لم يمضِ على تكليف رئيس الوزراء العراقي الجديد، عادل عبد المهدي، أكثر من 30 يومًا حتى وجه انتقاده إلى شبكة الإعلام العراقي، والتي تأسست عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق. وكانت الشبكة في بدايتها تخرج على العراقيين من نافذة واحدة هي قناة العراقية، إلى جانب صحيفة الصباح. وتطوّرت فيما بعد لتضم نوافذ أخرى من قنوات تلفزيونية معنية بالشأن الاجتماعي، ومحطات إذاعية، إضافة إلى مجلات ثقافية.
حتى لا تفقد الشبكة مسارها في دعم حزب الدعوة، بقي رؤساء شبكة الإعلام العراقي دائمًا من المقربين لحزب الدعوة، أو من المنتمين إلى الحزب
وشبكة الإعلام العراقي هي المؤسسة التي تعرف عراقيًا بـ"الرسمية" التابعة للإعلام الحكومي، أو "قناة الدولة"، أو الناطقة باسمها، بالرغم من أنها وفق القانون العراقي تعتبر "هيئة مستقلة"، كما جاء في قانون شبكة الإعلام العراقي الذي أقره مجلس النواب في أيار/مايو 2015، والذي ينص على أن "تؤسس هيئة مستقلة بموجب المادة 108 من الدستور العراقي تسمى شبكة الإعلام العراقي، وتتمتع بالشخصية المعنوية، وتعمل طبقًا لمبادئ الاستقلالية والتنوع والتميز، وتعكس القيم الديمقراطية، وترتبط بمجلس النواب".
اقرأ/ي أيضًا: شبكة الإعلام العراقي.. صراع التجديد والمُحاصصة
وكان انتقاد رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، موجهًا لشبكة الإعلام، بعد أن التقى بمجموعة من النخب في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، وكان من ضمن الجالسين مقدمة برامج في شبكة الإعلام العراقي، كانت تنتظر منه الإطراء على الشبكة ودعمها كما جرت العادة من رؤساء الوزراء السابقين، لكنه وجه انتقادًا شديدًا لشبكة الإعلام العراقي، ووصفها بـ"غير الحيادية والمنحازة".
وأضاف عبدالمهدي أنّ "الانتخابات والأحداث المهمة كشفت عدم حيادية شبكة الإعلام وتحزبها وانحيازها للمسؤول"، قائلًا: "نستطيع أن نقول عنها حيادية حين نرى انتقادات لرئيس الوزراء والمسؤولين في الحكومة"، لافتًا إلى أن "الحكومة ستعمل على استثمار أموالها في شبكاتٍ تلفزيونيةٍ مستقلة لتعزيز دور الدولة".
"الناطقة باسم حزب الدعوة"
يحكم العراق حزب الدعوة الإسلامية منذ 2005 وحتى 2018. وطوال هذه المدّة كان ثلاثة رؤساء وزراء حكموا البلاد، هم: إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، من حزب الدعوة. وكانت شبكة الإعلام العراقي طوال هذه السنين، وبحسب وصف منتقديها "جعفرية في أيام الجعفري ومالكية في أيام المالكي وعبادية في أيام العبادي"، في إشارة إلى أنها لم تكن عراقية مع العراقيين دون مؤثرات السلطة وإرادتها.
وحتى لا تفقد الشبكة مسارها في دعم حزب الدعوة، بقي رؤساء شبكة الإعلام العراقي دائمًا من المقربين لحزب الدعوة، أو من المنتمين إلى الحزب، وهذا ما يؤكده تصريح صحفي في وكالة محلية لرئيس مركز الحريات الصحفية، هادي جلو مرعي، الذي قال، إن "أغلب روؤساء شبكة الإعلام العراقي هم مقربون من حزب الدعوة"، موضحًا أن "رؤساء الشبكة: حبيب الصدر ومحمد عبد الجبار وعلي الشلاه ومجاهد أبو الهيل، خير مثال على ذلك"، ومشيرًا إلى أن "اختيارهم خضع إلى معايير سياسية واضحة".
الفصل وإنهاء الخدمات دفاعًا عن السلطة!
ولا يقتصر عمل شبكة الإعلام العراقي في دفاعها عن السلطة من خلال ما يعرض على شاشتها ونوافذها الإعلامية، إنما تلاحق العاملين فيها حتى على صفحاتهم بفيسبوك، ومن يكتب خلاف توجهها السياسي قد يكون عرضة للفصل وإنهاء خدماته.
وفي واحدة من الاحتجاجات الغاضبة التي خرجت في البصرة مطلع تموز/يوليو 2018، على نقص الخدمات وتفشي البطالة وتسمم المياه، خرجت بغداد تضامنًا مع المحتجين هناك، لكن التظاهرات ضربت بالغاز المسيل للدموع، وعلى إثرها، كتب الشاعر والقيادي في الحركة الاحتجاجية، أحمد عبد الحسين، منشورًا غاضبًا انتقد فيه حزب الدعوة الإسلامية وشخوصه والحكومة التي يعتبرون حكامها.
وكان عبد الحسين سكرتير تحرير مجلة الشبكة، التابعة لشبكة الإعلام العراقي، وبعد يوم واحد من المنشور جاء كتاب تعهد من المؤسسة يطلب منه عدم المساس بـ"الرموز السياسية للبلد"، لكن عبد الحسين رفضه قائلًا، إنني "أمتنع عن توقيع هذا التعهد، لأنه اعتداء على حريتي ويمثل قمعًا للرأي، خاصة وأن ما كتبته لم يكن ضمن مطبوع يخص الشبكة بل في صفحتي الخاصة في فيسبوك".
ولم يمض على امتناع عبد الحسين يوم واحد، حتى أظهرت وثائق صادرة من رئيس شبكة الإعلام العراقي، مجاهد أبو الهيل، في 25 تموز/يوليو الماضي، إنهاء خدمات أحمد عبد الحسين، لأسباب تتعلق بمساندته للاحتجاجات الغاضبة في المحافظات العراقية.
رغم أن قنوات شبكة الإعلام العراقي تبث من بغداد بما فيها من أحداث، إلا أن تغطياتها تبدو كأنها تنقل واقعًا أوروبيًا!
ولم يقتصر الأمر على عبد الحسين، إنما خرج منها الكثير من الصحفيين ومقدمي البرامج والمحررين بسبب آرائهم السياسية المناهضة للسلطة سواء في استخدام وسائل الضغط عليهم، أو أتباع وسائل لإنهاء خدماتهم وفق خدع قانونية تختلقها إدارة الشبكة.
الواقع الأوروبي!
وفي صعود الأزمات في البلاد وانهيار الأمن والاستقرار، لم تظهر القنوات التابعة للشبكة إلا بهدوء ونسق يبعث على الاطمئنان! ورغم أنها تبث من بغداد، لكن واقعها يبدو أوروبيًا، كما يصفها مراقبون.
وفي واحدة من حالات السخرية ضد ما يظهر على القنوات التابعة لشبكة الإعلام العراقي، يقول أحد العراقيين في منشور كتبه على صفحته بفيسبوك: "أتمنى أن أعيش في العراق الذي يظهر على قناة العراقية!".
اقرأ/ي أيضًا: