20-مايو-2018

يسعى تحرير الأسدي إلى هدم الهوة بين المتلقي وبين المسرح (فيسبوك)

في ظل تراجع كبير لسطوة المسرح العراقي الملتزم في الساحة العربية، يخرج عدد من الشباب بحلم العودة الجديدة لسطوة المسرح على الساحة الفنية العربية، ومجابهة الابتذال بأعمال تجمع بين المتلقي العام والقيمة الفنية الأكاديمية.

خلال الأعوام الماضية، شهد المسرح الوطني في بغداد عروضًا هابطة تصل لدرجة الإباحية المغلفة بالكوميديا الفظة

"ألترا صوت" التقى بالمخرج والممثل المسرحي العراقي الشاب تحرير الأسدي في مقهى "كهوة وكتاب"، في الكرادة الشرقية وسط بغداد. وتحريرالأسدي هو أحد هؤلاء الفنانين الحالمين. ووقت التقيناه كان محاطًا بأصدقائه من الشعراء والكتاب كالعادة، في مشهد يعيد للأذهان أجواء المقاهي الثقافية التي -تقريبًا- خلى منها العراق، وربما العالم العربي.

اقرأ/ي أيضًا: بغداد.. خشبة تتحدث عن الخشبة

يرى تحرير الأسدي، الفائز بجائزة منتدى المسرح، والمشارك في عدة مهرجانات عربية، والمتفرغ الآن لدراسة الماستر في الإخراج المسرحي، أن "التحولات الجذرية التي تطال دولة ما أو شعب ما، تزعزع القيم والأخلاق والأذواق، فيبرز ما هو على السطح والذي يكون في متناول اليد، لكن بعدها يأتي الاستقرار وتتضح الرؤيا. ورواج البضاعة السهلة ما هو إلا من إفرازات هذه المرحلة"، ويؤكد على أن هذا "ما أثبتته تجارب الشعوب الأخرى عبر التاريخ".

وشهد المسرح الوطني في بغداد، خلال الأعوام الماضية، العديد من العروض التي وصفت بالهابطة والمبتذلة، لتصل في بعض الأحيان إلى درجة الإباحية المغلفة بالكوميديا الفظة.

"الفن متعة إذا ما ابتعدت عما يحيط بك"، يقول تحرير الأسدي، مستدركًا: "لكن في خضم ما نعيشه في هذه المرحلة، لا يمكن الفصل بين الفن والحياة، لذلك يتحول إلى مسؤولية من الصعب أن تُحلّق خارج فضاء الواقع".

تحرير الأسدي: "أحتفظ بقداسة خشبة المسرح كأنني ورثت ذلك عن الإغريق، لذا أجدني دائمًا خاشعًا أمامها"

ويتحدث تحرير الأسدي، مخرج مسرحية "المقهى"، عن علاقته بخشبة المسرح، فيقول: "أحتفظ بقداسة الخشبة كأنني ورثت هذا من الإغريق حين كان المسرح طقسًا دينيًا، لذا أجدني أخشع أمامها"، مسترسلًا: "لا أستطيع أن أشاهد الحياة إلا مسرحًا كبيرًا. كل شيء فيها مسرح، وكأنني أرتدي المسرح أمام عيني، وهذا ما يعذبني كثيرًا ويمتعني في نفس اللحظة".

هذا وكان المسرحي والأكاديمي العراقي، صلاح القصب، قد قال عن مسرحية "المقهى" لتحرير الأسدي، إنها "أهم ما شاهدته منذ فترة، وهي أشبه بأعمال كبار التشكيلين الذين يؤلفون من بريق اللون والحركة والكتلة إنشاء بصريا كبيرا"، مضيفاً "أدهشني العمل وكان أشبه بضوء لبروق مضيئة".

اقرأ/ي أيضًا: شباب جزائريون انتشلهم المسرح من الضياع

ماذا عن الرقابة الفنية؟ يجيب تحرير الأسدي: "مع وجود أكثر من سلطة في المجتمع كسلطة القانون والدين والعشيرة... إلخ، تكون الحرية مقيدة"، موضحًا: "ما يسمح به القانون قد يرفضه الدين، وما يسمح به الدين قد يعارضه القانون أو العشيرة، ومع هذه السلطات في رأيي من الصعب الحصول على حرية تعبير كاملة".

يؤكد تحرير الأسدي على أنه لا يؤمن بالرقابة الفنية أبدًا: "الفن مناخ مجنون، ومن يسعى لتقييم عمل ما، يبقى رأيه ضمن رؤيته التي قد تتعارض مع رؤية الفنان المُبدع".

حلم العود الأبدي لسطوة المسرح في الحياة والساحة الفنية، تعرقله هوة ناشئة بين الجمهور وبين خشبة المسرح. "إن عملية ردم الهوة بين المتلقي والمسرح، ومد الجسور لكسر حاجز النخبة، تحتاج إلى تخطيط حكومي ومؤسساتي، وتوضع ضمن مسؤوليات الدولة"، يقول الأسدي.

ويضيف تحرير الأسدي: "نحن مجموعة من المسرحيين الشباب، نسعى إلى ردم هذه الهوة من خلال تقديم عرض يستقطب المتلقين من جميع المستويات، على ألا يخلو من التجديد والتجريب، لكن في الحقيقة تبقى هذه الجهود فردية".

ويلفت تحرير الأسدي إلى أن أكثر ما يهمه هو المسرح وحاجاته فقط، فيقول: "لا يهمني سواء كان ذلك بإعادة إنتاج الكلاسيكيات أو من خلال النصوص الأصيلة"، مستدركًا "لكنني أميل إلى النص العراقي الخالص والذي يعبر عن ما يدور الآن ويعالجه".

تحرير الأسدي: "الفن مناخ مجنون، ومن يسعى لتقييم عمل فني، يبقى رأيه ضمن رؤيته التي قد تتعارض مع رؤية الفنان"

وفي نهاية الحديث، سألنا تحرير الأسدي عن مصادر إلهامه، فقال: "أكثر أصدقائي من الفنانين والشعراء، وفي علاقتنا مناخ ملائم للتفكير والبحث، وخصوصًا صديقتي وزوجتي آلاء عادل، فهي أكثر من يحفزني".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بنات بغداد.. التداوي بالمسرح

لماذا تفصيح اللحظة الشعبية في المسرح؟