14-مايو-2018

أظهرت الانتخابات العراقية تيارًا وطنيًا شيعيًا جديدًا (Getty)

سُمعت الأصوات عالية بعد منتصف ليلة الأمس في ساحة التحرير وسط بغداد، عندما كانت مجموعة من العراقيين يحتفلون بنتائج الانتخابات ويصرخون بأعلى أصواتهم "باي باي نوري المالكي"، وعلى الرغم من حصول رئيس الوزراء السابق، على أصوات عالية في بغداد، لكن الحقيقة المرّة بالنسبة لمناصريه هي خسارته الكثير من مقاعده التي كان يتبجح بها. يعتقد هؤلاء المحتفلون أن المالكي أضعف الآن، وربما يحاكم فيما بعد عما حدث في أيام حكمه، سقوط الموصل ومعها محافظات أخرى على يد داعش، وانهيار الاقتصاد العراقي، ومجازر بشرية لا تعد، وخطاب طائفي ظل يلقي بظلاله على الواقع العراقي، سياسيًا واجتماعيًا حتى الآن.

كانت النتائج محزنة جدًا، ومخيبة للآمال بالنسبة للوجوه المتحكمة في العملية السياسية لخمسة عشر عامًا

في منتصف ليل الأحد، أعلن عن نتائج الانتخابات العراقية لـ 9 محافظات من أصل 18 محافظة. كانت النتائج محزنة جدًا، ومخيبة للآمال بالنسبة للوجوه المتحكمة في العملية السياسية لخمسة عشر عامًا، والكتل الكبيرة وحرسها القديم. إذ أظهرت نتائج هذه المحافظات تقدم قائمتي سائرون والفتح، بفارق لا يستهان به عن حزب الدعوة وقائمة النصر ورئيسها حيدر العبادي، الذي كان يعتقد حتى الساعات الأخيرة، أنه سيخرج بالحصة الأكبر من الأصوات، وبالتالي المقاعد الأكثر.

وبالرغم من أن النتائج التي ظهرت حتى اللحظة لا تشمل بعض المحافظات مثل النجف وميسان وكركوك وصلاح الدين ومحافظات كردستان، ولا تشمل تصويت القوات الأمنية وعراقيي المنفى والنازحين، إلا أن المعطيات لا تشير إلى أن النتائج ستتغير كثيرًا بعد ظهور النتائج بالمطلق.

مع أن المنافس الأكبر لسائرون، هو تحالف الفتح، المقرب من إيران، والذي يضم شخصيات مقربة من إيران، إلا أن حلول تحالف سائرون في المرتبة الأولى، وحصوله على عدد أصوات أكبر، يكشف عن توجه عراقي شيعي جديد، مختلف عن الحقب السابقة التي أعقبت مرحلة الاستبداد، حيث حصل سائرون على المرتبة الأولى في ست محافظات، وثانيًا في أربع محافظات أخرى، وحصل على مرتبة لا يستهان بها في محافظات سنية مثل ديالى التي ربما يكون له فيها مقعدان، وحصل في الأنبار على 7000 صوت. تقدّم سائرون يعتبر خسارة لإيران وأدواتها التي تراهن دائما على الاستقطاب الطائفي والتوافق العقائدي، لأسباب كثيرة، منها أن سائرون تشكل على أساس غير مذهبي، إنما تجمع الحزب الديني "التيار الصدري" و"الحزب الشيوعي" في تحالف واحد يعتبر امتدادًا لساحات الاحتجاج التي انطلق منها شعار رفض المحاصصة، وتشكيل حكومة على أساس "تكنوقراط" منذ 2015 والتي تحالف فيها الصدريون والشيوعيون وبعض القوى المدنية لـ"محاربة الفساد والمحاصصة"، ما يعني أن وجود هذا التحالف سيكون ضدًا نوعيًا للأدوات الإيرانية في داخل البرلمان وخارجه، مثلما كان في السنوات السابقة، بناء على العلاقة المتوترة التي تجمع بين مقتدى الصدر من جهة، وإيران والفصائل المدعومة منها من جهة أخرى، إضافة إلى أن التحالف قدّم أسماء جديدة لم يكن لها تمثيل في الساحة السياسية من قبل.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات العراقية.. ائتلافات بلا برامج ومتاجرة بـ"النصر على داعش"

أما تحالف الفتح الذي حل في المرتبة الثانية، فكان فوزه وصعوده غير مفاجئ، بل متوقعًا، خصوصًا أنه يحمل رأسمال معنوي، ألا وهو النصر على داعش، وتحرير بعض المناطق بالاشتراك مع الجيش العراقي، إضافة إلى النمط المذهبي المعروف عنه، والذي لا يزال يشكل أهمية في آليات التحشيد والانتخاب لدى بعض العراقيين، نظراً للثقافة التي تركها نظام المحاصصة، والانقسام المذهبي الحاصل بسبب الإفرازات السياسية على الوعي الجمعي الطائفي الذي تراجع كثيرًا، لكن رواسبه لم تتلاش تماماً على الواقع حتى الآن. لكن محاربة داعش والانتصار عليه كانت المادة الانتخابية الدسمة للكثير من الكتل التي استفادت من هذه القيمة في عدد الأصوات والمقاعد، فالفتح والنصر، استخدما هذه القيمة كإنجاز بديل عن البرنامج السياسي الذي يشكل الصورة النمطية في آليات الانتخاب في الأنظمة الديمقراطية أو شبه الديمقراطية.

