بعد ساعات من بدء العملية الانتخابية في العراق، كان قرار رفع حظر التجول على المركبات مرتبكًا، إذ حاولت الحكومة إنقاذ ما يمكنه إنقاذه من نسب المشاركة بتسهيل حركة الناخبين، وتخوفت في الوقت نفسه من تحذيرات السفارة الأميركية عن وجود مخطط إرهابي لاستهداف الناخبين.
قام "العتاكة"/بائعو الخردوات في العراق، بجمع لافتات الدعاية الانتخابية لبيع أطرها المعدنية والاستفادة من أقمشتها وأوراقها المدعمة
لكن مع إعلان رفع الحظر في بغداد وباقي المحافظات، تسلل عشرات المعدمين من منقبي القمامة وبائعي الخردوات والمعروفين محلياً بـ"العتاكة"، بمركباتهم المحورة من دراجة نارية إلى عربة نقل، لجمع ما يمكن جمعه من لافتات الدعايات الانتخابية، لبيع أطرها المعدنية، والاستفادة من أقمشتها وأوراقها المدعمة في تسقيف مساكنهم المسماة محليًا بـ"الحواسم".
اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي
والحواسم هي مساكن تتفاوت جودتها بين المتوسطة والسحيقة، تتوزع غالبًا في أطراف المدن، لكن مراكز المدن لا تخلو منها أيضًا. وسميت بهذا الاسم ارتباطًا بتسمية النظام السابق على الغزو الأمريكي للعراق في 2003، ففي الأيام الأولى لإعلان سقوط بغداد، شهدت البلاد حملات سلب ونهب واسعة لمرافق الدولة ومؤسساته، اصطلح عليها العراقيون كلمة "الحواسم".
حاولنا التحدث لأحد هؤلاء في منطقة الكرادة وتصويره، لكنه سرعان ما غطى وجهه بمنشفة كان يضعها على كتفه، وقال متوسلًا: "بروح أبوك لا تصور". ومع ذلك استمر في قطع الأعمدة الحديدية للدعايات الانتخابية.
شخص آخر وافق على التحدث إلينا، ثم طلب عدم ذكر اسمه. وقال لـ"ألترا صوت"، إن "أول مرة جمعنا فيها الدعايات الانتخابية، كانت قبل أكثر من أسبوعين، بعد أن خلعها تيار الهواء المصحوب بأمطار غزيرة"، يومها شهدت العاصمة عاصفة مطرية تسببت بغرق العديد من الطرق وانسدادها.
وأضاف: "جميع المرشحين لصوص، لا أؤمن بأي أحد منهم"، عازيًا وصفه إلى أنهم "سبق وأن وعدونا ولم يفوا بوعودهم". ثم تساءل: "هل تستطيع أن تخبرني من أين أتوا بكل هذه الأموال لنشر دعاياتهم الانتخابية؟".
سألناه عن المبلغ الذي قد تدره عليه هذه الأطر الحديدية، فقال: "لا أعرف، نحن نبيعها حسب الوزن، وفي بعض الأحيان ندعم بها منازلنا". أكمل عمله وهو يقول: "اتركوني بحالي".
بعيداً عن بغداد، تكرر مشهد انتزاع الدعايات الانتخابية، في مدينة الموصل التي شهدت واحدة من أشرس معارك المدن في التاريخ الحديث بين القوات العراقية بكافة صنوفها ودعم التحالف الأمريكي من جهة، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية - داعش من جهة أخرى.
شارك أشخاص من شرائح مختلفة في عمليات نزع اللافتات الانتخابية للاستفادة منها، ما بين أطفال وعتاكة ونازحين وأهالٍ معوزين
عملية انتزاع اللافتات هناك، شارك فيها أناس من شرائح مختلفة، إلى جانب العتاكة. وشارك الأطفال فيها أيضًا، وآخرون نازحون وجدوا في بيع لافتات المرشحين موردًا ماليًا يعينهم على ضنك العيش في مخيمات النزوح.
اقرأ/ي أيضًا: جرائم نخب العالم ضد الإنسانية
يقول الكاتب والصحفي محمود جمعة، وهو من سكان مدينة الموصل، إن "سكان المناطق القريبة من الخطوط السريعة في محافظة نينوى، مثل منطقة يارمجة على الطريق الواصل إلى محافظة كركوك؛ تقاسموا انتشال الدعايات الانتخابية في الشوارع وتوجهوا بها إلى الحي الصناعي في الساحل الأيمن من مدينة الموصل لبيعها"، مبينًا أن "المساند الحديدية والأطر المنتزعة أدرت عليهم أموالاً جيدة"، لم يحددها جمعة.
واتفق العديد من الأهالي في عدة مناطق. على أن أغلب المرشحين لا يرجى منهم أكثر من معونة المعدمين ماديًا بانتزاع دعاياتهم الانتخابية وبيعها.
قال أبو محمد وهو سائق حافلة أجرة في منطقة العامرية، إن "هذه اللافتات دمرت الأرصفة، وحجبت الرؤية بين جانبي الطريق، كما تسببت بحوادث سير على الطريق السريعة في أيام العواصف، بعد أن سقطت في منتصف الشوارع وأعاقت مسير السيارات".
وأضاف لـ"ألترا صوت": "هؤلاء المساكين لا يملكون ما يكفيهم لقمة العيش، أمر جيد أن تخرج حسنة من المرشحين، وإن كانت دون قصد المساعدة". وأشار إلى حال هؤلاء المعدمين، بقوله: "حاول أن تتخيل مدى المشقة في قطع القضبان الحديدية من أجل مبالغ زهيدة، لو وفرت لهم فرص عمل، هل كانوا سيلجؤون للاسترزاق بهذه الطريقة؟"، قبل أن يختم كلامه مُثنيًا على العتاكة: "شكرًا لهم، لقد أعادوا للناس الأرصفة ومنحونة مساحة للرؤية بعد أن حجبتها اليافطات".
اتفق العديد من أهالي العراق على أن أغلب المرشحين لا يرجى منهم أكثر مما يستفيده العتاكة من حديد لافتاتهم الدعائية
هذا وكانت الانتخابات العراقية قد شهدت نسبة مقاطعة كبيرة، إذ قالت المفوضية العليا للانتخابات أن نسب التصويت بلغت 45%، بينما رفض مراقبون آخرون هذه النسبة، زاعمين أنها لم تصل إلى 40%.
اقرأ/ي أيضًا: