15-مايو-2018

ما زال إرث الاستبداد حاضرًا في إجابات العراقيين (Getty)

أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عن نتائج المؤشر العربي الذي نفّذه في 11 بلدًا عربيًا، من ضمنها العراق. وهو استطلاعٌ دوري ينفّذه المركز العربي في البلدان العربية؛ بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العامّ العربي نحو مجموعة من الموضوعات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، بما في ذلك اتجاهات الرأي العامّ نحو قضايا الديمقراطية، والمشاركة السياسية. ويتضمن المؤشر تقييم سياسات قوى دولية وإقليمية نحو المنطقة العربية.

 يعتبر جزء غير قليل من العراقيين  أمريكا دولة احتلال، والسبب الرئيسي في تدمير الدولة وتفكك الهوية

إسرائيل في العراق

أظهر المؤشر في العراق بخصوص الدول الأكثر تهديدًا، أن 13% من المستطلعين يعتبرون أن إسرائيل هي التهديد الأول للعراق، ولهذا الأمر أسبابه الموضوعية المرتبطة بأوضاع البلاد وظروفها السياسية التي مرت بها منذ 40 عامًا. فمنذ سقوط النظام البعثي في 2003 تحوّل العراق إلى مسرح لأمريكا وإيران، وصراعهما معًا، وهذا ما تشير إليه الإحصائية في هذا المحور، إذ اعتبر 29% أن أمريكا هي الأكثر خطرًا، بينما رأى 28% في إيران ذلك.

ويأخذ العراقيون شيئًا من الخصوصية في هذا الشأن، إذ إن جزءًا غير قليل منهم يعتبر أمريكا دولة احتلال، والسبب الرئيسي في تدمير الدولة وتفكك الهوية، والانهيار الذي حصل في كل مفاصل البلاد. بينما ينظر جزء كبير أيضًا إلى إيران من جانب آخر، كدخيل إلى عمق الصراع العراقي، ودولة توسعية دأبت على التدخل السياسي في البلاد بعد 2003، وهي مسؤولة عن معظم المتحكمين في العملية السياسية، إضافة إلى النظر للدول الإقليمية التي اتسع نفوذها في العراق كدول خطيرة، كما يفرض نظام المحاصصة الذي يحوّل التدخل الخارجي إلى نتيجة طبيعية.

اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟

هناك بالتأكيد أسباب أخرى، جعلت الكثير من العراقيين غير متفاعلين مع القضية الفلسطينية والخطر الإسرائيلي، بالرغم من أن العراق كان يشكل قطبًا محوريًا في هذا الصراع. خاصة أن نظام صدام حسين مارس أشكالًا مختلفة من القمع باسم القضية الفلسطينية، أفرزت ردود أفعال على القضية ذاتها، إضافة إلى التضليل الذي حصل بعد 2003 والذي كان يلبس لباسًا طائفيًا تبنته عدة جهات متحكمة في الإعلام وصناعة الرأي.

على سبيل المثال، تنتشر إشاعة في العراق أن معظم الانتحاريين في الأسواق والمناطق العراقية، أو المقاتلين والوافدين ضمن تنظيم داعش، هم من حملة الجنسية الفلسطينية، رغم أن قليلًا من البحث ينفي هذه المعلومات، ومع أن كل الإحصائيات والدراسات لا تذكر الفلسطينيين، ويشير المتوفر منها أن هؤلاء الإرهابيين قادمون من بلدان أوروبية وعربية.

تنتشر إشاعة في العراق أن معظم الانتحاريين هم من حملة الجنسية الفلسطينية دون دلائل تؤكد ذلك

مع ذلك، فإن اتجاهات الرأي العامّ التي تعطي أولوية للخطر الأمريكي والإيراني لم تتنكر للقضية الفلسطينية، كما أظهر المؤشر في دول عربية أخرى، فقد اعتبرت أغلبية بلغت 67% من المستطلعين العراقيين، أن القضية الفلسطينية قضية جميع العرب، وقد ظهرت نتائج ذلك عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، إذ خرجت تظاهرات كبيرة في العراق، وحصلت فورة في مواقع التواصل الاجتماعي.

سخط على الديمقراطية أم على الديمقراطية التوافقية؟

من جانب الموقف من الديمقراطية، أظهر تقرير المؤشر رفض "أغلبية مواطني المنطقة العربيّة مقولاتٍ ذات محتوى سلبيّ عن الديمقراطية، إلا أنها منقسمة نحو عبارة أن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي". وهذه مقولة رائجة جدًا في العراق، ومتداولة بشكل ملحوظ، وتأتي في سياق "أننا مجتمع لا تنفعه غير القوة"، وهي تجل واضح عن الإرث الذي تركه الاستبداد حين عزّز ثقافة الدولة العنيفة التي تضبط المواطنين من خلال القمع والعنف. والأهم أن هذه المقولة تجيء ضمن سياق فشل "الديمقراطية في العراق" بعد سقوط النظام في 2003، وتحميلها مسؤولية ما حل بالبلاد، في نوع من المفاضلة بينها وبين النظام السابق. من دون إدراك لأزمة الديمقراطية العراقية على وجه الخصوص، التي لا تنفك تجيء في إطار توافقي يجري في سياق مكوناتي لا وطني، فصحيح أن "التوافقية تعددية هوية، كما أنها تشكل حماية من الاستبداد، وتحتوي مجموعة آليات رقابة وموازنة"، لكنها "ليست ديمقراطية بالمعنى الحديث، أي ليست ديمقراطية ليبرالية قائمة على المواطنة. لأنها تنصب فوق الأمة وفوق المواطنة جماعات هوية مسيسة"، على حد وصف المفكر العربي عزمي بشارة.

