26-أكتوبر-2015

من أوديب ملكًا

ينشغل المخرج المسرحي العراقي عباس رهك (1983، بابل)، بإخراج المسرح من العلب المغلقة إلى الفضاء المفتوح، بات هذا الأمر شغله الشاغل طوال الأعوام الماضية، التي قدّم فيها عروضًا مسرحيّة في أماكن لا تخطر على بال أحد، وفي محافظة انغلقت على ذاتها طوال العقود الماضية، لكونها هامشًا ضعيفًا أمام قوية مركزية العاصمة بغداد في العمل الثقافي عمومًا، والمسرحي بشكل خاص.

لا يُراهن المسرحي العراقي عباس رهك على تقديم مسرح مختلف فحسب، بل على على جمهور صبور أيضًا

من خلال هذه الفضاءات المفتوحة والمتعدّدة، قدّم رهك أعمال "كشكول حضاري" عام 2001، وكان قد اتخذ "بر سيبا"، أو ما يعرف بـ"برج بابل" فضاءً للعمل، وقدّم أيضًا "مغامرة كونية" عام 2012 التي عرضها ضمن فضاء محطة قطار مستخدمًا القطارات كعنصر من عناصر العرض من خلال تحريكها ضمن سياق العمل، بالإضافة إلى مسرحية "أقنعة تحت الحمراء" في 2013، حيث اتخذ من نهر الفرات فضاءً أسياسيًا مستخدمًا القوارب والسفن الصغيرة والكبيرة  كجزء من سينوغرافيا للعرض.

في 2014، بدت أعمال رهك تأخذ منحى آخر حين قدّم عمل "نبوءة الالماني" لبيتر هاندكة، إذ اتخذ الفناء الخلفي لكلية فنون جامعة بابل فضاء، وهو مكان تُجمع فيه الأنقاض، حيث حاول "التركيز على المهمل واللامفكر فيه". على هذا المنوال، وفي الأماكن الغريبة والبعيدة والنائية والمهملة، ظلّ يعمل بصمت. لا أضواء تُسلّط عليه، لكون بغداد فقط المركز، أما المحافظات الأخرى فهوامش على جسد الخريطة العراقيّة لا يبالي بها أحد.

الشهر الماضي، أقدم رهك على تقديم "أوديب ملكًا"، وكان قد راهن على صبر الجمهور أكثر، إذ عُرض العمل في ثلاثة أماكن مُتباعدة. المكان الأول كان معمل "كورة" للآجر، حيث قدم المخرج دقائق وسط مفاجأة سكان المنطقة. قال رهك لـ"الترا صوت" إن "المعمل رمز لولوج وانتهاك الرمز الأنثوي بعد أن تم هجره وهذا ينطبق على باقي الفضاءات"، وفي هذا مقاربة بين ثيمة الجنس المحرم وانتهاك أوديب لحرمة الأم بعد قتل الأب. الفضاء الثاني كان بناية محافظة الحكومة المحلية، التي لم يكتمل بناؤها بسبب شبهات فساد تلاحق المسؤولين، أما المكان الثالث فقد كان قصر صدام حسين في منتجع آثار بابل، وهو مهجور بالكامل أيضًا.

وقد وصف رهك التنقّل بين المكانين الأخيرين بأنها "محاولة لخلق بيئة حقيقية تمثّل السلطة للملك أوديب تحقق في العرض"، لافتًا إلى أنه "إذ كانت دلالات القصر تمثل هيمنة واضحة وقوية ومؤثرة للمتلقي". الغريب في كلّ هذا، أن رهك لا يُراهن على تقديم مسرح مختلف، وإنما يُراهن أيضًا على جمهور صبور، إذ أخذ يتنقّل بالباصات لمشاهدة مسرحيّة موزعّة أشلاء على ثلاث أماكن، مثّلت رموزًا مختلفة عن السلطة في بلاد ما بين النهرين.

بنات بغداد.. التداوي بالمسرح

إعزيزة.. تمائم أرض السواد