تشغل الأزمة المائية التي يشهدها العراق الأوساط الحكومية والبرلمانية والشعبية على حد سواء، وبالرغم من أنّ قلة الإيرادات المائية ليست حديثة، ومستمرة منذ أربعة أعوام متتالية، لكنّ المشاهد المتتالية عن "موت" العديد من الأنهر الفرعية والبحيرات والأهوار، وكذلك نفوق الكثير من الأحياء سواء البحرية أو المواشي، جميعها رفعت من منسوب القلق والنقاش حول مصير العراق مع المياه.
تشير الإحصائيات إلى أن العراق يحتاج كمتوسط إلى 60 مليار متر مكعب من المياه سنويًا
وما عزّز المخاوف أكثر، تأكيد وزارة الموارد المائية على أن الوضع المائي في البلاد وخزينه الاستراتيجي هو الأقل بتاريخ البلاد، أو منذ بدء تسجيل الإيرادات المائية وإحصائها في ثلاثينيات القرن الماضي.
فيديو | منتسب يعبر نهر دجلة سيرًا على الأقدام قرب جسر الجمهورية pic.twitter.com/MUaK0X8Ng0
— Ultra Iraq | ألترا عراق (@UltraIRQ) July 25, 2023
ولعلّ لا شيء يوضح حجم الأزمة بعد الصور والمشاهد الموثقة لتبعات وآثار الشح المائي، أكثر من الأرقام، ولكنّ أبرز الأرقام المعلنة من وزارة الموارد المائية، هي أنّ العراق يحصل على 30% فقط من حصته المائية من دول الجوار، فضلًا عن أنّ الخزين لا يبلغ سوى 7 مليارات متر مكعب.
وعلى هذا الأساس، يجري "ألترا عراق" مراجعة ومقارنة بالأرقام عن الإيرادات المائية للعراق في الوقت الحالي مقارنة بالسنوات السابقة، للتوصل إلى صورة أوضح عن الأزمة، وكذلك معرفة كم انخفضت حصة الفرد الواحد من المياه.
وتشير الإحصائيات إلى أنّ العراق يحتاج كمتوسط إلى 60 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، لكافة الاستخدامات الزراعية والحياتية اليومية.
وكان آخر عام شهد العراق فيه وفرة مالية تتجاوز هذا الرقم، هو عام 2019، حيث تجاوزت الإيرادات المائية الـ93 مليار متر مكعب، حيث اعتبر ذلك العام بأنه عام فائض مائي، لكنها انخفضت في 2020 إلى 49 مليار متر مكعب، وهي السنة الأولى من سنوات الجفاف.
وفي العام الثاني للجفاف 2021 انخفضت الإيرادات المائية إلى 31 مليار متر مكعب، وهي نسبة تعادل 50% فقط من حاجة العراق للمياه.
وبينما لا تتوفر بعد بيانات الإيرادات المائية لعام 2022، إلا أنه بالتحليل الرقمي يمكن التوصل إليها، حيث بحسب تصريحات وزارة الموارد حينها، فإن الايرادات المائية الواصلة تعادل 35% من المعدل العام، وهو ما يعني أن مجموع إيرادات دجلة والفرات في 2022 بلغ 21 مليار متر مكعب فقط.
أما خلال العام الحالي 2023، تشير وزارة الموارد إلى أنّ إيرادات نهر دجلة تبلغ 313 متر مكعب بالثانية، والفرات 175 متر مكعب بالثانية، ما يعني أن المجموع يبلغ 488 متر مكعب بالثانية، ما يشير إلى أنّ إيرادات العراق المائية خلال 2023 ستبلغ 15 مليار متر مكعب فقط.
ويظهر بشكل جلي، أنّ إيرادات العراق انخفضت منذ 2019 وخلال الأعوام الأربعة للجفاف بنسبة 84% وصولًا إلى 2023، أي من 93 إلى 15 مليار متر مكعب فقط، أما بالمقارنة مع احتياج العراق، فإنّ الإيرادات المائية الحالية تسد 25% فقط من الحاجة الكليّة للمياه.
كم فقد الفرد العراقي من حصته المائية؟
في عام 2019 بلغت حصة الفرد من المياه 2389 متر مكعب، أما في 2020 انخفضت إلى 1237 متر مكعب، وفي 2021 بلغت 758 متر مكعب من المياه فقط.
في حين أن العام 2022، بلغت حصة الفرد العراقي من المياه فيه 496 متر مكعب فقط، وفي 2023 ستبلغ حصة الفرد 348 متر مكعب فقط.
بعبارة أخرى، فإنّ حصة الفرد العراقي من المياه حاليًا تعادل 14% فقط من حصته عام 2019، وبالمقارنة مع العام الماضي، فإنّ حصة الفرد العراقي من المياه انخفضت 30% خلال عام واحد فقط.
وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أنّ حاجة الفرد من المياه للشرب والاستخدامات اليومية، تبلغ كمتوسط 300 لتر في اليوم، أو 110 متر مكعب في السنة، وهو ما يعني حاجة جميع العراقيين كأفراد لـ 5 مليار متر مكعب للاستخدامات اليومية والشرب فقط دون أية استخدامات أخرى سواء زراعية أو صناعية.
وهذا يعني أنّ الإيرادات المائية الحالية سيذهب 35% منها للاستخدام اليومي، وسيكون للاستخدامات الأخرى 10 مليار متر مكعب فقط متاحة للاستخدامات الصناعية والزراعية وغيرها من الاستخدامات، وهي كمية لا تكفي لزراعة حتى مليون دونم، وهي مساحة تعادل خمس ما يحتاجه العراق من مساحات للزراعة.
وتقوم وزارة الموارد المائية بتخفيض الحصص المائية على الزراعة أو المسطحات المائية وجميع الاحتياجات الأخرى مقابل الحفاظ على حصة الفرد من المياه للشرب والاستخدامات اليومية.
في العام 2026 ستصل الأزمة المائية إلى الشرب والاستخدامات اليومية
لكنّ وبمتابعة حجم الانخفاض السنوي لحصة الفرد من المياه، حيث انخفضت في 2020 بنسبة 49%، وفي 2021 انخفضت بنسبة 39%، وفي 2022 انخفضت بنسبة 38%، وفي 2023 انخفضت بنسبة 30%، فإنّ استمرار هذا المعدل بالانخفاض سيؤدي إلى انخفاض حصة الفرد من المياه إلى 240 متر مكعب العام المقبل، وإلى 180 متر مكعب في عام 2025، في الوقت الذي تبلغ حاجة الفرد من المياه سنويًا للشرب والاستخدامات اليومية 110 مليار متر مكعب، أي أنه في عام 2026 سيفقد الفرد العراقي حصته المطلوبة من المياه سواء للشرب والاستخدامات اليومية، في حال استمر الانخفاض بالإيرادات المائية وفق المعدل الحالي.