23-مارس-2017

مدارس العراق، أبنية متهاوية لا تقي من برد الشتاء وقيظ الصيف(صباح عرار/أ.ف.ب)

مدارس طينية في الأقضية والنواحي. أبنية متهاوية لا تقي من برد الشتاء وقيظ الصيف، حيث تقدر وزارة التربية العراقية حاجتها لقرابة ستة آلاف بناية مدرسية لمعالجة اكتظاظ المدارس والدوام الثنائي والثلاثي فيها حاليًا. صفوف مكتظة بالتلاميذ الذين يضطر بعضهم إلى افتراش الأرض نتيجة قلة الكراسي الدراسية. نقص في الكوادر التدريسية وتأخير في توزيع الكتب المدرسية.. هذا هو حال المدارس الحكومية في العراق.

تقدر وزارة التربية العراقية حاجتها لقرابة ستة آلاف بناية مدرسية لمعالجة اكتظاظ المدارس والدوام الثنائي والثلاثي فيها حاليًا

فشل الوزراء المتعاقبون على حقيبة التربية والتعليم وملفات الفساد التي رافقتهم وجلها متعلق ببناء المدارس وتجهيزها بالمستلزمات الدراسية، إضافة إلى فضائح عقود طباعة الكتب المدرسية، كل هذا خلف مستوى دراسي متدن إلى حد أن تلاميذًا في مراحل متقدمة من الدراسة الابتدائية لم يتمكنوا من قراءة أو كتابة جمل بسيطة باللغة العربية، ناهيك عن اللغة الإنجليزية والرياضيات والمواد الدراسية الأخرى.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. تلاميذ بلا مدارس

هذا الواقع الدراسي المرير دفع الميسورين ماليًا إلى التوجه بأبنائهم إلى المدارس الخاصة، وكانت أعدادها بسيطة في بادئ الأمر، لضمان مستواهم التعليمي الذي يؤهلهم لدخول كليات علمية أو إنسانية متقدمة، حيث تعنى هذه المدارس بالمستوى التعليمي المتقدم والمعزز بوسائل إيضاح مناسبة، إضافة إلى المتابعة المستديمة مع أولياء أمور الطلبة الذين لم يتجاوز عددهم ما يتعارف عليه عالميًا في الصف الواحد. ونتيجة تزايد أعداد الطلبة المتوجهين إلى المدارس الخاصة، كان لابد أن يتزايد عددها، حتى وصل الأمر إلى منافستها لأعداد المدارس الحكومية من حيث عددها وعدد الطلبة المنتمين إليها.

أرقام وزارة التربية العراقية تتحدث عن وجود أكثر من 1500 مدرسة أهلية/خاصة في العراق يديرها أكثر من 15 ألفًا من الكوادر التعليمية وتضم نحو 160 ألف طالب. وكان لابد لهذا التضخم المتسارع في أعداد المدارس الأهلية أن ينعكس سلبًا على المستوى التعليمي، بعد أن غلب الطابع التجاري على الهدف العلمي من إنشائها ولا سيما في العامين الأخيرين.

بعض المدارس الأهلية أصبحت مؤسسات تعليمية حيث تتوفر على مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية، إضافة إلى افتتاحها فروعًا متعددة في مناطق بغداد وبعض المحافظات وهي تمتلك أو تستأجر بنايات واسعة بطوابق متعددة، غير أن بعض المدارس تستأجر بيوتًا بسيطة لا تتعدى غرفها أصابع اليد الواحدة وبعضها لا تتوفر فيها غرفة للمدير أو المعلمين، الأمر الذي ينعكس سلبًا على المستوى التعليمي الذي تقدمه للطالب.

المدارس الخاصة تشكل بديلًا لفشل السياسة التعليمية للدولة في العراق وتشكل مظهرًا صارخًا من مظاهر التمايز الطبقي

وتتميز هذه المدارس بانخفاض أجورها السنوية التي تستوفيها من الطلبة مقارنة بالمدارس-المؤسسات، إذ تصل في بعض الحالات إلى نصف أجورها، ما يؤثر سلبًا على خدماتها التعليمية وطغيان طابعها التجاري على الطابع التعليمي، لاسيما وسط غياب الإشراف التربوي الذي يخضع هو الآخر للفساد في التعامل مع إدارات تلك المدارس، حيث تنتشر ثقافة الرشاوي والهدايا مقابل غض النظر عن التجاوزات القانونية التي تحكم منح الإجازات الرسمية لعمل تلك المدارس.

اقرأ/ي أيضًا: "العلمو نورون".. مجزرة اللغة العربية في العراق

وفي خضم الجدل الدائر حول المدارس الخاصة والعامة وعجز الدولة عن تقديم مستوى دراسي مناسب في مدارسها، يستعيد العراقيون فترة الثمانينيات، حين اعترفت اليونسكو بنظام التعليم العراقي باعتباره واحدًا من أكثر الأنظمة تطورًا في العالم العربي، لكنهم يستذكرون أيضًا أدلجة المدارس عبر مناهج تعظم دور حزب البعث والرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بوسائل أقل ما يقال عنها إنها تزييف للحقائق وتلقين تاريخ مفصل على قياس المرحلة ومتطلباتها الأيديولوجية المغلقة.

وبين هذه وتلك، تكاد تكون مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق هي المرحلة الأكثر عتمة في تاريخ التعليم في العراق، والمدارس الخاصة التي تشكل بديلًا لفشل السياسة التعليمية للدولة تشكل مظهرًا صارخًا من مظاهر التمايز الطبقي الذي يفرز شكلًا من أشكال الحقد الطبقي لدى أبناء الفقراء غير القادرين على دفع تكاليف المدارس الخاصة التي لا تمثل حلًا سليمًا لتردي الواقع التعليمي في العراق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأردن.. تلاميذ المدارس في ضيافة الصقيع

تلاميذ غزّة.."نحن كالأرانب بالفصول"