أثارت قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية في العراق الأخيرة، موجة استياء من قبل مواطنين يرون أن قرار الحظر سيؤثر على وضعهم المعيشي والذي جاء من دون حلول لأوضاعهم، فيما تزامنت القرارات مع الوعيد والتهديدات التي أطلقتها وزارة الصحة بفرض الغرامات واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين للتعليمات الوقائية، والتي تبدأ من يوم الخميس 18 شباط/فبراير الجاري.
يطالب مواطنون وأصحاب محال تجارية بمراعاة مصالحهم الاقتصادية نتيجة الأضرار التي ستطالهم بفعل الحظر
ويجري الحديث في العراق عن جدوى فرض "الإجراءات القاسية" كما السابق، كونها لم تسفر عن نتائج إيجابية بما يخص السيطرة على الوباء، فضلًا عن ضياع الفرصة الحقيقية لوضع نهاية الجائحة بعد الانخفاض الكبير الذي سجله الموقف الوبائي خلال الأشهر الماضية، وأن كان لـ"عدد مراجعة المصابين لمراكز الفحص فقط".
اقرأ/ي أيضًا: قرارات اللجنة العليا: حظر تجوال.. وتعليم إلكتروني في المدارس والجامعات
وحول ذلك، يعلّق استشاري علم الأمراض محمد إسماعيل مجيد، بالقول إن "العراق سبق ومر بمثل هكذا إجراءات حين كان بالإمكان السيطرة على انتشار الفيروس، والحد من الإصابات لو أغلقت المنافذ الحدودية بشكل منضبط لمدة أسبوعين فقط، وخاصة في شهر شباط/فبراير 2020، مبينًا لـ"ألترا عراق"، أن "المواطنين قاموا بكسر الإجراءات وتجاوز الحظر حينها بسبب قلّة الوعي الذي يعتبر العامل الأساس الأول لنجاح خطة مواجهة التفشي في أي بلد، وهو ما لم يتحقق في العراق رغم كونه أهم من قرارات فرض الحظر الجزئي أو الكامل".
ويوم السبت الماضي أكد وزير الصحة، حسن التميمي، أن "حظر التجوال سيكون شاملًا لـ3 أيام (الجمعة، السبت، الأحد) وجزئيًا لـ 4 أيام (الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس) في الأسبوع من الساعة 8 مساءً إلى 5 صباحاً، بعد تطبيق قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، مبينًا في مقابلة متلفزة تابعها "ألترا عراق"، أن "هناك قرار ثانٍ بغلق المولات والمطاعم بشكل كامل ووقف الدارسة لمدة أسبوعين، وقرار ثالث بتحديد الدوام الرسمي للموظفين بنسبة 50% فيما يكون للنساء الحوامل 25 بالمئة".
خسائر ومطالبات بحلول
وبالتزامن مع قرب تطبيق حزمة القرارات الحكومية لمواجهة جائحة كورونا، وبضمنها قرار حظر التجول، يطالب مواطنون وأصحاب محال تجارية الجهات المعنية بمراعاة مصالحهم الاقتصادية والأضرار التي ستطالهم بسبب الإغلاق الذي ربما سيطول، كما حصل في العام الماضي.
هيثم أحمد، وهو مالك محل لبيع الملابس الرجالية، يقول لـ"ألترا عراق"، أنه "سيضطر لدفع أجار محله الذي يقترب من 2000 دولار، رغم أنه سيلتزم بفترة الإغلاق التي ستكون 14 يومًا، مؤكدًا أن "حركة السوق باتت شبه معدومة بسبب تأخر الرواتب، وما أنتجته مخاوف الإصابات المرتفعة، حيث لم يتمكن من بيع 5 قطع خلال اليوم الواحد، مطالبًا بالوقت ذاته "الجهات الحكومية بوضع حلول ترافق الإجراءات الوقائية الصارمة التي ستدمر أصحاب المهن اليومية في الاسواق التجارية.
وكبدت خسائر الإغلاق الشامل أصحاب المحال، خسائرًا مالية كبيرة، بحسب سيف العبيدي، وهو صاحب محل للأزياء في بغداد، والذي يقول لـ"ألترا عراق"، إن "خسائر الإغلاق الشامل العام الماضي دفعوا بسببها آلاف الدولارات، لافتًا إلى أنهم "تضرروا بسبب مبالغ الإيجارات المرتفعة التي تكاد تصل من 5 إلى 6 آلاف دولار شهريًا في مناطق المنصور والكرادة وزيونة وغيرها من المناطق الرائجة للحركة التجارية في العاصمة".
لكن المواطنة سرى كريم، والتي تعمل بمهنة الخياطة المنزلية، ترى أن "قرار حظر التجول ربما يكون قد جاء بوقت مناسب بسبب تسجيل الإصابات المرتفعة بكورونا، لافتةً إلى "ضرورة عدم ضغط الجهات الحكومية على المواطن، وخاصة أصحاب الدخل المحدود بالإجراءات الصارمة لتمكينهم من توفير لقمة العيش اليومية"، قائلةً إنها "تفضل الموت بالمرض على الموت بالجوع".