إن صراع المكونات في الإطار السياسي للديمقراطية التوافقية يجعل التنافس على ممارسة السلطة داخلًا في أنماط طائفية ودينية، ففي السنين السابقة كان التنافس على من يكون أكثر شراسة في الدفاع عن الطائفة أمام المكوّن الآخر، وليس من يقدم البرامج الاقتصادية والسياسية والخبرة في إدارة الصراع الجاري بقوة في العراق.

اقرأ/ي أيضًا:  المركز العربي يعلن نتائج استطلاع المؤشر العربي 2017/ 2018

وتفقد الديمقراطية هنا معناها، وأبعادها السياسية، وترتبط في التخيل الجماعي بأنها معادل للفوضى وعدم الاستقرار، وهذا ما يشير إليه تقرير المؤشر في مواقف العراقيين عن الأبعاد التي تتعرف من خلالها الديمقراطية، إذ جاءت "المساواة والعدل بين المواطنين" بنسبة 11%، وكانت نسبة "إنشاء حكم ديمقراطي" 11%، و"الأمن والأمان والاستقرار" 16%، وهو ربط مباشر للديمقراطية بالاستقرار والأمان.

إن صراع المكونات في الإطار السياسي للديمقراطية التوافقية يجعل التنافس على ممارسة السلطة داخلًا في أنماط طائفية ودينية

"إن تطبيق الديمقراطية يحتاج إلى نخب ديمقراطية" على حد تعبير عزمي بشارة مجددًا. ولا يبدو للمطلع على الشأن العراقي، أن النخب السياسية الحاكمة هي نخب ديمقراطية، فقد أعلن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أنه إذا "أزيح من منصبه ولم يحصل على ولاية ثالثة ستفتح أبواب جهنم على العراق" رغم أن هناك سياقات ديمقراطية ودستورًا يحدّدان ولايتين فقط لرئاسة الوزراء.

إضافة إلى أن الكثير من المحسوبين على النخب الثقافية وصنّاع الرأي في العراق ينظر للديمقراطية على أنها متعلقة بالحريات المدنية فقط.

إمكانية النقد وحرية التعبير

كانت اتجاهات الرأي العام نحو قدرة المواطنين على انتقاد الحكومة من دون خوف سيئة نوعًا ما، بنسبة "6.4" من عشرة، وتعبّر هذه النسبة عن حالة الديمقراطية التوافقية في العراق، إذ أنها إضافة إلى استخدام النظام للغازات المسيلة للدموع واعتقال المتظاهرين في احتجاجات 2011 وما بعدها، ساهمت مع حالة المحاصصة المنقسمة مذهبيًا وفشلها في الحكم، بوجود فصائل مسلحة لها أنماط طائفية واضحة وتوجه ودعم خارجي، لا يستطيع العراقي أن ينتقدها أو يقول عنها أي كلمة، وقد حدثت حالات خطف لمن انتقد بعض قادة هذه الفصائل، إضافة إلى دعمهم للسياسيين المتهمين بالفشل والفساد.

كما أنها بسلاحها ونفوذها تمثل قوة موازية للدولة، فضلًا عن أن كون هذه القوى مذهبية، يسهل اتهام أي نقد من المكونات الأخرى كممارسة ضد الطائفة كلها. وقد دخلت هذه الفصائل إلى ميدان العمل السياسي، وصار لها أجنحة في البرلمان العراقي.

استخدام الانترنت في القضايا السياسية

وبخصوص الإحصائيات المتعلقة بمدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التفاعل مع قضية سياسية، كان 17% من المستجيبين يتفاعلون عدة مرات مع قضايا سياسية في اليوم، بينما يفعل 21% مرة في الأسبوع أو عدّة مرات، و%10 أقل من مرة في الأسبوع، و48% لا يتابعون أبدًا. وعلى الرغم من وجود شرائح واسعة من العراقيين، خصوصا في "فيسبوك" يناقشون القضايا السياسية ويتفاعلون معها، حتى صار السياسيون يدفعون رواتب لجيوش إلكترونية، للتعبئة لها وتسقيط خصومها، وصار للدعاية الانتخابية مكان كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن كثيرين، ما زالوا لا يتفاعلون مع أية قضية سياسية، ولا يرغبون بقراءة الأخبار، وهو ما يمثل مؤشرًا عامًا على حالة العزوف، التي ربما تقول شيئًا عن الوضع السياسي في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل يثق المواطن العربي بمؤسسات دولته؟ المؤشر العربي

المؤشر العربي: كيف يتفاعل العرب مع الديمقراطية؟