08-يوليو-2022
الجامعة

أفتى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أمام جمع من الطلبة بوجوب "جهاد التبيين" العام الماضي، وعاد ليكرر حثه أتباعه على هذا الجهاد في كانون الثاني/يناير الماضي، متوجهًا للطلبة بعبارة "أدخلوا الميدان".

في العراق، بدأ "المجاهدون" بتلبية الفتوى، ربما قبل أقرانهم في إيران، يقف طالبٌ عشريني وسط باحة جامعة عراقية، ويقول للكاميرا بفخر إنّه أنهى للتو دورة تدريبية على يد عناصر الحشد الشعبي للتوعية ضد "العدو الأمريكي".

ترجع فكرة "حشدنة" الطلبة إلى سياق مشروع أوسع في العراق يهدف إلى تحويل المجتمع الشيعي إلى حاضن للفصائل الموالية لخامنئي

إنّها ليست فكرة فريدة على كل حال، فقد تلقى والد الطالب على الأرجح دورات مماثلة أيام سيطرة حزب البعث، قبل أن تسقط سلطته على مرأى ملايين من الذين تلقوا "دورات المقاومة" ثم اكتفوا بالتفرج على مشهد النهاية.

1

جديرُ بالذكر، أن التحديث الأخير لخطاب زعماء الإطار لا يتفق تمامًا مع توصيف للولايات المتحدة بـ"العدو الأميركي"، فالفصائل تستعد في هذه الأثناء لتشكيل الحكومة بمفردها كما حلمت دائمًا، وقد أوقفت هجماتها على السفارات، كما يطالب زعيم جماعة العصائب قيس الخزعلي، دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة بالاستثمار في العراق.

 

"أمة حشد".. لكن على الورق

تعود فكرة "حشدنة" الطلبة، إلى سياق مشروع طموح أوسع يستهدف التأثير في المجتمع الشيعي في العراق، وتحويله إلى حاضن للفصائل المسلحة الموالية لخامنئي.

استخدمت الفصائل أساليب قديمة تعود لفترة ما عُرف بالصحوة الإسلامية في بعض دول الجوار، كإضافة كلمة "إسلامي" إلى مختلف الشؤون المجتمعية كيفما اتفق، "المصرف الإسلامي، الترفيه الإسلامي، السينما الإسلامية..إلخ"، وعلى النحو ذاته، موّلت الفصائل مشاريع مثل شاعر الحشد، وأندية للرياضة الحشدية، وأسست "الحشد المدني" للولوج إلى التظاهرات، وقائمة طويلة من "وسائل الإعلام الحشدية".

تصل محاولة "الحشدنة" عبر المال الإيراني للتحرش بمجالات حساسة، مثل الحوزة العلمية الدينية في النجف.

نقلت الفصائل الولائية التمايز أيضًا إلى الأحزاب الشيعية ذاتها. مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أفتى المرجع كاظم الحائري المقيم في إيران، بحرمة انتخاب الأحزاب الداعية إلى دمج الحشد الشعبي في القوات الأمنية، وسارعت وسائل إعلام الفصائل إلى بث أسماء عدة "أحزاب حشدية" قالت إنها مما يحل انتخابه وفقًا للفتوى.

تستخدم الفصائل أساليب قديمة لترويج مشروع ولاية الفقيه وبلغت المحاولات حد التحرش بالحوزة الدينية في النجف

بعد إعلان نتائج الانتخابات، تذيلت أحزاب "أمة الحشد" قائمة الفائزين، واضطرت للتحالف مع "الأحزاب غير الحشدية"، رغم عزوف معظم العراقيين عن المشاركة في انتخابات سبقتها موجة اغتيالات ضد مناهضي الهيمنة الإيرانية على العراق.

 

الحشد الطلابي الجامعي

عام 2016، وبالتزامن مع إطلاق فكرة "الحشد المدني" التي اختفى معظم وجوهها أو غادروا البلاد، أعلن مقربون من إيران تشكيل "الحشد الجامعي".

بدأت الفعاليات داخل الجامعات عبر دورات لتدريب الطلبة على السلاح، وشاع بين الطلبة أن الانتماء إلى الحشد الجامعي قد يقود للحصول على وظيفة، بينما استقطبت الفكرة أيضًا آخرين راغبين بالحصول على سطوة الانتماء للفصائل.

