعة الاستخراجية، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هذا غير متاح في الوقت الحاضر وفقًا للسياسات الاقتصادية الحالية، ما يعني أن عوامل النجاح المطلوبة تتمثّل في تفعيل سياسة بيئية متشدّدة تجاه المستثمرين المحليين والأجانب، ورفع القيود تجاه استيراد السلع الملوّثة للبيئة والتخلّص من حرق الغاز الطبيعي تدريجيًا".

وترتفع نسب التصحر في العراق، لعدم وجود سياسة زراعية سليمة أو وجود اهتمام حكومي في الأحزمة الخضراء للمدن، وفقًا لصدام الذي يقول إن "التقديرات الدولية تؤكد على ضرورة وجود 8 أشجار مقابل كل مواطن، مشيرًا إلى أن "التصحر قد أدّى لهجرة الأيادي العاملة الفلاحية للمدن لشحة المياه وانعدام التكنولوجيا الحديثة بالري، حيث تنخفض الأراضي المزروعة سنويًا بنسبة 10%".

ويؤشر الباحث، عوامل مناخية أخرى للتلوث، تتمثل بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار، يرافقها الحروب والنزاعات التي قادت إلى تغيير ديموغرافي كبير بمناطق الريف العراقي.

وفي لغة الأرقام، وبشأن انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من حرق الغاز، يؤكد الأكاديمي أنها "ارتفعت من 15.39 طن عام 2004 إلى 34.24 عام 2019 أي زيادة بأكثر من 50%، لافتًا إلى أن "السياسة الاقتصادية في العراق لم تأخذ بنظر الاعتبار أهمية استثمار الغاز  لتقليل التلوث، بدلًا من حرقه عند منح تراخيص الاستثمار  للشركات النفطية على مدى السنوات الماضية وما زال، حيث يزداد مستوى حرق الغاز المصاحب في القطاع النفطي  مع زيادة مستوى استخراج النفط".

وفي ذات السياق، يشير إلى أن "الانبعاثات من الاستخراج النفطي لوحده ارتفعت من 95.49 طن لعام 2004 إلى 155.34 عام 2019 وبنسبة زيادة تقدر ب 50% أيضًا، معتبرًا أن ذلك يمثل "وجود علاقة متوازية ما بين ثاني أوكسيد الكربون الناتج من حرق الغاز، والاستخراج النفطي، وكلاهما يؤثر في ارتفاع تلوث الهواء الذي أدى لزيادة كبيرة في مستوى الأمراض التنفسية مثل الربو والحساسية والسرطان، حيث بلغت آخر إحصائية للمصابين بها نحو 24 ألف فرد".

ويسعى العراق، بحسب وزارة البيئة، للمشاركة  في المؤتمر الدولي الخاص بالتغيرات المناخية نهاية العام الحالي في بريطانيا، لإعلان انضمامه إلى مبادرة الاقتصاد الأيسر الصديق للبيئة، والتي تنص على خفض استخدام النفط للطاقة والاستعانة بالطاقات المتجددة والمجالات الزراعية والصناعية.

وتبيّن أحدث إحصائية صادرة عن البنك الدولي، بحرق العراق أكثر من 17 مليار متر مكعب غاز سنويًا، تجعله في المرتبة الثانية بعد روسيا، كما وتعادل انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن المحروق من الغاز العراقي نحو 10% من إجمالي الانبعاثات العالمية، ليعتبر العامل الرئيس لتلوّث المناخ.

ويختلف علي البدري، الأكاديمي المختص في جغرافيا البيئة، مع الطرح السابق بعدم سرعة تخلّص البيئة في العراق من التلوّث الحاصل، مشترطًا عدة نقاط، أبرزها الإرادة الحقيقية لتطبيق الخطط، فضلًا عن الحاجة لمجموعة من الإجراءات السريعة، منها أصدار ضوابط وعقوبات صارمة بحق كل من يعبث بالبيئة، وتحويل كل مجاري الصرف الصحي التي تذهب للأنهار وبناء مجمعات ومحطات معالجة للاستفادة منها.

