03-يونيو-2018

بدأت مناسيب المياه تنخفض بشكل كبير في نهر دجلة (أرشيفية/ ناشونال جيوغرافيك)

بعد إعلان تركيا عن إكمالها بناء سد إليسو في كانون الثاني/يناير 2018، بدأ الخوف ينتشر في الأوساط العراقية؛ إنه الخوف من العطش والجفاف، وتحوّل الأنهار إلى صحراء جرداء، بعدما كانت العنوان الأبرز للعراق، الذي كان يطلق عليه في الحضارات القديمة "ميسوپوتاميا"، بمعنى بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين. شهد العراق إضافة إلى بناء السد التركي، موسم شحيح في الأمطار، وهو بحسب المختصين، ينتظره صيف قاسٍ وشديد الحرارة. 

تفاعل العراقيون على السوشيال ميديا مع ملء سد إليسو التركي على نهر دجلة، بانفعال واضح ولوم للسلطات العراقية على فشلها في هذا الملف

حاولت الحكومة العراقية تأجيل عملية ملء سد إليسو التركي، الذي يقع جنوب شرق تركيا، أي على الحدود مع العراق، والذي كان من المقرر ملؤه في آذار/مارس الماضي. لكن الحكومة حصلت على الموافقة في تأجيل عملية ملء السد إلى حزيران/يونيو الجاري.

اقرأ/ي أيضًا: سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين قريب

ومنذ مطلع الشهر، تفاعل عراقيون مع ظهور أنباء عن بدء ملء السد، على مواقع التواصل الاجتماعي. كان الانفعال باديًا في المنشورات والتدوينات التي تلوم الحكومة العراقية على أنها "لم تعرف كيف تدير هذا الملف" في علاقاتها وسياساتها الخارجية، فضلاً عن مجمل عن النظام السياسي الذي كان سبباً في هذه الأزمات، وتفتت الهويات التي لم تنتج بدورها هوية وطنية موحدة تواجه الأزمات بشكل وطني واضح، إضافة إلى محاولة إرسال الرسائل إلى المجتمع ليترك الهويات الفرعية ويتجه نحو الهوية الواحدة التي ستخلص الناس من الأزمات أو تجعلهم يتعاملون معها بمسؤولية كبيرة.

تعدد الهويات وغياب الإرادة الوطنية

أحمد عبد الحسين، الشاعر والناشط في حركات الاحتجاج، كتب منشورًا على صفحته في فيسبوك بعنوان: "قبل أو ربما بعد فوات الأوان"، قال فيه إن "أزمة المياه التي تنتظرنا، مثلها مثل أزمة الكهرباء، ومثلها أزمات الفقر والبطالة والفساد والمحاصصة وضعف الدولة وتغوّل الفصائل المسلحة وارتهان القوى السياسيّة لدول بعيدة وقريبة؛ كلّها أزمات عابرةٌ للهويّة، أكبر من أيّ انتماء، لا يستطيع أحدٌ الدخول عليها بشعار إسلاميّته أو علمانيّته أو إيمانه بالله أو إلحاده به".

وأضاف عبد الحسين: "التحديات العابرة للهويّات -وكلّ التحديات التي تجابهنا هي من هذا الصنف- تستلزم ذواتاً لا تستحضر هوياتها كلّ حين. بل أجزم أن سبباً كبيراً في بقاء أزماتنا واستفحالها هو تكاثر عدد الذين يرفعون هوياتهم شعاراً في مواطن كان يجب، يجب، يجب أن تغيب فيه هذه الهويات النابذة التي لا تصلح إلا للاحتراب".

أحمد سعداوي، مؤلف رواية "فرانكشتاين في بغداد"، أشار في منشور على صفحته بفيسبوك إلى أن سد إليسو والـ30% من مياه دجلة التي تأتي من إيران، و"خنق منافذنا البحرية على الخليج، وتسلط الواليين الإيراني والأميركي على حياتنا؛ كلها أثمان مكلفة لغياب الإرادة الوطنية".

وأضاف السعداوي: "لا شكّ أننا نلنا الحرية في 2003، حرية أن نتصارع ونتصادم في ظلام الأسئلة، حريّة أطفال صغار يواجهون (خوشية) العالم مفتولي العضلات، حريّة أن يقتل بعضنا البعض الآخر بحثاً في أجساد المقتولين عن أجوبة".

وقال أيضًا: "لا أريد أن أكون يائساً وباثاً لليأس. لقد ولدت الإرادة الوطنية خلال السنوات الأخيرة حقاً، ولادة عسيرة، ولكنها لن تنتصر في أي من معارك اليوم. سنحتاج إلى سنوات قادمة أكثر، والى أثمان مكلفة أكثر، حتى يصلب عود هذه الارادة الوطنية وتستطيع أن تدفع خوشية الجيران والعالم بعيداً عن أبوابنا". والخوشية تعني البلطجي أو صاحب القوة المنفلتة، كما هو دارج في العراق.