1

 

فقدت برامج الحشد الجامعي ذريعتها مع إعلان القوات العراقية النصر على تنظيم داعش، غير أن الفصائل أعادت تفعيل نشاطها داخل الجامعات بعد تظاهرات العام 2019، التي رفعت شعارات ضد الفساد وسوء أحوال البلاد وهيمنة سلاح الفصائل والنفوذ الإيراني.

وبعد إلحاح خامنئي في أكثر من مناسبة على ضرورة إطلاق "جهاد التبيين" في الجامعات، انتعشت برامج الحشد الجامعي في العراق مجددًا.

 

"العراق صنم فلسين ما يسوى.. الأصل هو خامنئي"

يقول أحد أبرز أتباع مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والمحرضين على الترويج داخل جامعات العراق، إنّ "الوطنية على حساب ولاية الفقيه لا تساوي شيئًا، وأنّ الوطنية يُمكن استخدامها فقط إذا كانت في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، لكن ليس ضد الولي الفقيه نائب الإمام المهدي على الأرض".

ينقسم المروجون للمشروع بين تيار "ولائي" واضح يرى ضرورة الجهر بـ "جهاد التبيين" وآخر يحرص على تخفيف العبارات واستخدام صور السيستاني

يمثل هذا الخطاب اللسان الجهادي الولائي الأوضح، في قبالة تيار آخر، يرى ضرورة النشر والترويج التدريجي للولائية بين صفوف العراقيين، وتخفيف العبارات وتطعيم الفعاليات ببضع صور للمرجع السيستاني وأعلام العراق، لكن التيار المتشدد يعتقد أنّ الوقت غير كاف.. وأنّ لابد من الجهر بالدعوة "فتوى جهاد التبيين فريضة قطعية فورية، يجب أن تغلي الدماء وألاّ نكون هادئين" يقول رجل دين من مسؤولي الترويج لخامنئي في العراق.

 

مَن يوعّي مَن؟

تواجه الفعاليات الفصائلية متاعب واعتراضات بين حين وآخر، يخشى معظم الطلبة إظهار التحفظ، خشية تأشير أسمائهم كـ "معادين لولاية الفقيه"، كانت هذه التهمة الأولى التي قادت كثيرين إلى حتوفهم برصاص الكواتم. لكن رغم هذا، لا تسير الأمور بسلام بالنسبة للحشد.

يكرر القائمون على مشاريع الحشد الجامعي عبارة "إننا هنا لتوعية الشباب"، لكنهم يأتون بعناصر فصائل مسلحة بعضهم لم يدخل جامعة من قبل، أو حصل على ما يُعرف بـ"دكتوراه لبنانية أو إيرانية" وهي شهادات تحصل عليها شخصيات فصائلية من جامعات مثيرة للجدل.

يحاضر "دكاترة الفصائل" أولئك على طلبة الجامعات العراقية لمنحهم "الوعي" لكن هذا يصطدم مرارًا بتباين الوعي والثقافة بين طلبة الجامعات العراقية، وعناصر الفصائل، فما الذي يستطيع عنصر فصائلي استمع إلى بضع خطب للمرشد الخامنئي وأتباعه، أن يضيفه لطالب عراقي في رصيده آلاف القراءات من الأدب والعلوم ونظريات نشأة الكون؟

8

 

بيع الماء في "حارة السقايين"

من جانب آخر، لا تبدو دعوة شبان عراقيين للانضمام إلى معسكر "نائب الإمام المهدي" فكرة مثيرة، ربما تبدو كذلك بالنسبة لشبان حديثي التشيع في أفريقيا أو آسيا، أما العراقيون فإنهم يعيشون منذ قرون وسط الأفكار والدعوات والحركات المهدوية، ويندر أن يمر قرن على العراق دون ظهور حركة تعلن اتصال زعيمها بـ"الإمام الثاني عشر الغائب".

دفع ضعف تفاعل الطلاب مع "دكاترة الفصائل" إلى تقديم محاضرات مستنسخة عن التنمية البشرية وصناعة القادة والاستعانة بتدريسيين مخضرمين

يدفع برود الطلبة العراقيين في التعاطي مع قصة "وجوب طاعة نائب المهدي" الإيرانية، الفصائل إلى تقديم وجبات أخرى، ولذا فإن كثيرًا من فعاليات الحشد الجامعي بدأت تركز على إلقاء محاضرات مستنسخة عن التنمية البشرية وصناعة القادة وغيرها من الموضوعات.

