24-فبراير-2023
آثار

منظر لمدينة بابل القديمة (Getty)

اعتلى حمورابي، "الولي الشافي"، عرش بابل قبل أكثر من 3800 عام، وحكم في الفترة الممتدة بين (1792 - 1750 قبل الميلاد). خلال فترة حكمه توسعت الإمبراطورية البابلية لتشمل العراق والكويت وأجزاء من تركيا وسوريا.

خلد حمورابي اسمه المقترن بما يعرف اليوم بـ "شريعة حمورابي"، وهي نصوص قانونية تتضمن أكثر من 282 مادة كتبت بالخط المسماري على نصب من حجر الديورانت الأسود يبلغ ارتفاعه أكثر من سبعة أقدام، كان قد عثر عليه الباحث الفرنسي جاك دي مورغان في عام 1901، وما زال محفوظًا في متحف اللوفر في باريس.

2
مسلة حمورابي المحفوظة في متحف اللوفر

 

النظرة الأولية إلى قانون حمورابي تؤكد بما لا يقبل الشك، أنّ مواده القانونية وعقوباته لا تتناسب مع روح العصر الحالي، خاصةً بما تشتمل عليه من عقوبات جسدية قاسية، كما تشير دراسة تاريخية جديدة.

تبيّن النظرة الأولية إلى قانون حمورابي إلى أن مواده القانونية وعقوباته لا تتناسب مع روح العصر الحالي

تقول أستاذة التاريخ في جامعة فيلانوفا الأمريكية كيلي آن دايموند، "قد تبدو بعض قوانين حمورابي شديدة القسوة، بل وحتى بربرية، إذ ما قيست بقوانين العالم اليوم، كعقوبة الإعدام وبتر الأذن وغيرهما، لكن الرأفة والرعاية والضمان للفئات المهمشة اجتماعيًا تظهر في مواد قانونية أخرى".

وتضيف دايموند، أنّ "في قانون حمورابي الإشارة الأولى إلى ما نسميه اليوم بقانون (النفقة) للزوجة المطلقة، كما أنّ القانون جاء بواحد من أهم المبادئ القانونية التي ما زالت متبعة في المحاكم الأمريكية اليوم، وهو مبدأ (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)".

1
حمورابي كما تصوره النحات الأمريكي توماس هدسون جونز 1950 - نحت من الرخام في مبنى الكونغرس الأمريكي

 

وبالنظر إلى المسلة الحجرية التي دونت عليها القوانين، يظهر بوضوح هيئة الملك حمورابي وهو يتلقى القوانين من "شمش"، إله الشمس في العراق القديم وقاضي الآلهة والبشر. ساعد هذا النقش في الترويج لصورة حمورابي كحاكم استمد قوته وقانونه من الآلهة، لكن العلماء يقولون إنّ قانونه ظهر في سياق تطوري طبيعي لقوانين سبقته مثل قانون "أور نمو"، وقانون "لبت عشتار"، وقانون "إشنونا".

قد تكون القسوة في الأحكام الجزائية في شريعة حمورابي جاءت كردة فعل على تعقد الحياة في بابل وفق دراسة جديدة

تؤكد عالمة التاريخ الأمريكية أماندا بوداني، من جامعة بوليتكنك بولاية كاليفورنيا، أنّ "أقدم قانون وصل إلينا كان بالفعل قانون أورنمو (مؤسس سلالة أور الثالثة 2112 قبل الميلاد)، والذي سبق قانون حمورابي بأكثر من 300 عام".

ولعل ما يميز قانون "أورنمو"، أنّه تضمن عقوبات مالية أكثر من اشتماله على العقوبات البدنية مقارنة بقانون حمورابي، وفق بوداني.

2
لوح طيني يمثل قاموس سومري - أكدي - (Alamy)

أما المؤرخ الأمريكي داون ماككرومك من جامعة ولاية تينيسي الامريكية فيقول، إنّ قانون حمورابي "اختلف عن القوانين التي سبقته في العراق القديم بكونه أكثر تفصيلاً، وهذه التفاصيل تمنحنا الفرصة للتعرف على البنية الاجتماعية وتنوعها في بابل القديمة، وطبيعة الحياة وتعقيداتها".

وعلى أية حال، قد تكون القسوة في الأحكام الجزائية في شريعة حمورابي، جاءت كردة فعل على تعقد الحياة في بابل، لكن أهميتها التاريخية تأتي من كونها تعزيز لفكرة إقرار العدالة عبر قوانين محايدة وعادلة تضمن للجميع دون استثناء حقوقهم، وهي الفكرة التي ما زالت الشغل الشاغل في ذهن المشرع القانوي المعاصر، وما زالت الحكومات الحديثة تسعى جاهدة لتحقيقها، حتى وإن لو لم تنجح دائمًا.

ركز حمورابي في قانونه، كما هو الحال عليه في طوال مدة حكمه التي استمرت قرابة  43 عامًا، على أن يشار إليه بـ "الملك العادل"، و"محقق العدالة وراعيها"، وهي فكرة ما زالت الهدف الأول لدى الحكومات والتشريعات القانونية المعاصرة.

2
اللوح الحادي عشر - ملحمة كلكامش مدون باللغة الأكدية في متحف لندن

ولكي تتحقق العدالة في عهد حمورابي، كان ثمة عدة سبل يجب سلوكها للوصول إلى الحقيقة قبل النطق بالحكم، وكثير من هذه السبل ما زالت سارية المفعول في عالمنا المعاصر.

توضح عالمة التاريخ الأمريكية بوداني، أنّ "سكان العراق القديم كان لديهم نظام يركز كثيرًا على الوصول إلى حقيقة القضية، من خلال استخدام شهود العيان، والشهادة الشفوية في المحكمة، والأدلة المكتوبة، ومن خلال يمين الشهود وقسمهم بأنهم يقولون الحقيقة".

وتضيف، "كان القسم مؤثرًا بشكل خاص، بسبب اعتقاد الناس العميق أنّ الآلهة ستعاقبهم إذا كذبوا. فقد دون الكتبة بعض الوقائع خلال جلسات الاستماع أمام لجان من القضاء، وكشفت مدوناتهم عن فعالية وموثوقية هذا النظام في تحقيق العدالة والسلم الأهلي".