ويضيف البدري، لـ"ألترا عراق"، أن "البلد بحاجة ماسة إلى إنشاء مزارع كبيرة بالاعتماد على المياه الجوفية في المناطق التي توجد فيها الكثبان الرملية، وأهم الإجراءات هو نشر الوعي البيئي لدى المواطنين من خلال وسائل الإعلام المختلفة".

وبينما يُقر المختص بالتحوّل السيئ الحاصل منذ سنوات وزيادة الملوثات بارتفاع عدد السيارات وانتشار المولدات الكهربائية الأهلية بشكل كبير، قال إن "فصل الصيف في العراق يشهد تسجيل حالات أمراض وإصابة بالجهاز التنفسي أكثر من الشتاء، وذلك بسبب الغبار المتطاير، وما يحتويه من بكتيريا ومعادن سامة يستنشقها الجميع". 

وأعتبر الأكاديمي، أن "مخاوف التغييرات المناخية في العراق، لا تختلف كثيرًا عما بدول العالم جميعًا، مستدركًا "لكنه يواجه تحديات حقيقية لعدم وجود تخطيط سليم لمواجهة هذه المشكلة التي سوف تنعكس على قلّة الموارد المائية وتدهور الأرض الزراعية، وزيادة العواصف الغبارية، وانتشار الأوبئة، والأمراض، وتدهور التنوّع الإحيائي خلال السنوات المقبلة بأضعاف ما يحصل حاليًا".

وعلى نطاق قريب، رصدت مؤخرًا شركة التحليلات الجغرافية "كايروس"، حدوث سحابة لغاز الميثان، وهو أحد غازات الاحتباس الحراري، في سماء العراق في تموز/يوليو الماضي، تزامنًا مع حدوث تسريب في المنطقة ذاتها، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء، التي أوردت أن "خط أنابيب تديره شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية قام بتسريب غاز البترول المسال في 20 تموز/يوليو 2021، بالقرب من مكان اكتشاف عمود كبير من غاز الميثان غربي البصرة".

وذكرت الوكالة، أن "الشركة رصدت السحابة على بعد 140 كيلومترًا غرب البصرة، وقد أطلقت الميثان بمعدل 73 طنًا في الساعة، كما أشارت إلى أن "عمود الدخان المنبعث في تموز/يوليو جاء بعد رصد انبعاثين آخرين للميثان في العراق حدثًا في 23 تموز/يوليو و24 حزيران/يونيو الماضي، في منتصف المسافة بين البصرة وبغداد، وذلك بمعدل انبعاثات بلغ 181 و197 طنًا من الميثان في الساعة".

فصل الصيف في العراق يشهد تسجيل حالات أمراض وإصابة بالجهاز التنفسي أكثر من الشتاء بسبب الغبار المتطاير

ويقول أستاذ هندسة البيئة في جامعة بغداد، حيدر عبد الحميد، إن "العراق غير قادر على الذهاب نحو التحول لبيئة نظيفة بسبب عدم وجود بنى تحتية مادية ومعنوية للدعم، موضحًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أنه "لا يزال المجتمع يعيش في فجوة بيئية غير آبه بالمخاطر، مثلما تواصل الدولة ضعفها على مستوى التشريعات والقوانين في دعم البنى التحتية المطلوبة، كما أشار إلى أمثلة ناجحة محيطة بالعراق "تمثلها، تونس، والإمارات، الأردن، ومصر، فقط لكونها تمتلك وعي الدولة والدور البناء للمواطن".

اقرأ/ي أيضًا: مخلفات الحروب.. الألغام أكثر من سكان العراق

أما على صعيد المياه، فالعراق يصنف ضمن الدول التي لديها "خطورة عالية"، وملامح الجفاف الحاد في العراق ستكون واضحة جدًا عام 2025، كما أشارت مؤشرات عالمية بأن العراق بحلول عام 2040 سيكون أرضًا بلا أنهار. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بغداد وأربيل ضمن المدن الأكثر تلوثًا في العالم.. وكردستان تتحرك

حي المعامل في بغداد.. نفايات الفساد تأكل وجه الحياة