وزير الموارد المائية "القادم من الجهل" 

لدى وزير الموارد المائية، حسن الجنابي، حساب على فيسبوك يتفاعل به مع من يتابعه، ويرد عليهم، لكن ما أثار سخط متابعيه والعراقيين الذين يترقبون حلول لأزمة المياه بخوف كلامه على تعليق قيل فيه: "راح نشتري خزانات من الآن ونخزن"، حيث رد الوزير: "إجراء صحيح"!

عبد الخالق حسن، وهو أستاذ في جامعة بغداد، كتب في منشور وضع فيه تعليق الوزير في صورة وقال: "رد وزير الموارد المائية على تعليق لأحد المواطنين في صفحة الوزير الشخصية. ما أعرف شنو أقول. بس هذا البلد فعلاً ورطة كبيرة تورطنا بها ولا من منقذ!"

وحين سألنا عبد الخالق حسن عن أسباب سخطه من تعليق الوزير، قال لـ"ألترا صوت": "في بلادنا التي يرتجل فيها المسؤولون المواقف بلا تخطيط حقيقي، يصبح رد الوزير طبيعياً لأننا اعتدنا الفشل الحكومي. نادراً ما نجحت مشاريعنا أو أنها إن حققت النجاح فإنه نجاح منقوص".

وأضاف: "صفقنا للوزير حين كان يقود ملف الأهوار في اليونسكو، لنكتشف أن وزيرنا التكنوقراط لا يختلف كثيراً عن الوزير الحزبي القادم من الجهل، كلاهما يقودان بعقلية شرقية ارتجالية".

واجه وزير الموارد المائية العراقي هجومًا حادًا على فيسبوك لأنه "لم يؤدي واجبه بالشكل الصحيح" في ملف مياه دجلة والسد التركي

السخط الذي يلاقيه الوزير بفيسبوك، بحسب اعتقاد الناشطين، لأنه لم يؤد واجبه بشكل صحيح في إنقاذ العراق من الجفاف الذي ينتظره، والعطش الذي سيأكل أنهاره، إضافة إلى طمأنته المستمرة للناس، والتي تخفي بحسب رأيهم كارثة وراءها. لهذا دعا بعض الناشطين إلى تظاهرات، لأن السكوت لا يجدي ولا ينفع في ظل خطر قادم.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. بيئة خصبة للإفلات من العقاب

دعوة إلى التظاهر وقطع العلاقات  

منتظر ناصر، رئيس تحرير صحيفة العالم الإلكترونية، وضع صورة انتشرت كثيرًا على فيسبوك، عن بداية التجفيف في نهر دجلة، وكتب في منشوره "منظر الرافدين يقطع القلب بعد ساعات على تشغيل سد إليسو التركي غير الشرعي، وصورتهما اليوم ترسم مستقبلًا قاتمًا لموطنهما الأصلي ولأجياله اللاحقة التي ستعيش على هذه الارض الرائدة في الحضارة".

وأضاف ناصر: "لابد من تحرك وطني شامل يشترك فيه كل قطاعات الشعب من سياسيين ومنظمات ومؤسسات ضد هذه الجريمة الفريدة من نوعها في خنق العراق، والابتعاد عن البكائيات ونبذ العتب واللوم وعدم الاكتفاء بنقد السياسيين وشتم كتلهم". 

واقترح أنه "لا حل إلا بالخروج في تظاهرات ميدانية وافتراضية للضغط على تركيا وعلى الحكومة العراقية لحثها على تدويل القضية، وانتهاج كل السبل القانونية والسياسية والاقتصادية لمقارعة هذا الإجراء الاجرامي بحق شعبنا ووطننا".

لكن زياد الدليمي، وهو مدون، دعا في منشوره إلى استخدام صفحات فيسبوك للضغط على الحكومة العراقية ورئيس الوزراء حيدر العبادي، لـ"الرد على تركيا وإعلان مقاطعة رسمية وفرض ضرائب عالية على البضائع التركية وإغلاق الأجواء مع تركيا".  

بدأت مناسيب المياه تنخفض بالفعل في نهر دجلة شمالي بغداد، حتى أصبح بإمكان الناس المرور عبر النهر دون أن تغطي مياهه أرجلهم!

وتأتي هذه الدعوات في مواقع التواصل الإجتماعي، مع صمت من قبل الحكومة العراقية، في حين بدأت مناسيب المياه تنخفض بشكل فعلي في دجلة من جانب الكريعات شمالي بغداد، وقد انتشر مقدع فيديو على فيسبوك لشباب وهم يسيرون وسط النهر، وهو لم يغط حتى أرجلهم، بعد أن كانت مياهه سببًا في غرق الكثيرين من قبل ذلك، وكانت أمواجه تُسمع عن بعد في مناطق بغداد!

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتجاجات الكهرباء في كربلاء.. أيادٍ حزبية وراء الفوضى وتشويش الحراك

الكفر بالدولة في العالم العربي.. العراق نموذجًا