 

"دعونا نقيم حفلة الصور"

بسبب فشل العديد من فعاليات "جهاد التبيين" التي نظمتها جماعات الحشد الجامعي، تستعين الفصائل بتدريسيين مخضرمين لا ينتمون إلى الأجواء الإيرانية، خاصة مع ضعف إقبال الطلبة على حضور الجلسات التي تديرها شخصيات تابعة للمجاميع الحشدية.

يقول تدريسي مخضرم في إحدى جامعات جنوب العراق، إنّه يجيد التعامل بهدوء مع "هوس" الحكام في الولوج إلى الجامعات "لديهم أفكار كلاسيكية عن غسيل الأدمغة، يعتقدون أنّه بمجرد تكثيف حضورهم وحديثهم إلى الطلبة فسيتمكنون من إنشاء جيل موالٍ، هذه الأساليب لم تعد تعمل الآن، وهي لم تكن مجدية حتى في زمن النظام البعثي، بل على العكس، يتسبب هذا الترويج بردود فعل عكسية خاصة وأن شريحة الطلبة تكون من فئات عمرية يصعب الاحتيال عليها أو استمالتها".

ويضيف: "تتم دعوتي للمشاركة في دورات الحشديين، ولا أمانع، ألقي محاضرتي في مجال عام وأغادر، وأطلب من كوادر قسمي دائمًا عدم الاشتباك مع عناصر الفصائل، بل تمكينهم من فعل ما يريدونه ثم إنهاء الحفلة بأسرع وقت، إنّهم في النهاية مكلفون بالتقاط بضع مقاطع مصورة تظهر تدريسيين يلقون محاضرة داخل جامعة وخلفهم صورة أو اثنتين للخامنئي والخميني.. ثم إرسالها إلى جهاتهم العليا، نحن نمنحهم ذلك ثم نودعهم دون أن نتسبب بأي إرباك، مادامت الوزارة على علم بما يجري ولا تريد التدخل، فليس بإمكاننا كتدريسيين أو رؤساء أقسام أو عمداء أن نقاوم هؤلاء". ويختم "يفضلون في الآونة الأخيرة ارتداء اللون الزيتوني.. إنه ليس لون حظ بالنسبة لتجارب أسلافهم".

8

 

وزير طموح و"مؤدب"

يمتنع متحدثو وزارة التعليم منذ سنوات عن التعليق على نشر ولاية الفقيه في الجامعات.

يدير الوزارة منذ أيار/مايو 2020، الوزير نبيل عبد الصاحب، وهو شخصية مسلكية، سيكون من الطبيعي أن يطمح للبقاء في وزارته بعد رحيل حكومة مصطفى الكاظمي، أو الاستمرار بالتنقل بين المناصب الرفيعة كما اعتاد وفقًا لسيرته، ولذا يكتفي عبد الصاحب بالتفرج على "جهاد التبيين" الحشدي داخل جامعاته، دون أن يفعل ما "يُغضب الأسياد"، تمامًا كما هي سياسة رئيس حكومته ومعظم زملائه في الكابينة.

سعد

تركز الفصائل جهودها على محافظة البصرة الغنية بالنفط والثروات، ولجامعة البصرة حصة الأسد في الفعاليات الولائية. لا يحتضن رئيس الجامعة سعد شاهين صورة القائد الأسبق للحشد الشعبي أبو مهدي المهندس فحسب، بل تحتضن مباني الجامعة أيضًا فعاليات متكررة.

يكتفي وزير التعليم بالتفرج على "جهاد التبيين" الحشدي داخل الجامعات فيما تركز الفصائل جهودها على محافظة البصرة مقابل نشاط أكثر تحفظًا في النجف وكربلاء وبغداد

يبدو النشاط أكثر تحفظًا في جامعات النجف، وأكثر وضوحًا في جامعات كربلاء وبغداد، لاسيما المستنصرية، وكذلك في صلاح الدين وديالى.

في إحدى المنشورات الموزعة على الطلبة، يظهر آخر تحديث لطريق تحرير القدس، حيث يمر من كربلاء كما يتخيله الخميني، لكنه يستدير وفق الخارطة الأخيرة نحو بغداد قبل أن يتجه إلى فلسطين.

8