حلول سائرون في المرتبة الأولى، وحصوله على عدد أصوات أكبر، يوضح توجه عراقي شيعي جديد متحلل من السطوة الإيرانية

لكن المفاجآت الكبرى، كانت تتمثل في التصويت المنخفض الذي حصلت عليه الوجوه القديمة، والتي كانت تعتبر أنفسها قادة مكونات، وقادة أحزاب، ولها قبول واسع في الشارع العراقي. لم تحصل هذه الوجوه على الأصوات الكاملة التي تؤهلهم إلى قبة البرلمان، بعدما كانوا قد ملأوا الدنيا بصراخهم الطائفي والمكوناتي، فهذه حنان الفتلاوي التي كانت تطالب بأن يكون توازن في القتل بين العراقيين، حيث تقول: "حين يقتلون 7 شيعة أريد أن يقتلوا 7 سنة" وكانت تتبجح بجمهورها، لم تحصل على أصوات، ومن غير المرجح أنها ستحصل على مقعد حتى الآن، ربما تدخل إلى البرلمان، وربما لا تدخل. وهذا همام حمودي، رئيس المجلس الأعلى، لم يحصل هو وقائمته على الأصوات التي كان يحصل عليها في الدورات السابقة. وكذا ائتلاف دولة القانون، بعدما كان يحصل على 89 مقعدا، ربما لن يصل عتبة الـ40 هذه الدورة. وذاك سليم الجبوري، رئيس البرلمان الحالي، ومعه ظافر العاني، لم يحصلا على الأصوات الكافية ولا الآلاف الذين كانوا يصوتون لهما حين كانا يمثلان صوتًا طائفيًا وسط "صراع الديكة" الذي كان يعرضه المشهد العراقي باستمرار.

إضافة إلى عزوف الناس عن الانتخابات، وتدني النسبة، فإن الطبقة السياسية والوجوه التقليديّة في العراق، لا تزال لم تدرك أن زمن الخطاب الطائفي الذي كان يأتي بالأصوات، قد ولّى، وأن الناس بدأت تبحث عن الإنجازات الفعلية، على المستوى السياسي والتنفيذي والخدمي، وأن الخطابات الانفعالية على التلفاز باتت لا تنفع ولا تمنح مقعدًا في البرلمان، وأن الإرث في معارضة صدام لا يفيد وسط هذا الفشل في إدارة الدولة والصراع في العراق، فالناس حسب مراقبين، تريد اليوم من يحارب الفساد فعلًا، لا من يتستر عليه تحت عنوان الفساد الطائفي أو المحاصصاتي.

اقرأ/ي أيضًا: الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات

وفقًا للنتائج التي أعلن عنها، فإن الخلاف على تشكيل الحكومة سيطول، خصوصًا وأن هناك إشكالًا كبيرًا بين بغداد وأربيل بسبب أزمة الاستفتاء، وأن قائمة الفتح التي حلت بالمرتبة الثانية في المحافظات المذكورة، بأطرافها العسكرية وفصائلها المسلحة غير مقبولة كرديًا، وغير مقبولة سنيًا، وغير مقبولة من القائمة التي حلت بالمرتبة الأولى "سائرون"، حيث بقي مقتدى الصدر يصرح ضد الفتح إلى الأيام الأخيرة التي سبقت الانتخابات.

الخلاف على تشكيل الحكومة سيطول، خصوصًا وأن هناك إشكالًا كبيرًا بين بغداد وأربيل بسبب أزمة الاستفتاء

إن الحالة الانتخابية إلى الآن متشابكة، وهناك أطراف معترضة على النتائج وهناك مشكلة في كركوك حول النتائج، وتنافس وتصريحات بدأت من الآن حول من يشكل الحكومة؛ الفتح ومعه دولة القانون وبعض الأطراف المقبولة إيرانيًا والمرفوضة أمريكياً؟، أم سائرون ومعه النصر وائتلاف الوطنية وبعض الأطراف التي ترفض المحاصصة والمقبولة إقليميًا وأميركيًا والمرفوضة إيرانيًا؟ وهل سينتصر تيار المحاصصة والتوافق في تشكيل الحكومة؟ أم التيار الذي يرفضها ويدعو إلى تشكيل حكومة وطنية؟ يبقى هذا السؤال مفتوحًا، خصوصًا بوجود اللاعب الخارجي الذي يتحكم كثيرًا في تشكيل الحكومة ووضع ملامحها الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بقايا حملات الانتخابات العراقية.. مصدر رزق لـ"العتاكة"

مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي