02-مايو-2019

يستعين سياسيون ومسؤولون بميليشيات وعشائر للانتقام من خصومهم وقمع المنتقدين

الترا عراق – فريق التحرير

في حادثة لم تعد غريبة، حاصر أفراد من عشيرة النائب السابق والقيادي في حزب الدعوة علي العلاق، يوم الثلاثاء الماضي 30 نيسان/أبريل، مقر محطة تلفزيونية وسط بغداد، على خلفية بث برنامج ساخر تضمن فقرة عن العلاق، مهددين بالاعتداء على مقدم البرنامج واقتحام مقر القناة، في حال عدم الاعتذار إلى العلاق.

حاصرت عشيرة البرلماني السابق علي العلاق مقر قناة فضائية وهددت بالاعتداء على إعلامي وتحطيم محتويات القناة

 

جاءت استعانة العلاق بالعشيرة، للالتفاف على الديمقراطية وحرية التعبير التي قد تكون "أهم" ما ناله العراقيون بعد 2003، ودفعوا ثمنه باهظًا دماءً وأموالًا. حيث يتبجح المسؤولون والسياسيون بها كمنجز لهم، ويقمعونها بيد أخرى بالعشيرة تارة أو التهديد بالميليشيات والتصفية تارات أخرى.

المقدم كان قد استعرض في حلقة بثتها القناة، في 26 نيسان/ أبريل الماضي، تصريحات سابقة لعلي العلاق وصف فيها الجنسية العراقية بـ"الكريمة المباركة" وفي الوقت نفسه أشار إلى امتلاكه جنسية دنماركية.

اقرأ/ي أيضًا: فزاعة العشيرة العراقية.. سيف المحاصصة المشهر

 

ينتمي العلاق إلى أسرة يشغل أبناؤها مناصب متقدمة في الدولة منذ سقزط النظام السابق وحتى اليوم، منها منصب محافظ البنك المركزي والأمين العام لمجلس الوزراء حتى وقت قريب، ومناصب أخرى. قال العلاق في التصريحات التي استعرضها البرنامج الساخر، إن "أمواله وثروته كلها من خيرات العراق"، وهو ما ربطه مقدم البرنامج بـ"كونه أول من هرب الى خارج البلاد بعد دخول المتظاهرين الى المنطقة الخضراء، في عام 2016، احتجاجًا على تفشي الفساد والبطالة وتردي الخدمات، وعرض صورة توثق ذلك.

في نفس التصريحات، دافع علي العلاق عن "الحقوق" والامتيازات التي تمنح لأعضاء الأحزاب التي كانت معارضة لنظام صدام حسين، مشيرًا الى "جهادهم ونضالهم في الخارج". ليسخر منه المقدم بتوضيح أن هؤلاء، ومن ضمنهم العلاق، يستحقون الامتيازات كونهم عانوا أثناء تواحدهم في أوربا خلال تلك الفترة، من صعوبات الطقس وكثرة غياب الشمس، وهي أصعب من معاناة معارضي صدام في الداخل الذين أعدمهم ودفنهم بمقابر جماعية، فضلًا عن سنوات الحصار التي عانى منها أغلبية الشعب، وكذلك قلة الرواتب حينها.

هذه الانتقادات عادت على صاحبها بشتم لاذع وصل حد التشكيك بنسبه من قبل عشيرة العلاق، التي توعدته بـ"قص لسانه" كما وثقت مقاطع مصورة بثتها القناة، واصفين الأخير بأنه "حزام العراق، ومجاهد، ومناصر".

استعانة العلاق بعشيرته للرد على منتقديه ليست الأولى من نوعها في العراق، فسياسيون ومسؤولون أدخلوا عشائرهم في مرات سابقة بنزاعاتهم مع خصوم لهم، وأيضًا لإيقاف قرارات بإقالتهم من مناصبهم.

من بين هؤلاء، النائب السابق ورئيس حركة ارادة حنان الفتلاوي، ففي آيار/ مايو 2015، اشتعلت حرب تصريحات بينها وبين بليغ أبو كلل المتحدث باسم كتلة المواطن النيابية حينها بزعامة عمار الحكيم، على خلفية اتهامها لكتلته بـ "الانبطاح" ورده عليها الذي لمح فيه إلى أنها تقصد "أوضاعًا جنسية".

يستعين الكثير من المسؤولين والسياسيين بعشائرهم لفض نزاعات مع خصوم أو عصيان إقالة قانونية من منصب

عشيرة الفتلاوي تدخلت حينها وهددت أبو كلل، قبل أن تتداول مواقع التواصل الاجتماعي بيانا نفته العشيرة لاحقًا، تحدث عن "هدر دمه". لاحقا، وفي آيار/ مايو 2016 أعلنت حنان الفتلاوي صدور حكم قضائي ضد بليغ أبو كلل بالحبس لمدة عام مع وقف التنفيذ "كونه شاب في مقتبل العمر"، بناءً على دعوى رفعتها ضده.

وفي 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، صوت مجلس محافظة واسط على انتخاب محمد المياحي محافظا خلفا لمحمد عبد الرضا طلال الفائز بعضوية البرلمان، قبل أن يعود المجلس ليُبطل جلسة التصويت على المياحي في 22 كانون الثاني/يناير الماضي، رغم صدر مرسوم جمهوري بتعيينه.

قرار إبطال الجلسة جاء بناءً على تظلم تقدم به مرشحون للمنصب نافسوا محمد المياحي عليه، قالوا إنها لم تشهد قراءة سيرهم الذاتية، ليكلف المجلس نائب المحافظ الأول عادل الزركاني بإدارة شؤون المحافظة، فاشتعلت أزمة خرجت على إثرها عشيرة المياحي الى الشوارع تُطالب بإعادته لمنصبه، وهو ما تم لاحقًا لكن بقرار قضائي.

محافظة ديالى المجاورة لواسط، هي الأخرى شهدت أمرًا مماثلًا، وإن كان بطريقة مختلفة. حيث كان يسعى مجلس المحافظة خلال الشهر الماضي، إلى عقد جلسة لتطبيق قرار من الحكومة المركزية بتغيير نحو 60 مديرًا عامًا هناك واستبدالهم بآخرين وفقا لـ "مبدأ التوازن الوطني" والذي يعني، بحسب عضو المجلس خضر العبيدي "مفهوم آخر للمحاصصة السياسية".

لكن مواطنين ومراقبين في المحافظة تخوفوا حينها من "اشتعال أزمة يذهب البسطاء ضحيتها"، لكون أغلب المدراء المشمولين بقرار التغيير "يحضون بدعم سياسي وعشائري كبيرين"، قبل أن تعيق الخلافات السياسية تطبيق القرار حتى الآن بعد فشل مجلس المحافظة بعقد جلسة لمناقشته.

في حالات أخرى، تدخلت عشائر شخصيات سياسية أو مسؤولين حكوميين عندما تم اعتقال أبنائهم، لـ "رد الظلم عنهم"، في ظل التشكيك بنزاهة بعض الجهة الأمنية أو ولائها، كما حصل مع الأمين العام لـ "كتائب أبو الفضل العباس" أوس الخفاجي، الذي اعتقل في 7 شباط/ فبراير الماضي، على يد قوة من أمن الحشد الشعبي بتهمة "انتحال صفة قيادي في الحشد"، وأغلقت مقره في الكرادة وسط بغداد بعد تكسير محتوياته.

عشيرة الخفاجي رأت أن اعتقال ابنها كان لموقفه المخالف لإيران وبعض قيادات الحشد الشعبي، فضلًا عن انتقاداته العلنية لتحالف بعض تلك القيادات مع شخصيات أخرى كانت مطلوبة للقضاء بتهمة دعم تنظيم "داعش"، وهو ما أعتبره "خيانة لدم الشهداء". العشيرة تظاهرت في بغداد وحاصرت مقرًا تابعًا لهيأة الحشد الشعبي للمطالبة بإطلاق سراح أوس الخفاجي الذي مازال معتقلًا ولا يُعرف شيء عن مكان احتجازه أو مصيره.

في البصرة، تدخلت عشيرة الرائد في مديرية مكافحة المخدرات علي المالكي لحمايته من تهديد أطلقه زعيم "جيش المختار" واثق البطاط، بـ"قلع عيونه وتحويل رأسه لنفاضة سجائر"، على خلفية اعتقاله رجل دين إيراني متهم بتهريب مادة الزئبق، الشهر الماضي، بدلالة اعترافات مجموعة مهربين كان قد ألقي القبض عليهم.

اقرأ/ي أيضًا: ضابط محتجز.. هدده معمم وحمته العشيرة!

شكّلت عشيرة الضابط إثر ذلك، طوقًا بشريًا حول منزل الأخير في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، وطالبوا الحكومة بحل القضية وفق القانون، قبل أن يجوب العشرات منهم شوارع المحافظة بسياراتهم واضعين عليها لافتات تحذر واثق البطاط وعشيرته من المساس بابنهم، الذي اعتقلته وزارة الداخلية قبلها بأيام. وفيما تم إطلاق سراح رجل الدين المتهم بالتهريب، مؤخرًا، لا يزال الضابط الذي نفذ عملية اعتقاله محتجزًا، في حين لم يتخذ أي إجراء بحق البطاط.

باتت قوة العشيرة وقانونها متفوقًا على أي قوة أخرى ما يثير إحباطًا لدى المواطنين الطامحين بدولة يحكمها القانون فقط

هذه الحوادث وغيرها، أثارت الاحباط في نفوس الكثير من العراقيين الطامحين للعيش في دولة يحكمها القانون فقط، كما يشير تفاعل ناشطين ومواطنين عبر صفحاتهم في فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن كيفية تحقق ذلك على يد سياسيين يلجؤون الى مقاضاة خصومهم عشائريًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيسبوك في العراق.. على قياس العشيرة وأزلام الحكم

العشائرية في الانتخابات العراقية.. الديمقراطية أثاثًا وضيافة