وفي ذات السياق، يرى محمد حمزة، وهو صحاب مكتبة مستلزمات مدرسية، أنه "ضدّ فرض حظر التجول كونه لن ينفع بشيء، والإجراءات المتخذة لن تكون ذات فائدة أو تغير شيئًا من الواقع الحالي، وفقط ستجعل الناس تستشيط غضبًا بسبب إغلاق أماكن كسب أرزاقهم مع بقاء حركة تجولهم بشكل طبيعي عن طريق المشي أو الدراجات والتزاور بين المنازل".
مبيعات ستربح خلال الإغلاق
ومع أشارة مواطنين إلى أن الإغلاق سيضرهم، هناك أعمال تجارية تشهد تسجيل أرباحًا عالية خلال فترة حظر التجول المقبل، حيث سجلت محال بيع الدراجات الهوائية أرباحًا كبيرة نتيجة لرواج استخدامها من قبل المواطنين للتنقل بعد منع السيارات والدراجات النارية أثناء فترة حظر التجوال العام الماضي، فضلًا عن كونها رياضة صحية ضمن سلسلة الإجراءات الوقائية لمواجهة كورونا.
يقول خبير اقتصادي إن هناك قسوة كبيرة ستحصل بمبالغ الإيجارات للعقارات، وخاصة المنازل حيث لا يوجد أي قانون يحمي المؤجر من مبالغة صاحب العقار
محمد كريم، وهو صاحب محل لبيع الدراجات في بغداد يقول لـ"ألترا عراق"، إنه "في الحظر السابق قبل أشهر كنا نبيع قرابة 10 دراجات هوائية في اليوم بأسعار تتراوح بين 100 دولار للدراجات البسيطة و3 آلاف دولار لدراجات السباق (الكاربون فايبر)، بين المستعمل والجديد، مضيفًا أن "عملنا يعتبر من أكثر الأعمال التي استفادت من رغبة وثقافة الناس في تلك الفترة، وممكن حتى الفترة المقبلة بإقبال الناس على ركوب الدراجات ما يشكل عامل ربح لنا مقارنة بأعمال أخرى خسرت الكثير بسبب بور بضائعها وشح المتبضعين".
اقتراحات ربما تنقذ الوضع
من جهته، يشير الباحث الاقتصادي صادق محمد، خلال حديثه لـ"الترا عراق"، إلى "ضرورة تشكيل خلية أزمة مالية تكون مهمتها وضع مضار جائحة كورونا على الاقتصاد والقطاعات المختلفة، بضمنها التجارية وأصحاب المهن المتأثرة على طاولة، وتقدم لها الحلول اللازمة أو التعويضات للخسائر التي تتكبدها أو ستتكبدها مستقبلًا بالحظر المقبل".
اقرأ/ي أيضًا: الصحة تفرض غرامة 25 ألف دينار على كل من لا يرتدي الكمامة
وعلى سبيل المثال، يقول محمد، إن "هناك قسوة كبيرة ستحصل بمبالغ الإيجارات للعقارات وخاصة المنازل، حيث لا يوجد أي قانون يحمي المؤجر من مبالغة صاحب العقار بمبلغ الإيجار الشهري خاصة خلال هذه الظروف الاستثنائية، ما يدعو لضرورة وضع إجراءات عقارية رادعة تراعي احتياجات المواطنين أولًا قبل فرض القرارات المشددة، ومطالبتهم بتطبيقها حيث بعض المنازل البسيطة تصل مبالغ إيجارها لعشرات آلاف الدولارات".
وكان مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، قد قال في تصريح صحافي سابق تابعه "ألترا عراق"، إن "العراق يخسر 100 مليون دولار يوميًا من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، جراء تداعيات كورونا وتأثيرها على المرافق الاقتصادية"، مشيرًا إلى أن "الخسائر اليومية قد ترتفع فيما لو استمرت تداعيات الفيروس وتأثيراتها على الوضع الاقتصادي المحلي، خلال الفترة المقبلة".
ومن جهة أخرى أدت أزمة جائحة كورونا في العراق لزيادة نسب الفقر بشكل ملحوظ، وفقًا لما أعلنه وزير التخطيط خالد بتال في حزيران/يونيو 2020، حيث قال إن "النسبة بلغت 31.7 بالمئة بعد أن كانت بنحو 20 بالمئة عام 2018، موضحًا أن "تداعيات الفيروس تسببت بإضافة 1.4 مليون عراقي جديد إلى إجمالي أعداد الفقراء سابقًا والبالغ 10 ملايين شخص".
اقرأ/ي أيضًا:
العراق ينتظر 3 ملايين جرعة لقاح كوجبة أولى.. لمن ستكون؟
قلق في لجنة التربية قبيل قرار محتمل بتعليق دوام المدارس