13-أكتوبر-2019

ساحة التحرير وسط بغداد (Getty)

(1)

ثمة دمٌ أيها الشتاء

دمٌ كثير وزبَدُ رئاتٍ وقيءٌ وغازٌ قاتل

أصداءُ هتافاتٍ عالقةٌ في الميادين

أصداءُ موتٍ ولوعةٍ 

ثمة حزنٌ لن تضاهيه كآبتُك الرماديةُ

لا غيمَك الثقيلَ، ولا حشرجتَك الراعدةَ المبللة

ثمة بذرةُ حريةٍ تناقلتها الأيادي

من زقاق لشارع ومن ميدان لمقهى ومن مدينة لبلدة

تخضبتْ بالدمِ مرةً، ودهستها العجلاتُ مرةً

وتفتقَ جلدُها خوفًا من القنابل والرصاص

بذرةٌ سقطَ عند تربتِها المئاتُ ولم تُغرس

ولو أنها أطلقتْ برعُمَها الأخضرَ ما كنتَ لتأتي

لكنها، في عزاءِ الأحرار تخبئُ نفسها، تنزوي في صورة 

وتضيعُ في كلمات مقال أو قصيدة

لكنها، هاربةٌ من كلابِ الصيدِ المرقطة 

خائفةٌ ممن يشتريها، ومن يمررُ سكينَهُ العفنَ على وجهها الأبيض

خائفةٌ من نفسها، أن تموتَ قبل أن تمدَّ للشهداءِ ظلًا

خائفة أن يذهبَ الدمُ إلى المجرى سدى.

(2)

ثمة دمٌ أيها الشتاء

وأسلحةٌ كثيرةٌ وقتلةٌ أكثر

كان شارعُ السعدون في أواخر الصيف، مضمارَ ركضٍ

وقنابلُ الغاز تأتي من الجهات الأربعِ

ثم يعقبُها الرصاصُ

فيسيل الدمُ على الرصيف

أمام الحانات والمقاهي والفنادق ومحال بيع السجائر والدجاج المجمد

يسيلُ قربَ المساجدِ وبين إطاراتِ السيارات المركونة 

بين أقدام السابلة وقرب حاويات الأزبال

يسيلُ على أرجل الكلاب والقطط، يسيل حتى من السماء ويصبُّ في حديقة الأمة

وكان دم مشابه يأتي من (السنك)، وآخر من الزعفرانية، وآخر من الحي العامل 

ومن مدينة الصدر، كان الدم يأتي إلى التحرير أسودَ، مخلوطًا بدخان الإطارات المحترقة وصبغة الأقمشة الرخيصة التي ترتديها الأمهات، كان الدمُ يأتي حاملًا صوت الصغار: الشعب يريد إسقاط النظام

ذهب الصيف وهدأ الرصاص وبقيَ الدمُ، وها أنت تأتي

لا تغسلْ الدمَ أيها الشتاء، ثمة جولة أخرى سيسيل فيها دمٌ كثيرٌ، ادخرْ أمطارَك

لا نريدُ الآن أن ننسى.. 

 



اقرأ/ي أيضًا: 

في رفعة العلم

أحبكِ مكسوًا بالشقاء

دلالات: