10-فبراير-2019

سيارة تحمل رقم أربيل في بغداد (فيسبوك)

بعد سنوات من الحصار وضعف عملية استيراد السيارات وكذلك إشكالات القدرة الشرائية للمجتمع والدولة، شهدت الأسواق العراقية انفجارًا بعد عام 2003 في استيراد كافة أنواع المركبات بمختلف المناشئ وعديد الاستخدامات. المدنية بأنواعها، والعسكرية، والزراعية. وأصبحت بعض العوائل العراقية لا تكتفي بسيارة واحدة، خصوصًا مع غياب تام لوسائل النقل العامة الحديثة مثل "المترو"، والتي تُسهّل عملية النقل بخطوط تصل إلى أغلب مناطق المدن كما في الكثير من العواصم العربية والعالمية.

الحصة الأكبر في استيراد السيارات هي لبغداد نظرًا لغياب وسائل النقل الحديثة عنها مثل "المترو" 

لبغداد الحصة الأكبر من عمليات الاستيراد غير المنضبطة التي شهدتها السوق العراقية بعد سقوط النظام البعثي، نظرًا لثقلها السكاني والاقتصادي. الدولة تستورد، والشركات العامة والخاصة تستورد، والمواطنون يستوردون كذلك. لا حدود ولا ضوابط لعملية الاستيراد، لتدخل إلى العاصمة أردأ أنواع السيارات، لعل أبرزها ما تُسمى "سايبا "، وهي إيرانية المنشأ بمتانة رديئة وضمان ضعيف، لكن رخص أسعارها وأسعار قطع غيارها، كما اقتصاديتها في صرف البنزين، دفع العديد من المواطنين في وسط وجنوب العراق لاقتنائها لغرض استخدامها سيارة للأجرة.

فروق في الأسعار وتسهيلٌ جديد

يلجأ المواطنون من المحافظات كافة إلى شراء السيارات من إقليم كردستان أو ما يسموه بـ"السيارات الشمالية" لعدّة اعتبارات، أبرزها الفرق في الأسعار، خصوصًا عند المقارنة بين السيارات التي تحمل لوحات بغداد، وقرينتها التي تحمل لوحات أربيل، السليمانية، دهوك.

من غير الاعتباطي أن يستورد الإقليم نحو نصف مليون سيارة في خمسة أعوام ونصف بحسب إحصائية رسمية، رغم تراجع سوق استيراد السيارات بدرجة كبيرة بسبب الحرب على تنظيم الدولة "داعش".

هاكوب وليد، بغدادي يُقيم في الإقليم، هوايته السيارات، شغوف بأخبارها وأسعارها وجديدها، تحدث لـ"ألترا عراق" عن الفروق الأساسية بالقول، إن "فروق كبيرة بين سيارات الإقليم وبقية المحافظات، من حيث سعر اللوحة أولًا، وفرق الربح بالنسبة لصاحب المعرض"، مبينًا أن "أصحاب المعارض في الإقليم يقبلون بأقل الأرباح، ويبيعون أكبر عدد ممكن من السيارات".

ويحق للمواطنين العرب المقيمين في محافظات الإقليم شراء السيارات وتحويل ملكيتها باسمهم، أما من غير المقيمين فيتم إعطائهم تخويلًا أو ما يسمّى "وكالة" تحويل مِلكية لقيادة السيارت في محافظاتهم حيث يسكنون.

وفي الثاني عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر أعلنت مديرية مرور أربيل عن إمكانية تسجيل السيارات بأسماء مشتريها من المواطنين غير المقيميمن في إقليم كردستان.

المواطنون العراقيون من غير المقيمين بإقليم كردستان يحق لهم أن يقوموا بشراء السيارة وتسجّل ملكيتها باسمهم

وقال المتحدث الإعلامي باسم المديرية، فاضل حاجي، إن "المواطنين من وسط وجنوب العراق من غير المقيمين في إقليم كردستان بإمكانهم شراء السيارات من معارض الإقليم ويتم تسجيلها، ولكن تمييزها بإعطائها لوحة أرقام تبدأ بـ(555) بعد جلبهم تأييدًا من الأسايش (الشرطة) وذلك لتمييز المقيمين في الإقليم عن غير المقيمين".

المؤسسات.. التنظيم والفساد

سيرى الزائر أو المراجع في مؤسسات الإقليم المرورية فرقًا واضحًا وكبيرًا بينها وبين مؤسسات المحافظات الوسطى والجنوبية في العديد من الجوانب، وقد جرى مؤخرًا نقل مديرية المرور العامة في أربيل لمنطقة أخرى "بحركه" بمواصفات جديدة، مثل المساحة الواسعة وتعدّد "شبابيك" المراجعات ما يُقلّل الزحام على الموظفين، وكذلك المرآب الكبير الذي يسع لعدد كبير من سيارات المراجعين.

طوابير المراجعين في مديرية مرور الكاظمية (فيسبوك)

كما أشار وليد في حديثه لـ "ألترا عراق" إلى بعض الفروق في هذه المسألة بالقول، إن "معاملة اللوحات "الترقيم"، أو تبديل اللوحات، تختلف في الإقليم عن المحافظات الأخرى، حيث أن المعاملة لا تستغرق وقتًا أكثر من يومين، كما أن المعاملة تجري دون "واسطات" أو رشاوى أو عمليات فساد من أي نوع كان". في الوقت الذي تستغرق فيه بعض معاملات المرور في بغداد شهرًا أو أكثر، فضلًا عن بقاء العديد من السيارات الحديثة دون ترقيم بحجة عدم توفر الأرقام لدى الدولة، وسيرى المتجول في العاصمة الكثير من السيارات التي تحمل ألواحًا ورقية مؤقتة، لحين ميسرة. أما الرشاوى وعمليات الفساد والزحام الشديد في مديريات المرور ببغداد والمحافظات فحدث ولا حرج.

وكالات مضمونة.. ومستعملات أفضل

أحد الباحثين عن (السيارات الشمالية)، وهو حيدر ستّار من سكنة بغداد، تحدث لـ ألترا عراق" عن أسباب إقدامه على هذا الخيار بالقول، إنني "أبحث عن سيارة من أربيل لعدّة أسباب، أولها رخص أسعار السيارات، بنحو ألف دولار على أقل تقدير، إضافة إلى نظافة السيارة".

وبيّن ستّار "يُمكنك شراء السيارة من شركة ما هناك، وتتعامل مع الشركة التي تستوردها من أماكن أمينة ومناشئ معروفة".

وأضاف "سببٌ آخر لشراء "الشمالية" هو أن المستعملة منها تكون عادةً أفضل من السيارات المستعملة في بغداد، وذلك لأفضلية شوارعهم مقارنة بشوارع بغداد المدمرة، وما ندعوه بـ"الطسات"، موضحًا أن "السيارات المُستعملة في بغداد تكون متعبة غالبًا بسبب الطرق غير المبلطة، وإذا كانت جديدة فستكون غالية مقارنة مع قرينتها الشمالية".

وفي أربيل.. يوجد عددٌ غير قليل من وكالات السيارات ذات الماركات العالمية المعروفة، مثل مرسيدس، بي أم دبليو، أودي، جاكوار، لاندروفر، تويوتا، نيسان، جيب، فورد، هيونداي، كيا، مازيراتي، شيفروليت، وجميع وكالات الآليات الثقيلة. ما يُتيح للمشتري الحصول على ضمانات معينة عند شرائه السيارة، كما يضمن توفر أدوات التصليح الأصلية وبالطرق الحديثة.

نظامٌ للفحص

ومن العوامل الأخرى التي تسهم في علو كعب سيارات الشمالية هو نظامُ "الهزّة" المُطبق في الإقليم. هاكوب وليد أفادنا بموجز تعريفي عن هذا النظام بالقول، إن "فائدة نظام الهزة المُطبق هنا هو قيام أصحاب السيارات باتباع نظام الأمن والأمان، وصيانة الأعطال للسلامة العامة قبل ذهابهم لفحص "الهزّة" تجنبًا لعدم نجاح سياراتهم في الاختبار"، واصفًا هذا الإجراء بـ"الرقابة الأوتوماتيكية "التلقائية" على متانة وسلامة السيارات كل ستة أشهر".

يستعمل نظام "الهزّة" للسيارات في إقليم كردستان للرقابة الأوتوماتيكية على متانة وسلامة السيارات كل 6 أشهر

ويُراجع المواطنون في محافظة أربيل، دائرة الفحص من أجل إجراء "الهزّة" كل ستة أشهر أو سنة، بحسب المدة التي تُعطيها الدائرة للسيارة وفقًا لمتانتها وسنة المنشأ وغير ذلك من المواصفات.

ويجري الفحص الدوري على كافة التفاصيل التي تتعلق بمتانة السيارة، مثل قدرة وسلامة العجلات، والمحرك، وكل ما يُمكنه أن يؤثر على سلامة السائقين، وكذلك البيئة، وتُفرض الغرامات المالية على من يتخلف عن موعد إجراء الهزّة، ما يُعطي أفضلية بالضرورة لسيارات الإقليم على سيارات المحافظات الأخرى من جميع النواحي، التي تسير بلا رقيب ولا حسيب إن ملأت الأجواء بدخان محركها المعطوب، أو سارت بلا أبواب!.

ثلاثة أرباع سيارات الإقليم لبغداد!

وبحسب مدير عام التجارة في وزارة التجارة والصناعة في إقليم كردستان نوزاد أدهم، الذي قال في تصريح صحفي إن "75% من السيارات التي تستورد إلى إقليم كردستان، يُعاد تصديرها إلى المحافظات العراقية، بل هناك شركات في الإقليم تستورد السيارات لصالح المحافظات العراقية"، مبينًا أن "التسهيلات التي قدمتها حكومة الإقليم في المنافذ الحدودية لاستيراد السيارات والاختلاف في الضرائب والرسوم ولوحات السيارات في إقليم كردستان عن تلك التي في سائر أنحاء العراق أدّت إلى إنعاش ملحوظ في مجال استيراد السيارات في العام 2017".

ضرائبُ أكثر

وللتدقيق، تحدّثنا مع (ف. ت) وهو أحد أصحاب المعارض في منطقة "النهضة"، والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بعمله، سألناه عن أسباب هذه الفروق في الأسعار بين الإقليم وباقي المحافظات، فأجاب بالقول، إن "التعرفة الجمركية التي تُفرض على السيارات التي تدخل إلى بغداد وبقية المحافظات عن طريق المنافذ الحدودية تبلغ حوالي 15% من قيمة السيارة، فيما تُرسم ضريبة على السيارة تبلغ 3% تُضاف إلى قيمة التعرفة الجمركية"، مبينًا أن "السيارات التي تدخل إلى الإقليم تُكلف المستورِد مبلغًا إضافيًا بنسبة 5% من قيمتها، وذلك يشمل الجمرك والضريبة، فضلاً عن أن التخمين في بغداد الذي يحدد قيمة الضريبة يكون أكبر مما هو عليه في الإقليم".

صاحب المعرض أشار إلى أن "السيارات الحمل تُكلف ضرائب جمة تبدأ من دخولها وتسجيلها إلى الضريبة السنوية، لذلك يلجأ المواطنون من المحافظات الوسطى والجنوبية إلى شراء السيارات الحمل الشمالية لعدم خضوعها للضريبة التي تُفرض في محافظاتهم".

توحيد مقبل للجمارك

الهيئة العامة للجمارك أصدرت بيانًا في الثامن من شهر شباط/فبراير الحالي، قالت فيه، إن "الهيئة العامة للجمارك الاتحادية وجمارك إقليم كردستان ستبدأ بتطبيق قرار توحيد الإجراءات والرسوم الجمركية في كافة المنافذ الحدودية بما فيها إقليم كردستان".

سيتم توحيد إجراءات الرسوم الجمركية بهذا الشهر في كافة المنافذ الحدودية بما فيها منافذ إقليم كردستان

وسيُطبق القرار بحسب بيان الهيأة، اعتبارًا من يوم الأحد 17 شباط/فبراير الحالي، وسيوحد التعرفة والرسوم الجمركية بما في ذلك السيارات، لكن تبقى مشاكل بغداد أكثر من مجرد "رسوم إضافية".

المعاناة في إنجاز المعاملة

وعند مقارنة الأسعار الرسمية، أي التي تبيعها الدولة هنا وهناك، لم نجد فرق شاسع بينهما. أسعار اللوحات في بغداد تبدأ من مليوني دينار "نحو 1600 دولار" لذات المحرك 4CYLINDER، وتصل إلى أربعة ملايين دينار "3300 دولار" بحسب حجم المحرك، فيما تتراوح الأسعار في أربيل بين 1800 إلى 3200 دولار.

(ف.ت) أوضح لـ "ألترا عراق" أن "جهة التصدير هي ذاتها إن كانت لبغداد أو الإقليم، فالتجار يجلبون السيارات من الولايات المتحدة أو من دبي، كما أن سعر اللوحة بالنسبة للمنطقتين لا يختلف اختلافًا كبيرًا، لكن المعاناة والمشاكل التي يتعرض لها التاجر أو المواطن البغدادي هي من تُساهم من في غلاء الأسعار نسبيًا ببغداد".

وأشار متحدثنا، صاحب المعرض، إلى أن "صاحب السيارة البغدادي الذي يُقدم طلبًا لترقيم سيارته سيحصل على طلبه من الدولة بعد سنة أو ستة أشهر على الأقل". ولفت المتحدث إلى أن "الدولة منعت المواطنين من استيراد السيارات بحرية، إذ يحق للمواطن وفق القانون الجديد استيراد سيارة واحدة في السنة الواحدة، ما جعلنا نلجأ للشركات المُستورِدة".

يدفع مستوردو السيارات في بغداد والمحافظات رشاوى للسيارة الواحدة تتراوح بين 500 إلى 700 دولار

وعن معاناة أخرى أثناء الترقيم أفاد المتحدث بأن "المستورد في بغداد والمحافظات قد يتعرض لعملية نصب مما يُدعى "المُخلّص"، معقب المعاملات الذي قد يتخلّف عن دفع التعرفة الجمركية عند دخول السيارة من المعبر الحدودي، ويزور وصولاتها، لينكشف الأمر بعد سنة أو سنتين، وتُحجز السيارة عند سيء الحظ الذي اشتراها"، مضيفًا أن "عملية الابتزاز ودفع الرشاوى لن تتوقف منذ أول إجراء لعملية "الترقيم" حتى النهاية، حيث أن السيارة الواحدة تُكلفنا من 500 إلى 700 دولار رشاوى مقسمة لإنجاز المعاملة".